عرفت منذ عدة قرون في الريف الساحلي، شغلت فكر الرجال باللعب بها وملأت أوقات فراغهم بالربح والخسارة، فهي تعتمد على التركيز والحسابات الذهنية الدقيقة، تقام فيها مباريات ودية بين طرفين ضمن أجواء يملؤها روح التحدي والمنافسة والفضول.

إن لعبة "المنقلة" التي تعتبر من الألعاب التراثية الشعبية التي ما تزال تلعب كل يوم في المنزل وفي المقهى وفي الطبيعة البرية، وتقام فيها مباريات ودية بين طرفين يتجنب كل طرف فيها الخسارة ليبقى محافظاً على ماء وجهه كلاعب ممارس لهذه اللعبة، وهذا بحسب كلام السيد "محمد علي" من قرية "بعمرائيل" التابعة لمدينة "بانياس"، الذي التقته مدونة وطن eSyria بتاريخ 5/2/2013، مشيراً بالقول: «في أوقات الفراغ الطويلة التي تملأ حياة كل رجل يتقاعد من عمله الوظيفي يجب عليه ملؤها إما بالعمل إن توافر أو بالتسلية الذهنية، وهذا هو حال لعبة "المنقلة" هذه اللعبة التراثية التي لم تتوقف أبداً منذ عُرفت وانتشرت في الريف الساحلي خاصة في ريف مدينتنا "بانياس"، حيث تجد الرجال ملتفين حولها أينما حضرت ولعبت.

لعبة "المنقلة" لعبة التحدي والفضول في المتابعة، فلا يمكن لخاسر أن يسكت عن خسارته وينسحب، وإنما يتابع اللعبة مهما طالت حتى يحقق التعادل، وأذكر أن بعض المعمرين ممن أعرفهم كانوا يبقون حبيسي منازلهم مكتئبين ليوم كامل عند خسارتهم، فقد كانوا مواظبين على لعبها لساعات طويلة بعد الانتهاء من أعمالهم الحقلية

وأنا شخصياً أجد فيها متعة لأنها تجعل من ذهني متقداً يعمل بشكل دائم بعمليات تحفيزية إدراكية تنشيطية من جراء عمليات الحساب الذهني والتركيز والتفكير التي أحتاجها، وأقوم بها كطرف لاعب ضمن المباراة الودية، وهذه عملية يقوم بها وميزات يحصل عليها كل طرف من الأطراف اللاعبة بهذه اللعبة الشعبية».

السيد "فايز" وخصمه بلعبة المنقلة "أبو حسن"

السيد "فايز شداد" من أبناء قرية "العصيبة" يمارس لعبة "المنقلة" في كل يوم بعد الانتهاء من عمله، أضاف قائلاً: «بعد الانتهاء من عملي اليومي غير المرتبط مع الدوائر الحكومية أتوجه إلى أصدقائي ممن اعتادوا على لعب "المنقلة" في كل يوم بعد الانتهاء من أعمالهم اليومية، ونبدأ بتنظيم اللعبة وننقسم إلى فريقين غير ملتزمين بأعضائهما، حيث إن خسارة أحد أعضاء أي فريق لا تعني خسارة الفريق كله، وإنما الخاسر هو من يخرج خارج اللعبة فقط ليبقى يتحسر ويندب حظه العاثر أو نِدهُ الماهر في اللعب.

ألعب هذه اللعبة منذ حوالي عشرين عاماً، فهي ملجئي من كلام الناس والحديث عنهم أو رفقة السوء بعد هذا العمر والاحترام الذي حصلت عليه بين أبناء القرية، وأعتقد في سياق هذا الحديث أن من يلعب لعبة "المنقلة" هو إنسان ملتزم جداً ويحترم ذاته، والدليل على هذا أني لا أذكر يوماً رأيت فيه رجل غير صالح يلعب بها، حتى على مستوى العجائز الذين يلعبون بها حتى الآن».

طقس كبار السن

يتابع: «لعبة "المنقلة" لعبة التحدي والفضول في المتابعة، فلا يمكن لخاسر أن يسكت عن خسارته وينسحب، وإنما يتابع اللعبة مهما طالت حتى يحقق التعادل، وأذكر أن بعض المعمرين ممن أعرفهم كانوا يبقون حبيسي منازلهم مكتئبين ليوم كامل عند خسارتهم، فقد كانوا مواظبين على لعبها لساعات طويلة بعد الانتهاء من أعمالهم الحقلية».

أما السيد "علي ريحان" من أبناء قرية "بعمرائيل" فذكر: «تعتمد لعبة "المنقلة" على الحساب الذهني والتفكير المستمر والتركيز بكل حركة يقوم بها اللاعب وخصمه، وقد كانت تلعب فيما سبق في الطبيعة تحت أشجار السنديان العملاقة في كل قرية ريفية، فهذه اللعبة ذات الأصول التركية، تشغل بال الجميع فتراها في كل منزل تقريباً فسعرها زهيد، رغم أن صانعيها قلائل وهم ذاتهم من يصنعون الملاعق الخشبية في ريفنا الجبلي».

وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن اسماعيل" وضح: «عرفت لعبة "المنقلة" منذ عدة قرون في الريف الساحلي، وقد سميت بهذا الاسم من جراء عملية نقل الحصا من جونة لأخرى خلال اللعب، وهي بطول حوالي خمسة وستين سنتيمتر وعرض خمسة عشر سنتيمتراً وسماكة حوالي عشرة سنتيمترات، وهي لعبة التحدي والصبر أمام هذه القطعة الخشبية المؤلفة من قطعتين متماثلتين قابلتان للطي إحداهما على الأخرى بواسطة مفاصل معدنية مشتركة، والتي تحتوي وتتألف بمجملها من أربع عشرة حفرة تسمى كل منها جونة، حيث تتضمن كل طبقة "قطعة" من طبقات "المنقلة" سبع حفر خشبية متماثلة متجاورة بجانب بعضها بعضاً، تملأ كل منها بسبع حصوات بحرية صغيرة ملساء، حجم كل منها بحجم حبة الحمص وتزيد قليلاً.

وتعتمد هذه اللعبة على ربح الحصا، ويجب على الطرف الراغب بالربح جمع أكبر قدر من الحصا بعد أن يربح الحصا الخاصة به أي التي تكون في طرفه، وتبدأ اللعبة بتوزيع حصا جونة ما يختارها اللاعب على بقية الجونات التي تليها، ليقوم اللاعب الآخر بتوزيع الجونة التي تأتي بعد آخر جونة وضع فيها خصمه حصوته، وهكذا على التوالي، أما مرحلة الربح فتكون بالجونة التي تحتوي على حصا بأعداد زوجية هي اثنان أو أربعة فقط، انطلاقاً من آخر جونة يضع فيها حصاه الفردية.

وتستمر هذه العملية حتى يربح كل خصم ما يستطيع من حصاه وحصا خصمه، وهنا تكمن عملية التفكير والتركيز في اختيار الجونة الصحيحة التي يجب عليه توزيع حصاها لتصل إلى جون خصمه فيربحها إن كانت بأعداد زوجية، إضافة لأنه يجب عليه خداع خصمه وتشتيت تركيزه ليخطئ في اختيار الجونة الصحيحة».