في كل عام تحتفل الطوائف المسيحية بعيد القديسة "بربارة" التي آثرت الموت على الرجوع عن دينها، وذلك في يومين متتاليين الأول ليلة "3/12" تقام خلاله طقوس كرنفالية تجوب الشوارع والساحات، والثاني ليل "4/12" يتخلله طقوس دينية عمادها الصلوات والترانيم المسيحية .

موقع "eSyria" عاد إلى الماضي؛ للتعرف على القصة الحقيقية لهذه القديسة، والتقى بتاريخ "4/12/2010" الأب "خليل الياس الشيخ" من أهالي قرية "السودا"، حيث قال: «في كل حقبة تاريخية قصة مميزة تصبح في يوم من الأيام أسطورة وإلهام يستقي منه الكثيرون الموعظة والعبرة لحياة الدنيا والآخرة، ومن هذه الحقب الحقبة الرومانية التي عبد فيها الرومانيون الأصنام بمختلف أشكالها وأجناسها، إلا فتاة واحدة دعيت "بربارة" عرفت بذكائها وجمالها ومحاكاتها للواقع وما فيه من إبداع وجمال ومعجزات تعجز عن فعلها الأصنام.

نقوم في كل عام بإشعال النار في أكوام الحطب تيمناً بالصاعقة التي ضربت الجبل وأحرقت الظالمين، إضافة إلى صناعة العديد من الأكلات والحلويات بهذه المناسبة منها العوامات دلالة على قطع رأس "البربارة"، والقمح المسلوق الذي كان أخر شيء تناولته قبل استشهادها

مما دفعها للبحث عن سيد هذا الإعجاز وهذه القدرة واعتنقت الديانة المسيحية لتزهد بدنياها بما فيها من ضلال وفجور» .

الأب "خليل الياس الشيخ"

ويتابع: «القديسة "بربارة" ولدت ونشأت ضمن أسرة وثنية رومانية تعبد الأصنام وعاشت مع الأصنام فترة من الزمن، وكان والدها من رجال الحاكم وصاحب نفوذ، وظهرت على هذه الفتاة منذ صغرها علامات الذكاء من خلال حديثها وأسئلتها وطريقة تفكيرها، مما دفع بوالدها لشدة حبه لها إلى بناء مسكن لها في أعلى قمم قصره لكي ترى الناس ولا يرونها، واحضر لها مجموعة من الخدم لخدمتها وشاءت الصدف أن يكون الخدم من معتنقي الدين المسيحي دون علم له بذلك، وعندما بدأت تكبر الفتاة خاف والدها من طريقة تفكيرها وكثرة أسئلتها التي راحت تتحدث خلالها عن عدم جدوى هذه الأصنام في خلق هذا الكون العظيم وما فيه من إعجاز ليس للأصنام بقدرة على فعلها.

مما دفع بوالدها إلى التفكير بتزويجها لأحد عبدة الأصنام عله يردها عن تفكيرها، وعندما عرض عليها الفكرة قالت له بذكاء لعدم رغبتها بالزواج من وثني، "يأبي لا أستطيع مفارقتك والعيش بعيداً عنك لذلك لن أتزوج أبداً"»

رسم للقديسة "بربارة"

ويكمل الأب "خليل": «وقد ساعدها في بلورة أفكارها الدينية حبها للإطلاع والقراءة وخادمتها "لوليانه" التي أوصلتها إلى معرفة حقيقة الثالوث الأقدس وهو الآب والابن والروح القدس، وتجسد هذا الأيمان لديها بطلبها من بنائي القصر وهم يبنون لها مكان إضافي للسكن بأمر والدها الذي أمر ببناء نافذتين فقط، لبناء ثلاث نوافذ بدلاً من اثنتين على أسم الآب والابن والروح القدس، وبفضل الخادمة "لوليانه" عمدت "بربارة" ضمن طقس ديني سري لتصبح مسيحية دون معرفة والدها الذي بدأ بالغياب عن القصر لتعتاد أبنه على غيابه وتقبل بالزواج من احد الوثنيين» .

