في ظلها درس أطفال "بيت الشيح يوسف" علوم القرآن الكريم، وعلى موسيقا حفيفها اجتمع الأهالي بضيوفهم في ليالي الصيف، فكانت نقطة العلام ومركزاً للقرية وأهلها.

إن عمر "خرنوبة الشيخ عياش" الموجودة في قرية "بيت الشيخ يوسف" التابعة لقرية "الخريبة" في مدينة "بانياس"، والذي يفوق عمر القرية كما يشاع، ومكانها المحايد بجانب منازل القرية، أعطاها قيمة مضافة تضاف إلى كونها المدرسة التي خرجت أوائل من محو أميتهم في المنطقة، وهنا يقول المدرس "خليل يوسف" ابن هذه المدرسة البدائية: «ما أجمل الذكريات التي استرجعها مع ذكر "خرنوبة الشيخ عياش" التي طالما جلسنا نحن أطفال القرية في ظلها نتلقى علوم محو الأمية وعلوم القرآن الكريم والحساب أو ما كان يعرف ب"الهندي"، على يد خطيب القرية الشيخ "أحمد علي صالح" والشيخ "محمد أحمد فياض" والشيخ "محسن زاهر" ووالده سابقاً، حيث كنا نجتمع تحت ظلها الوارف طوال فترة الصيف فقط، وكأنها مدرستنا الصيفية، في حين أنه لم يكن يوجد مدارس في المنطقة بمجملها تقريباً.

حتى الاجتماعات الأهلية ما زالت تتم تحت "خرنوبة الشيخ عياش"، ففي الماضي كان يقصد ظل هذه الشجرة الرعيان في المنطقة خلال فترة الظهيرة أو ما يعرف بالقيلولة، للاستراحة وتناول طعام الغداء

وقد تميز موقعها بالجيد لبعدها عن منازل القرية حوالي كيلومتر واحد، ووجدوها بجانب مقام ديني له هيبته ووقاره وهو مقام "الشيخ عياش" الذي منح هذه الخرنوبة اسمه، رغم أنه لا أحد يعلم بالتحديد من وجد في الموقع الجغرافي قبل الآخر.

الأستاذ "خليل يوسف"

ومما أذكره من ذكريات ارتبطت بمجمل حضورنا واجتماعنا تحت ظل هذه الشجرة، أنه في حال وصل أحد الطلاب إلى الأجزاء المتقدمة من القرآن الكريم وجب عليه إحضار عدة قطع من صابون الغار للخطيب، حيث يترك قطعة منها في الموقع يستخدمها الطلاب في عملية الغسيل المستمرة والتي كان الخطيب يؤكد عليها دوماً».

ويتابع: «في الصباح كنا نجلس في الجهة الغربية من "الخرنوبة" وفي المساء نجلس في الجهة الشرقية منها، لنبقى في ظلها وهوائها العليل طوال النهار الصيفي الحار، رغم أن مساحة ظلها قد تصل إلى حوالي /300/ متر مربع، لأن عمرها قد يتجاوز /400/ عام».

جذوع الشجرة والجلسة الشعبية بجانبها

أما السيد "علي يوسف" من أبناء القرية الذين يعملون بالزراعة، فيقول: «تميز موقع "خرنوبة الشيخ عياش" بإطلالته الجيدة المكشوف على بقية البقع الجغرافية في القرية، وهذا ما أعطى الجلسة تحت ظلها الشاعرية والمتعة، حيث تم تجهيز المصاطب الإسمنتية حول محيطها بالكامل لتكون بشكل أكثر تنظيماً حين يقصدها الزوار ليرتاحوا من حر الصيف خلال فترات النهار والمساء على حد سواء، إضافة إلى تجهيز الإنارة حولها وإيصال المياه أيضاً، فأغصانها المتشعبة والممتدة لحوالي عشرة أمتار أكسبت محيطها الامتداد الواسع.

إضافة إلى أن محيط جذعها يقارب عشرة أمتار، وهو دليل إضافي على عمرها الكبير، وهنا يجب توضيح أن هذه "الخرنوبة" لم تثمر في حياتها، فهي من الأنواع الذكرية».

ويضيف: «في كثير من الأوقات يأتي الأهالي ومعهم ضيوفهم من خارج القرية ليسكنوا إلى جانب "خرنوبة الشيخ عياش" التي تتوسط مساحة القرية، وتحت ظلها، للتمتع بالطبيعة الجميلة والهدوء المريح، وليعرفوا الضيوف بهذه الجلسة الشعبية الجميلة كنوع من التشجيع على السياحة لمثل هذه المواقع الشعبية التي تكثر في محافظتنا وقرانا الريفية».

أما السيد "يوسف يوسف" من أبناء القرية فيحدثنا عن بعض خصائص شجرة الخرنوب، فيقول: «لقد أمنت شجرة "الخرنوب" المناخ اللطيف المناسب لسير العملية التعليمية في تلك الفترة وعلى الدوام، فمن المعروف أن نبات "الخرنوب" يمتاز باحتواء أوراقه على الماء بشكل دائم على عكس أشجار السنديان والأشجار الحراجية الأخرى التي تكون جافة بعض الشيء، إضافة إلى كثافة الأوراق وكبر حجمها ما أمن أيضاً كثافة ظل جيدة تغطي كامل الموقع الذي تبلغ مساحته حوالي /300/ متر مربع.

وأعتقد أن الخطباء وأهالي القرية تمتعوا بالجلوس والتعلم تحت هذه الشجرة لرمزيتها الدينية بجانب مقام "الشيخ عياش"، أضف إلى ذلك فقد تم دفن الشهيد "محمد العتيق" الذي أصابته رصاصات غدر المسلحين في أحداث /2011/ خلال تأديته واجبه الوطني، وهذا بعد أن أصيب مرتين وطلب من أسرته أن يدفن هنا في حالة استشهاده».

ويضيف: «حتى الاجتماعات الأهلية ما زالت تتم تحت "خرنوبة الشيخ عياش"، ففي الماضي كان يقصد ظل هذه الشجرة الرعيان في المنطقة خلال فترة الظهيرة أو ما يعرف بالقيلولة، للاستراحة وتناول طعام الغداء».

أما الجدة "أنيسة ضاحي" إحدى معمرات القرية، فتقول: «فيما مضى كانت "خرنوبة الشيخ عياش" مقر اجتماعات الثوار السوريين ضد الاحتلال العثماني والاحتلال الفرنسي، فيقصدونها من مختلف المناطق والمواقع للاجتماع بالقادة والاستماع إلى خططهم القادمة وانجازاتهم على أرض الواقع ضد الاحتلال، وهذا حديث متناقل من الآباء.

ومن الطقوس والعادات التي كانت تقام بجانب الشجرة أيضاً "الصبحة" وهي الاحتفال بعيد الميلاد على التقويم الشرقي، حيث يجتمع الناس ويقيمون احتفالات وطقوساً اجتماعية يتخللها طهو الطعام وعقد حلقات الدبكة الشعبية، إضافة إلى الاحتفال بعيد الربيع أو ما كان يعرف بعيد الرابع، ما جعل الشجرة نقطة علام مميزة في القرية».