ثماني مجموعات شعرية "الطوفان، غابة الصمت، حرائق الندى، ضفاف المستحيل، جدلية الموت والالتصاق، الرحيل نحو الصفر، والبوابة والريح ونافذة حبيبتي، والسيرة الزرقاء قصائد مختارة، في الساحة الثقافية والمشهد الشعري العربي"، بالإضافة لثلاثة كتب في دراسات نقدية، "صوت الجوهر تأملات في الشعر والنقد، ومهب الشعر مقالات ودراسات، وهكذا تكلم جبران".

إنه الدكتور "نزار بريك هنيدي" الطبيب الجراح- الشاعر الناقد- عضو اتحاد كتاب العرب، الحائز دبلوم شرف من الأكاديمية العالمية للشعر "شرق غرب" بالإضافة إلى العديد من الجوائز في الشعر والطب من داخل سورية ومن خارجها، والذي قُدمت دراسات متعددة حول إنتاجه الشعري والأدبي.

الدكتور "نزار بريك هنيدي" إنسان قبل أن ألتقي به كنصٍّ مكتوب.. ولشد ما دهشت عندما اطلعت على إبداعه النصي "شعراً ونقداً"، ووجدت حالة التطابق الفريدة بين ما يكتبه "يبدعه" وما يعيشه، فهو مسكونٌ بالهم الثقافي ومتابع نشط للحياة الثقافية، ليس في سورية وإنما في الوطن العربي والعالم

الناقد الدكتور"عاطف البطرس" تحدث لموقع eSyria بتاريخ 3/12/2008 قائلاً: «الدكتور "نزار بريك هنيدي" إنسان قبل أن ألتقي به كنصٍّ مكتوب.. ولشد ما دهشت عندما اطلعت على إبداعه النصي "شعراً ونقداً"، ووجدت حالة التطابق الفريدة بين ما يكتبه "يبدعه" وما يعيشه، فهو مسكونٌ بالهم الثقافي ومتابع نشط للحياة الثقافية، ليس في سورية وإنما في الوطن العربي والعالم»..

د. عاطف البطرس

وأضاف يقول: «الحديث عن تجربته الشعرية المديدة سعة وعمقاً تحتاج إلى بحث تخصصي "دراسة نصية" لأن الدراسات العامة لا تقدّم معرفة دقيقة، فمثل هذا الإنتاج لا بد له من ناقد محترف ومتخصص في الشعر ومطّلع على التجربة الشعرية العربية والعالمية، ما يلفت النظر في إبداع الدكتور "نزار" شموله المعرفي وحوارية المعارف لديه، فهو ليس معنياً بالشعر فقط، وإنما يستند إلى مرجعية فكرية فلسفية أي يمتلك رؤية للعالم والإنسان والمجتمع، وبالتالي عندما يكتب يعطيك نصاً مشبعاً بالمعرفة والفن».

موقع eSyria التقى الشاعر والناقد الطبيب الجراح "نزار بريك هنيدي" بالحوار التالي:

هكذا تكلم جبران

  • ما تأثير ثقافتك العلمية على تجربتك الشعرية؟
  • ** أستطيع أن أفهم السؤال على أكثر من منحى فربما كان المنحى الأول يقصد، العلاقة بين ثقافتي العلمية كطبيب جراح، وبين ممارستي للكتابة الشعرية، أما المنحى الآخر وهو الأهم فربما كان يعني الحديث عن ضرورة المعرفة العلمية للشاعر وأثر ذلك في إنتاجه الشعري، وفي الإجابة عن المنحى الأول سأقول:

    د. نزار بريك هنيدي

    إنني بدأت الكتابة قبل فترة طويلة من اعتزامي دخول كلية الطب، بل ربما كان دخولي لهذه الكلية بسبب الشعر حصراً، ذلك أن علاقتي بالأدب والشعر بدأت منذ المرحلة الابتدائية، ونشرت أول قصيدة عندما كنت في الخامس الابتدائي وفي مرحلتي الدراسة الإعدادية والثانوية، أصدرت مجلة مطبوعة "الواحة" وترأست تحريرها طوال فترة صدورها. وفي المرحلة الابتدائية والإعدادية كتبت الشعر العمودي ذا الشطرين، وبعدها انتقلت إلى كتابة قصيدة التفعيلة في المرحلة الثانوية، وهي القصائد التي ستشكل نصوص ديواني الأول الذي صدر في نهاية المرحلة الثانوية، أي قبل أن أدخل كلية الطب وهكذا فلا يمكن لي الحديث عن تأثير مباشر لمهنتي كطبيب في نشأة علاقة مع الأدب والشعر، أما المنحى الآخر من السؤال والذي يأخذ طابعاً نظرياً عاماً حول ضرورة الثقافة العلمية للشاعر فأقول:

