لاتزال عدة مناطق زراعية في "طرطوس" تستخدم المحراث القديم الذي يعتبر أول محراث استخدمه الإنسان في حراثة أرضه، في الوقت الذي اتجه فيه معظم الفلاحين إلى استخدام "الجرار" لحراثة الأرض، ليبقى المحراث القديم عند بعض محبيه وفي الأراضي الجبلية الوعرة.

موقع "eSyria" صعد إلى المناطق الجبلية في محافظة "طرطوس"، في بداية فصل الشتاء -وهي الفترة التي يتم فيها تحضير الأرض للموسم الشتوي الجديد- حيث مايزال كثير من الفلاحين في هذه المناطق يستخدمون المحراث القديم لحراثة الأرض، والتقر بتاريخ "6/11/2010" الفلاح "محمد زاهر حميدي" الذي تحدث عن عمله بالقول: «بالنسبة لبلادنا فإن المحراث القديم الذي يحمل سكة مصنوعة من الحديد يعود لقرن مضى، في حين أن سكة الخشب التي سادت لعصور طويلة كانت هي الأسلوب المستخدم قبل هذا التاريخ، وهذه السكة لم تعد موجودة أبداً، أما السكة التي أعمل بها الآن هي من الحديد، -ويسمى "صمد"- وتجر هذه السكة بواسطة "الحمار" لتفلح الأرض».

هناك أناشيد صغيرة رافقت "المحراث الخشبي" وغابت بشكل شبه نهائي الآن وهي مبهمة في معانيها إلاّ لأصحاب المصلحة أذكر منها "ياصاحب الريب والربراب والصمد والنير والقطريب والعصيفوراتِ، اعطيني ريبك وربرابك لعطيك سكّتي وصمدي ونيري وقطريبي

عدة أسباب جعلت فلاحي المناطق الجبلية يستمرون باعتماد على المحراث القديم عند حراثة الأرض، السيد "محمد حميدي" تحدث عنها بالقول: «هذه الأرض التي أفلح بها وعرة جداً ولايمكن "للجرار" الفلاحة فيها، كما أن مساحتها صغيرة وغير متناسقة في شكلها مما يؤدي إلى استحالة استخدام الجرار.

الفلاح "محمد زاهر حميدي" يمين الصورة والفنان "فراس دوابة"

إضافة إلى أن الأرض صخرية، وبالتالي قد تنكسر سكة الجرار، ونحن نستخدم عادةً حمارين لجر "الصمد" وذلك من عام /1950/ حيث كنا نستخدم زوجين من البقر للفلاحة فارتفع وقتها سعر لحوم الأبقار كثيرا مما دفع أصحاب الأبقار إلى بيعها لذبح واستبدالها بزوجين من الحمير أو "بغل" واحد كونه أقوى من "الحمار"، ونقوم عادةً بحراثة الأرض في شهر "تشرين الأول" وأوائل "تشرين الثاني" لأننا نجهز الأرض للمزروعات الشتوية وفي نفس الوقت لقتل "دودة العروق" التي تعيش على الأعشاب».

رغم أنه لم يعد موجوداً الآن، إلا أن الفنان "فراس علي دوابة" مايزال يحتفظ بـ"محراث الخشبي"، فهو مهتم بجمع المقتنيات التراثية ويقيم لها معارض مثل "معرض عمريت للتراث"، وقد تحدث عن "المحراث القديم" بالقول: «يشبه "المحراث الخشبي" نظيره المصنوع من الحديد في شكله وطريقة عمله، وكان هذا المحراث سائداً لعصور من الزمن والى سنين قليلة ماضية في مناطقنا الجبلية، وأعتقد من خلال معلوماتي أن الأجزاء الحديدية في المحراث استُعملت مع بداية الاحتلال الفرنسي لسورية».

الفلاح "حامد أحمد ديوب" مع زوجته

وعن أجزائه يقول السيد "فراس": «يتكون "المحراث الخشبي أو "الصمد" في أجزائه الأساسية من "الكابوسة" وهي مقبض "الصمد" يمسكه الفلاح بيده، ثم هناك "الركبة" وهي تصل المقبض "بسكة" الفلاحة، أما "الماج" فهو قطعة تصل "الركبة" مع "السكة" مع "الكابوسة" وهذه الأخيرة تربط الأجزاء السابقة مع الأجزاء المربوطة على ظهر "البغل"، ثم هناك وصلة تربط "الكابوسة" "بالنير" المربوط مع قطعة تسمى "الكدّانة" وهي موضوعة على رقبة "الحمار" يصلها "بالنير" قطعة جلدية مصنوعة من جلد "رقبة العجل" من أجل القوة، وهناك مايسمى "المسبلانات" وهي التي تثبت "الكدانة" على رقبة "الحمار"، يضاف لذلك عدة أجزاء أخرى صغيرة تساهم في وصل أجزاء "الصمد" مع بعضها بإحكام».

يضيف السيد "فراس دوابة" قائلاً: «هناك أناشيد صغيرة رافقت "المحراث الخشبي" وغابت بشكل شبه نهائي الآن وهي مبهمة في معانيها إلاّ لأصحاب المصلحة أذكر منها "ياصاحب الريب والربراب والصمد والنير والقطريب والعصيفوراتِ، اعطيني ريبك وربرابك لعطيك سكّتي وصمدي ونيري وقطريبي».

تصميم السكة في "المحراث الخشبي القديم"

أما "الجرار" فهو الأسلوب الحديث لحراثة الأرض بميزاته التي يحدثنا عنها الشاب "حامد أحمد ديوب" وهو فلاح ومزارع فيقول: «لا يحتاج الجرار لمن يتحدث عن مزاياه، فهو الأقوى والأسرع والأقدر على التحمل، كذلك يمكن التحكم بعمق الفلاحة والوصول إلى متر وأكثر في باطن الأرض، وفي مناطقنا الجبلية نستخدم نوع من الجرارات التي استبدلت "الدولاب" "بالسلاسل الحديدية "الجنزير" لأن حركة الدولاب مستحيلة في أراضينا الجبلية، ولهذه الأسباب جميعها ترى الفلاحة "بالحمير" هي الأغلب لأنها رخيصة مقارنة بالجرار، كما أن بعض المزارعين لايزالون يستخدمون الفلاحة التقليدية لأنها تعطي تهوية أكثر للأرض وتجعل الأرض أكثر رخاوة».