بعد أن يحمل الفلاح رزقه من القمح إلى منزله في أكياس كبيرة يقسمه إلى قسمين، قسم يذهب إلى "الكواير"* المعدة خصيصاً لتخزين القمح من أجل سني القحط والجفاف، (وهي التي يطلق عليها الحاصل) ومن أجل بيع بعضها لتحسين المعيشة والقليل منه للبذار من أجل الموسم القادم، أما القسم المتبقي فيذهب للغسيل، وهي العملية التي يطلق عليها أبناء الجبل (الصويل)، وهي الكمية التي من خلالها ينتج الفلاحون الطحين والبرغل.

تقول السيدة "نايفة الشاهين" لموقع eSuweda عن الطريقة المتبعة في غسيل القمح حتى يصبح جاهزاً للذهاب إلى المطحنة: «تقوم النساء في العادة بملء برميلين كبيرين من الماء النظيف، وتوضع قطعة من الخيش على وجه كل برميل، وتربط جيداً بالحبال حتى لا تفلت وتحافظ على ما التقطته من الحصى الصغيرة والشوائب التي تخرج من القمح، وبعد ذلك تقوم النساء بجلب غربال صغير، عيونه صغيرة حتى لا يخرج القمح منه، ومهمته تنظيف القمح من التراب، ويطلق عليه (زوم)، فالزوم الأول هو الذي تبدأ عملية الصويل به، حيث تقوم إحدى النساء بمسك الغربال بيد، وباليد الأخرى تحرك القمح الموجود بالغربال على شكل دائري حيث يخرج منه أكثر الشوائب من تراب وحصى وأشواك، فتقوم السيدة بعزل جزء من القش والأوساخ المرافقة ورميها قبل أن تعطي الغربال لسيدة أخرى بجوارها تقف على برميل ثان، تقوم هذه السيدة بنفس العملية ويكون هذا الزوم أنظف بكثير من الأول، وفيه تبدأ الحصى الصغيرة بالتجمع فوق القمح، ومعها القمح الصغير الذي لا يخرج من فتحات الغربال الصغيرة حيث يصار إلى رميها على جنب، وتكون طعاماً للدجاج، ويذهب الغربال بالقمح النظيف ليرمى على وعاء من القش حتى يصار إلى تنشيفه من الماء قبل نقله إلى السطح من أجل أن يجف نهائياً».

تبدو العملية للوهلة الأولى سهلة جداً، ولكنها على غاية كبيرة من التعب، ولذلك تتعاون نساء الحارة على العمل، وحيث يبدأن بالتوافد منذ الصباح الباكر للعمل، ويتوزعن على براميل الصويل من أجل إنهاء العمل باكراً، ويرافق ذلك الأغاني الشعبية التقليدية، والحكايات القديمة حتى يمضي النهار، وهكذا في كل المرات التي تتعاون فيه النساء من أجل ذلك

الأستاذ "سلمان البدعيش" المهتم بجمع التراث وتوثيقه قال لموقعنا عما اكتشفه خلال بحثه عن هذه العملية: «تسمى عملية غسل القمح (الصويل) وكانت تقوم بها النساء في القديم قرب مصدر مائي، وغالباً ما يكون نبع الماء في القرية، فتجلس كل امرأة خلف وعاء نحاسي كبير يسمى (اللّكن) حيث تقوم النساء بملئه حتى نصفه بالماء، يفرغ القمح في اللكن الأول ويحرك في الماء فيتحلل التراب وتترسب قطع الحصى الصغيرة وتطفو بقايا القش والقمح الفاسد على وجه الماء فيجمع براحتي اليدين عن وجه الماء ويرمى جانباً ويسمى (صوالة) أو(قزمل) وهو عبارة عن قمح صغير مغلف بالتبن، ولم يكتمل نموه بعد، وغالباً ما يستعمل كعلف للدجاج أو الحيوانات، ويمكن أن تساعد عدة نساء من القرية في عملية الصويل فإن أكثر الأعمال التي تتم في القرية إن كانت تتعلق بالزراعة أو البناء يسودها روح التعاون والعمل الجماعي.

القمح يصفى من الماء بطريقة تقليدية

بعد ذلك ينقل القمح براحتي اليدين أيضا إلى اللكن المجاور الذي تجلس خلفه امرأة أخرى، فتقوم بغسل القمح بماء نظيف يوجد في لكنها، ثم تنقله إلى وعاء آخر بجانبها قد يكون من القش أو الصفيح المثقب والذي يقوم بدور المصفاة لتخليص القمح من بقايا الماء، حيث ينقله رجل أو أكثر لينشر على سطح المنزل بسماكة حوالي 5 سم، وغالباً ما يكون السطح المعد لنشر القمح عليه مكسواً بطبقة من الطين المدلوك، والوجه النظيف يسمى (المرحة)، بعد ذلك تقوم النساء بتحريك القمح يومياً عن طريق تمرير مشطي القدمين تحته ذهاباً وإياباً، ويبقى على السطح ليجف تماماً، وبعد ذلك ينقل إلى الحاصل أو الكواير للخزن والاستهلاك».

السيدة أم "فواز" "منيرة قرقوط" أشارت إلى ما يرافق الصويل من عادات وتقاليد، وقالت: «تبدو العملية للوهلة الأولى سهلة جداً، ولكنها على غاية كبيرة من التعب، ولذلك تتعاون نساء الحارة على العمل، وحيث يبدأن بالتوافد منذ الصباح الباكر للعمل، ويتوزعن على براميل الصويل من أجل إنهاء العمل باكراً، ويرافق ذلك الأغاني الشعبية التقليدية، والحكايات القديمة حتى يمضي النهار، وهكذا في كل المرات التي تتعاون فيه النساء من أجل ذلك».

ويفرش على السطح من أجل تعرضه للشمس

  • "الكواير" (جمع "كوارة"، وهي صومعة حبوب صغيرة كانوا يبنونها في زاوية المنزل لخزن الحبوب، مزودة بفتحة صغيرة من الأسفل لأخذ الحب منها وقت الحاجة).
  • بعد جفافه يصبح جاهزاً للطحين