    إن الشاعر في مذهبي هو الذي يستطيع أن يعبّر عن أعلى مشاعر ورؤى واستفسارات الجوهر البشري برمته، ولذلك لا بد له أن يكون مطلعاً على مجموع ما أنتجه الفكر البشري في مجالاته المتعددة، بما فيها ما يسمى بالعلوم البحتة، وذلك هو السبيل الوحيد أمام شاعر معاصر كي يكون قادراً على تأدية دوره كراءٍ يرى ما لا يراه الآخرون وعندما أؤكد على هذه الفكرة فكي أصحح ما نسمعه من بعض الشعراء المحدثين الذين لا يتنكّرون لأية علاقة لهم بالعلوم فحسب، بل يتنكرون حتى لمعرفة تاريخ الشعوب والحضارات والمذاهب الأدبية والفنية وقراءة ما سبق للجنس البشري أن أنتجه من شعرٍ وفنون وفلسفة وأعمالٍ خالدة.

    إن مفهوم الشاعر الفكري الذي يعيش على انفعاله المباشر بالأشياء البسيطة من حوله لم يعد له مكان في عالم الشعر المعاصر، بل يمكن لي أن أزعم أنه لم يكن له مكان في التاريخ الشعري على الإطلاق، فحتى الشاعر الجاهلي في تراثنا العربي كان مثقلاً بالمعرفة المتوفرة في عصره وكان ممتلكاً لجميع الإنجازات الغنية التي وصل إليها وإلاّ لما كان أنجز هذه القصائد الخالدة.

  • ما إشكاليات الأجناس الأدبية عامة والشعرية خاصة هذه الأيام؟
  • ** كثر الحديث في الكتابات الصحفية والنقدية المعاصرة عن تخطي الكتابة في مفهوم الجنس الأدبي ولا بد هنا من توضيح مسألة غاية كبيرة من الأهمية تتعلق بالطريقة التي يتناول فيها كتابنا العرب هذه المقولة، ويخرجون بها عن منحى الأصل الذي قيلت فيه ضد النقد الغربي المعاصر، ففي حين أن النقاد الغربيين انطلقوا أن هذه المقولة من الشعر تحديداً ليقولوا إن فضاء الشعرية المعاصرة أصبح من الرحابة بحيث يطاول جميع الأجناس الأدبية والفنية بغية إنجاز نص أكثر شموليةً وأكثر شعرية.

    أما كتّابنا فقد فهموا من ذلك تدمير جميع الأسس التي تميز جنساً أدبياً عن آخر، بحيث تضيع معه الجهود الجبارة التي أنجزها الفن البشري في هذا المجال، وترافقت هذه النظرة مع المفاهيم السطحية التي وصلت إليه عن النظريات الأدبية المعاصرة، كالتفكيكية مثلاً، فظنوا أن ذلك يعفيهم من مشقة معرفة الطاقات التعبيرية لكل جنس أدبي واختلاط كل ذلك في نص هذيانٍ مسطح لا يقول شيئاً في المآل الأخير.

  • هل كانت الحداثة العربية ضرورية تمليها شروط الموضوعية أم أنها حداثة وافدة؟
  • ** لا يمكن للشعر أن يكون حقيقياً إذا لم يكن يطلع إلى أقصى الرؤى التي يصبو إليها الجوهر الإنسان، بهذا المعنى فلا بد للشعر من أن يكون حديثاً أو أن يصبو إلى الحداثة على الدوام، وحداثة الشعر هنا لا تتعلق بالبنية الاجتماعية أو الاقتصادية لمجتمع ما إلاّ بمقدار ما تشكل هذه البنى معطيات لتشكيل رؤية ذات طابع حداثي ولذلك فإن كل هذا اللغط الذي يثار حول تجربة الحداثة الشعرية العربي لا يتوجه إلى البؤرة الصحيحة التي يجيب أن يبدأ السؤال منها، ذلك أن سؤال الحداثة ليس هو سؤال الشكل فقط، وحتى فيما يتعلق بالشكل فلا بد من القول أن على أي شاعرٍ أن يسعى إلى تحديث الشكل الذي يكتب به على الدوام ولا شك أنه في سعيه هذا سيستفيد من كل ما يطّلع عليه من تجارب بما فيها التجارب الغربية، وهذا هو السبب الذي جعل بعض الكتاب يتهمون حركة الحداثة بأنها وافدة عن الغرب، ولا بد لي من التأكيد أنني أتحدث هنا عن الشعر الحقيقي وهو بالتأكيد لا يشكل إلاّ نسبةً ضئيلة من هذا الركام الكبير الذي أنتج باسم الحداثة والحداثة والشعر منه براء.

