على بعد ثلاثة كيلومترات شرقي مدينة "الشيخ بدر"، وعلى الطريق المحوري الذي يربط الساحل بالداخل أنشئ رابع أقدم سوق في "طرطوس".

فسوق "بريصين" القديم الذي يضم حالياً حوالي عشرة محال تجارية كان هدفاً لزيارة موقع eSyria بتاريخ 8/12/2011، حيث التقينا الجد "علي يونس يوسف" أحد معمري القرية في الحادية والتسعين من العمر، حيث قال: «على بعد ثلاثة كيلومترات من مركز مدينة "الشيخ بدر" شرقاً، أسس رابع أقدم سوق في المحافظة بعد سوق "طرطوس" وسوق "القدموس" وسوق "السودا"، وقد سمي فيما مضى سوق "الشرشية" وهم تجار المواشي الذين كانوا يقصدون السوق للاستراحة والتخفيف من عناء السفر الطويل على طريق الحرير الرابط بين منطقتي الساحل والداخل وبقية المناطق والدول المجاورة مثل "اللبنان"، ولإجراء بعض التبادلات التجارية مع أصحاب المحال التجارية في السوق الذين كانوا يقرضون المواطنين من أهالي القرية والقرى المجاورة على حسب عدد رؤوس المواشي التي يملكونها، ليتم مقايضة صوفها أو شعرها بما يحتاجونه من مواد منزلية أخرى. فأنا واحد من الذين كبروا في هذه القرية وهم يدركون السوق وحركته التجارية النشطة، وكيف كانت القرية تجتمع فيه مع إطلالة كل يوم جديد للتسوق بحاجيات المنزل، وإجراء التبادلات التجارية مع السيد "إبراهيم شعبان" والسيد "حسن علي" وهم أصحاب أقدم محلين في السوق، حيث مازلت أذكر بعض ملامح وجهيهما وجسديهما الطاعنين في السن.

بعد ازدهار التجارة بشكل عام تمت إضافة عدة محال تجارية على جانبي الشارع العام للقرية، وذلك بطول حوالي خمسين متراً فقط، حيث كانت المحال مبنية من التراب والطين وجدران الحجارة الغشيمة على نفس مبدأ المنازل الريفية القديمة، وتطورت فيما بعد لتصبح مبنية من الحجارة الغشيمة أيضاً

فالسيد "إبراهيم شعبان" كان مهتم بالأقمشة بمختلف أشكالها وألوانها، إضافة إلى "البستونة" وهي ثياب داخلية قطنية تشبه البنطلون بطولها، إضافة إلى ملبوس العرب، وهو الزي التراثي الرسمي لأهالي "الساحل السوري"، أما السيد "حسن علي" فكان محله التجاري أشبه ببقاليات هذه الأيام لما يحتويه على خضار وفواكه وأدوات حمام وغسل وبيض وزيت زيتون وشعر الماعز والحلاوة السكرية والملبس وصابون الغار والقمح والشعير وغيرها من حاجيات المنزل الضرورية».

الجد "محمد أحمد"

ويتابع الجد "علي": «بعد ازدهار التجارة بشكل عام تمت إضافة عدة محال تجارية على جانبي الشارع العام للقرية، وذلك بطول حوالي خمسين متراً فقط، حيث كانت المحال مبنية من التراب والطين وجدران الحجارة الغشيمة على نفس مبدأ المنازل الريفية القديمة، وتطورت فيما بعد لتصبح مبنية من الحجارة الغشيمة أيضاً».

السيد "عبد الرحمن يوسف" أحد أصحاب المحال التجارية في السوق أكد أن السوق كان مركز تسوق لأكثر من خمسين قرية محيطة وقريبة من السوق، مضيفاً: «السوق قديم جداً وأنا واحد من الذين ورثوا محالهم التجارية عن آبائهم، حيث تنتشر المحال على جانبي الطريق متزينة بأبوابها الخشبية العريضة وحجارتها الطبيعية البيضاء وأسقفها الخشبية المدعومة ب"الساموك" والأعمدة الخشبية الأخرى، وقد اختزل هذا السوق الكثير من المصالح التجارية كالخضرجي واللحام وبائع الأقمشة والحداد العربي والقهوة العربية لتمضية الوقت بين صفوف الرجال بعد الانتهاء من العمل في الحقل».

الواجهات الخشبية العريضة للمحال التجارية في السوق

ويتابع: «لقد كان تجار السوق يتبادلون بضائعهم مع الأهالي ممن لا يملكون المال، وكانوا يبادلون القمح والحرير وشعر الماعز والصوف بالأقمشة والحلويات والملابس بشكل عام، والخضار والفواكه التي كانوا يحضرونها من قرية "مرقية"، حيث لم يكن هناك الكثير من الزراعات في القرية عدا القمح والشعير والذرة والحمص والعدس وغيرها من الحبوب، وبالتالي يتم تبادل تجاري بين هؤلاء التجار مع تجار طريق الحرير وخاصة ممن يتوجهون على ظهور بغالهم وجمالهم وأحصنتهم إلى مدينة "طرابلس" و"بيروت" و"حماه" و"حمص" و"دمشق"، للتزود بكل جديد».

أما الجد "محمد أحمد" فقد قال: «هذا المحل بنيته بيدي من الحجارة والخشب والطين، بعدما كثرت المحال في السوق وبدأت تعمل جميعها بشكل جيد وخاصة في المواسم المعنية بالتموين العائلي لفصل الشتاء، وكنت أذهب على ظهر البغل خاصتي إلى بعض المناطق القريبة التي تزرع الخضار والفواكه، لأقدم لأهاليها بعض ما تحتاجه من الألبسة الجاهزة والأقمشة وأحصل من عندهم على ما أريد من منتجاتهم الحقلية».

السيد "عبد الرحمن يوسف"

في حين أن السيد "محمد إبراهيم سليمان" أوضح مكان توضع السوق بالنسبة للقرية، وهنا قال: «رغم مرور الكثير من السنين وربما القرون على نشأة السوق فإن الطابع التراثي القديم في أغلب محلاته وواجهاتها الخشبية الكبيرة، فإنه مازال حاضراً موجوداً يتحدث عن تاريخ السوق وعراقته وكيف كان عصب الحياة في المنطقة بكاملها.

إن توضع سوق "بريصين" على الجهة الجنوبية من قرية "بريصين" أعطاه قيمة إنشائية مكنته من التوسع في عدد المحال التجارية، دون التأثير على المنازل وقربها منه أو بعدها عنه، غير مكترثين بالطريق الترابي الذي احتضن السوق في البدايات».