«"ملح" التاريخ والأثر الخالد تقع في أقصى الجنوب الشرقي لمدينة "السويداء" إلى الشرق من منطقة "صلخد" بحوالي /17/ كم، وتتميز بموقعها الجغرافي الهام فهي محاطة بسلسلة من المرتفعات الصخرية في جميع جهاتها مما يجعل مناخها لطيفاً وهواؤها معتدلاً في الصيف وشديد البرودة في الشتاء».

هذا ما بدأ به الأستاذ "فرحان الصفدي" رئيس بلدية "ملح" من الدراسة التي أجراها حول جغرافيا هذه المنطقة وما تمتثل إليه من سمات وصفات... وأضاف: «ترتفع هذه البلدة حوالي 1375م عن سطح البحر، وهي ناحية يتبع لها /13/ بلدة يحدها من الغرب بلدة "عرمان" ومن الشمال بلدتي "قيصما" و"الهويا" ومن الشرق البادية حتى حدود الأردن، ومن الجنوب بلدتي "خازمة" و"امتان"، أرضها تتسم بالخصوبة وفيما مضى شهدت خيراً عميماً، وإنما امتداد الصحراء تقدم إليها فباتت أمطارها قليلة جداً ما جعل مواسم الخير متعلقة بما تجود به السماء من مطر».

يعمل أهالي هذه البلدة بمهن حرفية مختلفة مثل: الحدادة واللحام وموبيليا الألمنيوم والنجارة، وبعض الصناعات التقليدية التراثية مثل صناعة أطباق القش والسلل وهناك مهن تراثية كان الجفاف سبباً في زوالها مثل صناعة دبس العنب

وحول خصوصية البلدة من حيث السكان والسمات التي يحملونها، قال: «يزيد عدد سكان "ملح" عن /10000/ نسمة، وقد هاجر الكثير من أبنائها إلى مدينتي "دمشق" و"السويداء" ومنهم إلى دول عربية وأجنبية بسبب ضيق العيش الحاصل من توالي سنوات المحل التي ألحقت بها الجفاف والفقر، علماً أن الزراعة تعتبر المصدر الرئيسي للعيش، فهي تشتهر بزراعة الكرمة وبعض الأشجار المثمرة مثل: "التين والزيتون واللوزيات" والحبوب مثل "القمح والشعير"، كما أن مساحة أرضها الزراعية والتنظيمية تبلغ /150/ ألف دونم».

ويتابع: «إنه وعلى الرغم من الهجرة وشظف العيش الذي تعانيه ما زال أهلها يتمسكون بعادات جميلة وطبائع حميمية تجمعهم عند الفرح والحزن والدعاء... وربما أتت تسميتها "ملح الصرار" نظراً لملاحتها وجمالها وطيب أهلها وهناك رابط آخر للتسمية يعود إلى مرور قوافل الملح عبرها، و"الصرار" لقب وصفت به وقد يعود الوصف إلى صوت الصرير الذي كانت تصدره أبواب الحلس الحجرية عند فتحها وإغلاقها قديماً، وفي تحليل آخر يعود إلى أصوات الرياح القاسية أثناء الشتاء».

وعما يتعلق بالصناعات التي اشتهرت بها قال: «يعمل أهالي هذه البلدة بمهن حرفية مختلفة مثل: الحدادة واللحام وموبيليا الألمنيوم والنجارة، وبعض الصناعات التقليدية التراثية مثل صناعة أطباق القش والسلل وهناك مهن تراثية كان الجفاف سبباً في زوالها مثل صناعة دبس العنب».

وتحدث أيضاً عن الشخصيات الفكرية البارزة التي كان لها دورها في الجانب الأدبي والمنبر الشعبي بقوله: «الحضارة لا تكتمل إلا بأدبائها وشعرائها الذي يحملون هم القضية الإنسانية ويكتبون بعفة القلم، و"ملح" كذلك تكتمل بشخصياتها الفكرية البارزة وأذكر منهم الشاعر الراحل "نجم العباس" الذي سمي شاعر الثورة السورية الكبرى، والأديب الراحل "فوزي معروف" الذي تخرج في الجامع "الأزهر" في مصر، وأذكر في عصرنا الراهن الشاعر "محمد حامد" و "يحيى الحلح" و"نصر أبو اسماعيل"، ومن الشعراء الشعبيين: الشاعر "هايل السلمان" و"فضل الله شاهين" و"حسين عيد"، ومن أعلامها الدينيين الشيخ "أبو حمد محسن الملحم" والشيخ "أبو علي حسن صافي" المتوفى عام /1936/».