  • كيف ترى الوجود من خلال علاقتك بالشعر؟
  • ** يمثل الشعر بالنسبة لي البوابة التي أطرقها باستمرار بحثاً عن أجوبة للأسئلة الكبرى التي تتعلق بوجودي الشخصي ككيان مستقل وسط الوجود العام الذي يتألف من كل الموجودات التي تحيط بي ومن كل الأفكار والعقائد التي ورثتها عن الجنس البشري ومن كل الصور التي تتراءى في مخيلتي فتصنع عالماً آخر لا يقل حقيقةً عن حقيقة الأشياء التي أتعامل معها بالحواس الخمس، هذا الوجود المترامي الأطراف من الأشياء المادية إلى الصور المتخيلة يشكل البحر الهائل الذي أسبح فيه مستخدماً شراعاً واحداً هو شراع الشعر، الذي يستطيع أن يطوف بي في جنبات هذا الوجود محققاً لي ما أصبوا إليه كإنسان وكشاعر من الاتحاد بجميع عناصر هذا الوجود.

  • ما علاقتك الروحية بـ"جبران خليل جبران"؟
  • ** قرأت "جبران" مبكراً بطفولتي الأولى، ولا أكتمك أنه لم يستهويني وقتها على عكس أترابي وعلى العكس مما هو شائع من أن قراء "جبران" هم الفتيان، ففي تلك المرحلة وجدت كتاباته بسيطةً إلى حدِّ السذاجة، مقارنة مع ما كنت أنبهر به من أدبٍ رفيع، ولم أعد إلى قراءة "جبران" إلاّ منذ سنوات حين طلب مني أحد الناشرين أن أكتب مقدمات لكل كتاب من كتب "جبران" لإصدارها بحلة جديدة، وفوجئت عند قراءتي الجديدة أنني أكتشف عالماً ساحراً يختلف مع انطباعي الأول عنه، كما يختلف مع العدد الكبير من الدراسات التي كتبت عن الأدب الجبراني مما جعلني أتفرغ لمشروع إعادة قراءة "جبران" وإعادة قراءة معظم ما كتب عنه باللغات المختلفة، وأقدم فهماً جديداً تماماً للأدب الجبراني وللفكر الجبراني من خلال كتابي الذي أصدرته بعنوان "هكذا تكلم جبران".

  • ما رأيك بمقولة تعايش الأشكال في الشعر؟
  • ** لا بد لنا في البداية من ملاحظة أن مجتمعنا العربي تتعايش فيه أنماط متعددة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية فمازالت هناك بعض العلاقات ذات الطابع الرعوي أو الفلاحي، بالإضافة إلى ما استجد من علاقاتٍ ذات طابع رأسمالي مع الاختلاف الكامل بين المدينة والريف والحياة البدوية، كل هذه الأنماط تتعايش جنباً إلى جنب مما يعني أن جميع التعبيرات الفكرية أو الفنية مازالت تجد حاملها الاجتماعي.

    ومن ناحية أخرى لا بد من التأكيد على أن الأشكال الفنية بطبيعتها لا تفنى بل تبقى تفعل فعلها بغض النظر عن الجمال، وتلك هي السمة المميزة لأي فنٍ من الفنون، لذلك فإن ما يتخيّله بعض الشعراء أو النقاد المحدثين من الذي يظنون أن شكل القصيدة الجديدة جاء ليلغي الشكل الكلاسيكي للقصيدة العربية، وهو تصور ساذج لأنه يتجاهل أن الشكل الكلاسيكي ما هو إلاّ نتاجاً عبقرياً لقرونٍ من التجارب الفنية وإن ثورة الحداثة الشعرية العربية عندما خاضت معاركها لم تكن تهدف إلى إزالة هذا الشكل وإنما إلى الاعتراف بشرعية القصيدة الجديدة جنباً إلى جنب مع الشكل التقليدي الذي يبقى أكثر مناسبةً عند بعض الشعراء للتعبير عن مواقف أو رؤى معينة.

  • كثرة الجوائز الأدبية.. ما موقفك منها ورأيك فيها؟
  • ** من خلال تجربتي في المشاركة بلجان تحكيم عددٍ كبيرٍ من الجوائز الأدبية أستطيع أن أقول أن المعيار الإبداعي هو آخر ما يؤخذ به لتقرير فوز عمل ما للجائزة، إذ تسبقه عوامل واعتبارات متعددة لا علاقة لها بالقيم الفنية بل إن كثيراً من القيّمين على هذه الجوائز لا يأخذون باعتبارهم حتى التقارير الاختصاصية التي ترفعها لهم لجان التحكيم، لذلك فإن تلك الجوائز لا تعني سباغ أية قيمة فنية مضافة للفائز، ولكن مع ذلك تبقى لهذه الجوائز أهمية تتجلى في الدعم المادي الذي قد تقدمه للمبدع وفي الترويج الإعلامي للعمل الفائز.