سواء لطحن الحبوب وحفظها أو لعصر الزيتون أو لحفظ الماء وحتى لحفظ المؤن كانت "الجرون الحجرية" من أكثر الأدوات التي اعتمد عليها الإنسان في حياته اليومية في مختلف عصور التاريخ، ولاتزال هذه "الجرون" شاهدا على نشاط الإنسان القديم في أي مكان سكنه.

موقع "eSyria" بحث عن مكانة "الجرون الحجرية" في تراث الساحل، الحاج "نجاح الشيخ" الذي يعمل في صناعة النحاسيات، كان من الذين استخدموا هذه الأدوات في شبابه، ويقول عن ذلك بتاريخ 12/2/2011: «لاأزال أذكر كيف كنا نستخدم "الجرون" الخاصة لحفظ الماء سواء من الحجر الطبيعي أو من الفخار والتي تُبقي المياه باردة حتى في فصل الصيف، كما أن "دق الكبة" كان ولايزال يعتمد على "الجرون" الخاصة لهذا الغرض والتي تستخدم أيضا لطحن الحبوب.

كما أن لعملي في صناعة النحاسيات أدوات خاصة فإن لنحت الحجر وحفره أدواته الخاصة به، حيث كان القدماء يستخدمون مطرقة على اختلاف أحجامها وأحجام الجرون المراد حفرها مع "إزميل فولاذي" وبأنواع متعددة لحفر الحجر وتشكيله من الداخل والخارج وتنعيم أسطحه وصنع تجاويف على سطحه الخارجي لنقله والتحكم به

أما عصر الزيتون فكانت تستخدم له جرون حجرية خاصة بقيت تستخدم لثلاثين عاما مضت حتى إن البعض في قرى "بانياس وجبلة" لايزالون يستخدمونها لعصر الزيتون، وكانت الحيوانات أيضا تسقى من "جرون" واسعة تم حفرها خصيصا لهذه الغاية».

الحاج نجاح الشيخ

وعن صناعة الجرن الحجري وأشكاله يقول الحاج "نجاح الشيخ": «كما أن لعملي في صناعة النحاسيات أدوات خاصة فإن لنحت الحجر وحفره أدواته الخاصة به، حيث كان القدماء يستخدمون مطرقة على اختلاف أحجامها وأحجام الجرون المراد حفرها مع "إزميل فولاذي" وبأنواع متعددة لحفر الحجر وتشكيله من الداخل والخارج وتنعيم أسطحه وصنع تجاويف على سطحه الخارجي لنقله والتحكم به».

وللحجر المنحوت بشكل "جرن" عدة أنواع من حيث طبيعة الحجر وطريقة تصنيعه والتي ذكرها الحاج "نجاح الشيخ" بالقول: «توجد عدة أنواع من الحجر لصناعة "الجرون" مثل حجر "الصوان البركاني الأسود" وهو قاس يصعب حفره ويصلح لجميع أنواع "الجرون" واستخداماتها، ولدينا حجر "الرخام" الأبيض القاسي أيضا، وهذا النوع كانوا يأتون به من "تركيا وإيطاليا".

جرن لازال يستخدم لدق الكبة وطحن الحبوب

كما توجد انواع أخرى منها "الغرانيت" والحجر العادي القاسي، في حين نجد أن الحجر "الكلسي" لا يصلح لصناعة "الجرون" بمختلف أنواعها ما عدا "الجرون" المخصصة لشرب الماشية أو للاستخدام السريع الآني، أما الأنواع حسب طرق التصنيع فهي كثيرة سواء من الداخل أو من الخارج، وأكثر ثلاثة أنواع انتشارا هي: "الجرن" البيضوي" من الداخل ومن الخارج ويمكن حمله من قبل الرجل، وهناك البيضوي من الداخل وغير المتناسق من الخارج في نحته وفي حجمه وهو ضخم، ويستخدم "الجرن البيضوي" عادة لدق وطحن الحبوب.

وهناك "الجرن الدائري" الذي يتوسطه نتوء ظاهر من قلب "الجرن"، وهو دائري ومتناسق من الخارج أيضا حيث كان يستخدم لعصر الزيتون وعصر العنب، كذلك لدينا "الجرون المربعة والمستطيلة" التي تستخدم لتخزين الحبوب أو لسقي الماشية، ويضاف لهذه الأنواع أنواع أخرى كثيرة من حيث الحجم والاتساع الداخلي وطريقة الاستخدام».

من المتوقع استخدام هذا الجرن لسقي الماشية

من جهتهما خبيرا الآثار "محمد مصطفى وصبا عمران" العاملين في شعبة التنقيب الآثري يخبرانا عن تاريخ هذه "الجرون" واستخدامها بالقول: «إن "الجرون" التي نشاهدها في الصور الملتقطة من مختلف المناطق الأثرية في "طرطوس" تعود بمعظمها إلى الحقبة "البيزنطية"، حيث انتشرت صناعة عصر الزيتون بكثرة، كذلك كانوا يعصرون العنب لصناعة الخمر إضافة "للجرون" الضخمة لتخمير العنب.

كما أن كلمة "حوض" هي ما كان يطلق على "الجرون" الواسعة كأحواض "العمادة" في الكنائس البيزنطية، كذلك انتشرت عبر التاريخ بعض الصناعات والتي احتاجت بمعظمها إلى "الجرون أو الأحواض" الحجرية الواسعة لخلط المواد ونقعها، كما احتوت "الجرون" على مداخل ومخارج ونتوءات لحملها أو تثبيت قطع حجرية متحركة عليها وخاصة أحواض عصر الزيتون وهو ما يفسر التشابه في طريقة صناعة هذه الجرون بين منطقة وأخرى».

ويقول السيد "أحمد سليم" وهو مزارع من منطقة "القدموس": «إن استخدام "الجرون" بكثرة يعود لقلة الصناعات الحديدية في العصور الماضية، إضافة للحاجة الكبيرة لوجود أحواض لأغراض الإنسان المختلفة.

لذلك تجد في أي منطقة أثرية وفي المدن القديمة وفي القرى والمناطق الزراعية على امتداد الجبال والساحل بقايا "جرون" لا نعيرها نحن المزارعين أي أهمية لكثرتها وعدم حاجتنا إليها، وفي الآونة الأخيرة أصبحنا نشاهد بعض أنواع "الجرون" في الساحات العامة والحدائق بشكل جميل ويعكس جانبا من تاريخ المنطقة وحضارتها».