لشغفها بالتراث الريفي ولتأمين مصدر دخل تعلمت "عائدة ميهوب" صناعة "القشيات" بمختلف أنواعها وعلمتها لبنات جيلها لاستثمار وقتهن في العمل.

مدونة وطن "eSyria" التقت الحرفية "عائدة كامل ميهوب" بتاريخ 17/10/2013 وتحدثت عن بداياتها مع العمل الحرفي، فقالت: «تعلمت حرفة صناعة "أطباق القش" في سن مبكرة جداً من خلال متابعتي لمراحل صناعته من والدتي رحمها الله، وكان ذلك في عام /1977/ خلال دراستي في المرحلة الإعدادية، وكنت شغوفة جداً لمتابعة جميع مراحل العمل بدقة وكنت أستفسر عن كل خطوة، لأنني أحببت تعلم هذا التراث الذي بدأ يتلاشى، حيث إن أغلب الجدات لم يعدن قادرات على العمل ولم يتعلم أحد منهن هذه الحرفة التراثية، وعندما انتهيت من صنع أول طبق قش دون أية أخطاء شعرت بسعادة لنجاحي وأدركت أن هذه الحرفة يجب أن تستمر ويكون لها شأن جيد».

إنها تدير أطباقاً جميلة جداً وتزينها برسومات مميزة فيها الكثير من التفاصيل المعقدة، وهذا دليل على تمكنها من هذا العمل، إضافة إلى أن لها الفضل في تدريب العديد من الشابات لإتقان حرفة صناعة "الصمديات والأطباق" وتأمين مصدر دخل لهن واستثمار أوقات فراغهن

وعن توظيف تلك الحرفة واستثمارها قالت "عائدة": «استثمرت جل وقتي الضائع بعد المرحلة الثانوية وجلوسي في المنزل بصناعة القش لأشكل مصدر دخل رديف لأسرتي، حيث كنت أشارك في المعارض لتسويق أعمالي الحرفية من "أطباق وصمديات وكنويشة"، وفي وقتها كانت أغلب بنات جيلي يجلسن في المنزل دون عمل، فتقصدت على الدوام الحديث عن عملي والمشاركات والنجاحات التي حظيت بها تحفيزاً وتشجيعاً لهن لتعلم هذه الحرفة واستثمار وقتهن الضائع وبناء شخصية مستقلة منتجة في بيئتنا الفقيرة، إلى أن تشجعت إحداهن وطلبت مني تعليمها الحرفة، ومن ثم تبعتها صديقة أخرى وهكذا».

الكرسي الخشبي

من جانب آخر أضافت: «حاولت المحافظة على المصطلحات التراثية لهذه الحرفة من خلال توظيفها بشكل مباشر ضمن المعارض الجماعية أو الفردية التي كانت تقام، بالعمل المباشر أمام الحضور كإدارة "طبق القش" أثناء المعرض وتفنيد "شرح" كل خطوة بتسمياتها القديمة ككلمة "إدارة الطبق" أو "البدوه" فيقال إدارة الطبق لأن عملية صناعته والبدء به تعتمد على تدوير أعواد القمح حول بعضها بعضاً بشكل "دهليز" دائري تتوضع دوائره بجانب بعضها بعضاً حتى تمام الحصول على الحجم المطلوب للطبق».

أما فيما يخص التميز في إدراة طبق القش فقالت: «خلال مراحل إدارة الطبق أحاول إدخال رسوم طبيعية كأشكال نباتية أو حيوانية، لأزيد من ارتباط هذه الحرفة بالتراث، فجميع مكوناتها من الطبيعة الريفية، حيث إن أعواد "الديران" هي من سنابل القمح الفارغة في أغصانها التي تزرع بشكل خاص لهذا الغرض، إضافة إلى أن حشوة الدوائر أو ما يسمى "الدور" التي تغطيها السنابل هي عبارة عن نبات بري طبيعي يدعى "النمص"، والتعامل معه سهل».

تنوع أطباق القش وتعدد أحجامها

لم تكتفِ الحرفية "عائدة" بإدارة عمل "القشيات" بل تعدى ذلك إلى أعمال أخرى ارتبطت بالتراث الريفي حسب رأيها، وهنا قالت: «إن عملي في صناعة أطباق القش تعداه إلى الاستفادة من مختلف توالف الطبيعة والمنزل لصناعة تحف منزلية وأدوات يمكن استخدامها في الحياة اليومية، فكان أيضاً فرصة لتأمين دخل إضافي، وصديقاتي رغبن في تعلمها أيضاً لأن أدواتها متوافرة في كل بيئة ومنزل وسهلة الصنع، وكان لها رواج جيد في الأسواق، وأجمل ما قدمته في مجال التوالف كرسي خشبي مرمي جانب المنزل، قمت بترميمه وصناعة قاعدة "جلسة" له من أكياس النايلون التالفة، واستخدمت المغزل الخاص بصناعة الحبال من شعر الماعز، وغزلت به الأكياس لتشكيل حبل طويل، بعدها نسجت به قاعدة الكرسي، ومازال موجوداً حتى الآن منذ عشرين عاماً».

وفي لقاء مع السيدة "صباح إسماعيل" من قرية "الحطانية" وهي إحدى من تعلمن حرفة صناعة "القشيات" بمساعدة الحرفية "عائدة ميهوب" حيث قالت: «تعاني الشابة في الريف من ضياع الوقت وعدم استثماره بالشكل المفيد الذي يخلق لها كينونتها كإنسان مفيد ضمن مجتمعه، وهذا الأمر طالما حدثتنا عنه صديقتي وابنة قريتي "عائدة" التي كانت سباقة إلى تعلم تلك الحرفة لاستثمار وقتها وتأمين مورد اقتصادي رديف لأسرتها، وقد شجعتنا بهذه المبادرة منها على اتباع خطاها الناجحة، وساعدتنا في تعلم الحرفة وصبرت على أخطائنا في البداية، إضافة إلى أنها أمنت لنا تصريفاً لإنتاجنا في أغلب الأحيان عن طريق المعارض التي كانت تشارك فيها، والمعارف والأصدقاء الذين تعرفت عليهم خلال نشاطاتها، كما أنها أدخلت العديد منا ضمن أنشطة الاتحاد النسائي لتنمية مواهبنا وقدراتنا، وذلك عبر الدورات والندوات والمعارض الإضافية».

وفي لقاء مع الحرفية "شكيرا ميهوب" وعن تجربة وأعمال "عائدة" الحرفية قالت: «إنها تدير أطباقاً جميلة جداً وتزينها برسومات مميزة فيها الكثير من التفاصيل المعقدة، وهذا دليل على تمكنها من هذا العمل، إضافة إلى أن لها الفضل في تدريب العديد من الشابات لإتقان حرفة صناعة "الصمديات والأطباق" وتأمين مصدر دخل لهن واستثمار أوقات فراغهن».

يشار إلى أن الحرفية "عائدة ميهوب" من مواليد عام /1959/ في قرية "الحطانية" التابعة إلى مدينة "بانياس".