أعوام قليلة ويندثر اللباس الشعبي الساحلي إلى الأبد ليصب في خانة التراثيات المنقرضة إلا من بعض المهتمين بالتعرف إلى ذاك اللباس الذي كان ولمدة زمنية طويلة السائد في الحياة اليومية والمناسبات الاجتماعية، فلباس الأمس هو "جينز" اليوم فكيف يتخيل شاب حياته بلا سروال "الجينز" الشهير هكذا؟.

يعتبر اللباس اليومي لأي مجتمع عنوانه وأحد أركان هويته التي يتميز بها، ولكن هذا اللباس يتأثر بالزمن ويتطور مع تطور المجتمعات، لباس أهل الساحل السوري جزء من تاريخ أبنائه وهو كذلك أحد ألوان جميلة المرسومة في لوحة التراث السوري.

ما زالت الأغلبية من كبار السن يلبسون الزي القديم وقلة منهم تخلت عنه باستثناء "الشرويل" الذي لم يعد موجودا الآن إلا فيما ندر

موقع "eSyria" جال في عدد من قرى الساحل السوري، بتاريخ "1/12/2010"، والتقى عددا من الأشخاص للتعرف على اللباس التراثي وهل تغير أم حافظ على وجوده، وبدأ مع الجد "إبراهيم دلا" من أهالي مدينة "بانياس"، الذي تحدث بالقول: «عاش أجدادنا مع "القمباز" و"الطربوش"، ولكن لكل زمن ما يلائمه من الملبس والمأكل والعادات ففي زمننا لم نسمع بـ"الجينز" وعندما انتشر للمرة الأولى سخرنا منه ومن لابسه وتمسكنا بلباسنا هوية أصالتنا الساحلية».

السيد "محسن حرفوش"

ويتابع الجد "دلا" كلامه يحدثنا عن الزي الشعبي الساحلي للرجل قائلا: «لباس الرجل كان يتكون بشكل أساسي من "القمباز" وهو رداء خارجي طويل يصل إلى الكاحلين مع فتحتين جانبيتين لتسهيل حركة المشي وله أكمام تتسع قليلا عند النهايتين وتزين رقبته وصدره وأطراف أكمامه بنوع من "البريم" الحريري ويتم ارتداء "الدامر" أو "القطيشة" فوق "القمباز" و"الدامر" عباءة قصيرة مقلمة بخطوط عريضة تصنع من شعر الماعز والصوف البني أو الأبيض أو الأسود ويصل إلى الركبتين فقط كي لا يعيق الحركة لدى العمل الزراعي.

وكنا نلبس قميصا قطنيا طويلا تحت "القمباز" ومعه سروال أبيض يصل إلى الكاحل يشترط فيه أن يكون فضفاضا من الأعلى ويقل عرضه من الركبة نزولا إلى القدم وكنا نستخدم هذه الألبسة القطنية والمصنوعة من القطن الخام غير المصبوغ للنوم أيضا أو للجلوس داخل المنزل».

الجدة "كريمة شعبو"

ويحدثنا السيد "محسن بشلاوي" من قرية "المقرمدة" في ريف "بانياس" عن النوع الآخر من الثياب الشعبية التي كان يرتديها الرجال قائلا: «كان جدي رحمه الله يرتدي نوعا من الثياب القديمة تسمى "السروال الطرابلسي" أو "الشرويل" وهو عبارة عن رداء كثير الثنيات عند الخصر ويلتف بضيق حول القدمين كذلك يحاط الخصر بزنار عريض من قماش ملون ذي خطوط زاهية الألوان أو آخر من الصوف خلال فصل الشتاء أو نطاقا جلديا عريضا له عدة جيوب لوضع حاجياته الخاصة وفوق "الشرويل" يلبس ما يسمى "الصديري" القصير الذي يحاذى الزنار وهو رداء دون أكمام له جيب على الصدر لوضع النقود أو الساعة ويلبس تحته قميصا من دون ياقة تزين فتحته الأمامية ورقبته بنوع من "البريم" المطرز».

ويتابع السيد "بشلاوي": «ما زالت الأغلبية من كبار السن يلبسون الزي القديم وقلة منهم تخلت عنه باستثناء "الشرويل" الذي لم يعد موجودا الآن إلا فيما ندر».

من احدى مهرجانات الزي الشعبي

وفيما يختص بالمرأة فقد كان زيها ملائما لطبيعة عملها وحياتها الريفية وعنه تحدثنا الجدة "كريمة شعبو" من قرية "خربة الفرس" بقولها: «كانت ملابسنا فضفاضة واسعة نراعي فيها الحشمة وهي عبارة عن "فستان" طويل حتى الكاحلين له أكمام طويلة وياقة عالية تطوق الرقبة وقصة تعلو الخصر تتسم بكثرة زمزماتها ما يجعل الثوب فضفاضا أكثر وينساب منتهيا بـ"كشكش" يزينه "الزكزاك" أو "البريم" ونلبس تحته قميصا قطنيا بأكمام طويلة تزين صدره وأكمامه رسوم أو زخارف زاهية كنا نصنعها بأيدينا ومع القميص سروال طويل فضفاض مزموم عند الكاحلين».

وتابعت الجدة "شعبو": «وهناك الزنار الذي يصنع من الحرير الخالص وهو زاهي الألوان عريض ومتطاول ينتهي بشراشيب مبرومة رقيقة تترك متدلية بعد لفه على الخصر ومنه ما يصنع من الحرير الممزوج بالقطن تقليلا لتكلفته المادية وكان الزنار يساعدنا لوضع حاجياتنا الشخصية ولزيادة الدفء خصوصا في الشتاء».

وأكملت بالحديث عما تبقى من هذا اللباس والتغييرات التي طرأت عليه قائلة: «مازال اللباس على حاله تقريبا مع تغيير في الزينة وعدم المبالغة بها كما أيام زمان والتغيير الوحيد الحاصل هو غطاء الرأس الذي استبدلناه بقطعة قماشية تدعى "منديل" بعد أن كان "طريبوشة" فيما مضى وأيضا هناك بعض السيدات اللواتي يضعهن مناديل الحرير القديمة اللواتي يصنعنها بأيديهن من الحرير الطبيعي».