ويضيف: «في أحد المرات عند عودته إلى القصر وصعوده إلى مخدعها ليحدثها عن فكرة الزواج رأى النوافذ الثلاث فسألها عن سبب وجودها، فراحت تحدثه عن عدم فائدة هذه الأصنام وكيف هي لا حول ولا قوى وأنه يوجد رب هو سيد الجميع وصاحب القدرة العظيمة على كل شيء، وهنا ضربت أحد الأصنام وأسقطته أرضاً وقالت أنا مخطوبة للسيد "المسيح" وهذه النوافذ هي رمز الثالوث الأقدس، فجن والدها وبدأ يصرخ واستل سيفه ليضربها به فهربت من أمامه ولحق بها من حي لحي ومن زقاق لزقاق لحين وصولها طريق مسدود بصخرة كبيرة.

الخورية "بهية ميخائيل الخوري"

عندها صلت "بربارة" وطلبت من ربها أن ينجيها من والدها فشقت الصخرة إلى نصفين ومرة من خلالها، وعند وصول والدها إلى مكان الصخرة وجد أول راعي فسأله هل رأيت فتاة جميلة تركض هاربة من هنا فقال له الراعي نعم مرة منذ قليل من هنا، وبقدرة قادر تحول قطيع الراعي إلى حشرات صغيرة نتيجة لإخبار والدها، وتابع الوالد البحث لحين وصل إلى راعٍ أخر وسأله هل رأيت فتاة تهرب مسرعة من هنا فجاوبه الراعي الذي آواها في منزله وبحماه لا لم أراها.

وشاءت الصدف أن أهل بيت الراعي قد طبخوا القمح المسلوق، حيث كان ما أكلته من القمح هو أخر شيء تناولته وهي على قيد الحياة قبل أن تنطلق هاربة مرة ثانية، ولكنها في النهاية وقعت في قبضت والدها الذي أخذها إلى الإمبراطور لتبقى صفحته بيضاء أمامه، وبدأت "بربارة" تخضع لأشد وأصعب أنواع العذاب، وفي أحد المرات ظهر لها السيد المسيح بهيئة طفل صغير وقال لها تشددي يا "بربارة" وأبقي على إيمانك فأنا إلى جانبك، وفي هذه اللحظة شفيت من جميع جراحها.

وفي اليوم التالي طلبها الملك ولكن عندما رآها خالية من الجراح قال لها انظري كيف عافتك أصنامنا وما عليك إلا الأيمان بها لقدرتها على شفائك، فردت عليه لم تشفني آلهتكم العاجزة وإنما الذي شفاني هو ربي، وعندها أمر الملك بإعادتها إلى العذاب ولكن بطرق مختلفة منها تعريتها من ملابسها وأخذها في جولة إلى أرجاء المدينة كافة» .

ولكن إن تصبروا الله مع الصابرين، ويوضح ذلك الأب "خليل": «عندما علمت بأمر تعريتها صلت لربها أن ينجيها من الفضيحة وفعلاً كللتها غيمة بيضاء لم يستطيع أحد كشف عورتها بفضلها، وعندما علم الملك بذلك أمر بقطع رأسها على أعلى قمة الجبل وفعلاً أخذوها إلى الجبل وهنا صلت القديسة "بربارة" لربها أن يعم الفرح والسعادة في كل منزل يحتفل بعيدها، وعندما جهز السياف لقطع رأسها أستل والدها سيفه وقطع رأسها بيديه، ولشدة حزن السماء عليها ضربت صاعقة أعلى الجبل أردت والدها والسياف وكل من ساهم بتعذيبها وأحرقتهم انتقاماً لها».

وعن ارتباط طقس إشعال النار بالاحتفال بعيد القديسة "بربارة" تقول الخورية "بهية ميخائيل الخوري" زوجة الأب "خليل": «نقوم في كل عام بإشعال النار في أكوام الحطب تيمناً بالصاعقة التي ضربت الجبل وأحرقت الظالمين، إضافة إلى صناعة العديد من الأكلات والحلويات بهذه المناسبة منها العوامات دلالة على قطع رأس "البربارة"، والقمح المسلوق الذي كان أخر شيء تناولته قبل استشهادها» .