الجانب التاريخي

أما الجانب التاريخي فكان له توضيح من الأستاذ "الصفدي" بين خلاله رؤية للحضارات التي مرت على "ملح" والمعطى الأثري الذي تبقى منها: «هجرت "ملح" في العهد العثماني وسكنها أهلها بعيد عام /1860/م تقريباً، وتاريخها يحمل الكثير من الآثار التي تدل على ذلك... كما أن عدداً من القرى القديمة المحيطة بها أصبحت خرباً وأطلالاً تحدث عن مكانتها في تلك الحقبة مثل خربة "براق" و"الصافي"، وقد ورد ذلك عند بعض الملوك الآشوريين في القرن التاسع قبل الميلاد وعند الآراميين... كما حكمها الأنباط فترة من الزمن وبنوا فيها المعابد والدور والأبراج».

وأضاف: «سميت البلدة قديماً "آلاموسا" وهي أسقوفية من الأسقوفيات العشرين التابعة "لبصرى" زمن البطريرك "أنوسطاسيوس" بطريرك أنطاكيا عام /558 ـ 570/م تقريباً وبقيت هذه الأسقوفيات حتى عام /1517/م. أما برجها الحالي فيعود بناؤه إلى عام /372/م حيث بني لرصد تحركات العدو في الصحراء وتقدمهم وإعطاء المعلومات عنهم بالاتصال مع القصور الأخرى والقلاع في "صلخد" وغيرها، وتمّ اكتشاف كتابات يونانية عائدة إلى العصر البيزنطي تضمنت رموزاً مسيحية مثل رمز السمكة والصلبان وأسماء القديسين والواهبين والأدعية الدينية، ويعود عمر الأسقوفية إلى ما قبل القرن الثالث الميلادي.

يتبع للبلدة دير أثري يزار ويعرف بدير النصراني "مارجرجس" يبعد عنها حوالي /7/ كم إلى الشرق، كما ذكرها الشاعر الأموي "جرير" في قصيدته: نهدي السلام لأهل الغور من "ملح"/ هيهات من "ملح" في الغور مهدانا».

منجزات حضارية

وعن دراسته قال الأستاذ "فرحان الصفدي": «يجمعني مع بلدتي "ملح" رابط حميم، فيها ولدت ومنها أكملت معرفتي، وأقل ما يمكنني أن أقدمه لأجلها دراستي لتاريخها وآثارها وحاضرها، وساعدتني في بحثي مراجع هامة على صعيد التوثيق التاريخي... مثل كتاب "جبل حوران" للدكتور "علي أبو عساف" وكتاب "تاريخ كنيسة أنطاكية" للمؤرخ "خريستموس" أستاذ التاريخ في جامعة أثينا».

وحول بعض المنجزات التي نفذتها البلدية، قال: «أقام مجلس بلدة ملح العديد من المشاريع المعمارية التي تخدم البلدة مثل بناء مسبح ترفيهي يحيطه من على جانبيه حديقة عامة سميت "الصرار" تحتوي مجموعة ألعاب للأطفال ويقام فيها مناسبات أفراح واحتفالات وطنية، وبنيت حديقة أخرى سميت "الباسل" تقع في الجهة الشرقية من البلدة، وحديقتان تم إنجازهما في جنوبها، كما أقيمت صالة رسمية للأفراح يرافقها /12/ محلاً تجارياً يعود ريعها إلى مجلس البلدة».

السيد "تركي خشيفي" محاسب بلدية "ملح" أضاف: «وتمّ إنجاز خطوط صرف صحي بنسبة /94/% مترافقة بشق الطرق وتعبيدها كما بدأنا بمباشرة البناء للمنطقة الصناعية المزودة بمحولة كهربائية خاصة، وهناك ثانوية صناعية تمّ إنجازها، وفي البلدة مدارس للتعليم الأساسي ومركز صحي ومركز ثقافي ومركز هاتف وجمعية فلاحية ووحدة إرشادية وشعبة للهلال الأحمر وجمعية خيرية تساهم في تقديم المساعدة للمحتاجين».

يذكر أن الأستاذ "فرحان الصفدي" من مواليد "ملح" عام /1965/ ترعرع وسط أسرة فلاحية، أنهى مرحلته الثانوي في "صلخد"، وتخرج معلم حرفة من المعهد الصناعي في "السويداء" اختصاص (لحام وتشكيل معادن)، عمل مدرساً في الثانوية الصناعية في "صلخد" حتى /14/ عاماً ثم انتقل للعمل في وزارة الإدارة المحلية كرئيس مجلس في بلدية "ملح".