يحمل موسم الزيتون للناس في منطقة "عفرين" سنوياً الأفراح والأعراس حيث تشهد الحقول كرنفالات اجتماعية تتضمن الأغاني والرقص في أجواء ريفية جميلة، إضافةً إلى ممارسة الناس لمجموعة من التقاليد والطقوس الاجتماعية المرتبطة بقدوم موسم جني محصول الزيتون.

وللتعرّف على هذه التقاليد الاجتماعية زار مراسل موقع eSyria في "حلب" أحد حقول الزيتون في ريف منطقة "عفرين" حيث كانت عائلة المزارع "محمد خليل يوسف" وجيرانه منهمكون في العمل لجني محصول الزيتون الذي وصل إلى آخر أيامه وهناك سأله أولاً عن وضع الموسم فأجاب:

أقوم بالعفّارة، كما أنّ اليوم هو يوم "الخلاصك" لبيت عمي وقد أعطتني زوجة عمي سطلاً من الزيتون

«الحمد لله الموسم جيد جداً هذا العام ويعود الفضل في ذلك إلى الأمطار الغزيرة والكافية التي هطلت خلال الشتاء الماضي، فالمعروف أنّ أشجار الزيتون تتأثر سلباً وإيجاباً بكميات الأمطار التي هطلت خلال الموسم السابق».

العفارة من طقوس موسم الزيتون

وحول بعض الطقوس الاجتماعية المرتبطة بموسم الزيتون قال:

«يرافق موسم الزيتون سنوياً العديد من التقاليد والأعراف الجميلة التي يمارسها الناس منذ مئات بل آلاف السنين ومن أهمها الإفطار والغداء الجماعيان اللذان يتم الدعوة إليهما عادةً من خلال الغناء والرقص والزغاريد وتكون تلك الأغاني والرقصات عادة من فلكلور المنطقة وتراثها».

محمد خليل يوسف وزوجته دلشان سيدو

«ومن العادات الجميلة الأخرى -والكلام ما زال له- الجولات التي تقوم بها شريحة "الطبالين" بطبولهم ومزاميرهم في الحقول وذلك على ظهور الحمير والبغال ليقدّموا للعمال أفضل ما لديهم من المقطوعات التراثية والفلكلورية وكذلك الراقصة حيث تُعقد حولهم حلقات الدبكة والرقص التي يشارك فيها جميع من في الحقل من رجال وشيوخ ونساء وبعد الانتهاء من أداء الرقصات يقدّم صاحب الحقل تنكة من الزيتون لهم ليكملوا جولتهم اليومية وينتقلوا إلى حقول أخرى وهكذا حتى المساء».

وأضافت زوجته "دلشان سيدو":

اليوم الأخير من جني المحصول

«من التقاليد الاجتماعية الجميلة والخاصّة بالأطفال عادتين هي: العفّارة و "الخلاصك -محلياً" وهما من أكثر الطقوس الاجتماعية المحببة إلى قلوب الأولاد وتُمارسان منذ أقدم العصور بسبب الاعتقاد القديم الذي يتضمن بأنّ ممارسة هذين الطقسين يجلبان الخير لصاحب الحقل والبركة والوفرة في المحصول حيث يزداد مردوده بمشيئة الله الذي يحب الخير وخاصّةً إذا ما تعلق الأمر بالأطفال».

وتابعت بالقول: «العفّارة هي قيام الأطفال بجمع حبات الزيتون خلف العمال وفي الأشجار التي تم الانتهاء من العمل فيها، فبعد انتهاء الدوام في المدرسة وقت الظهيرة أو في أيام العطل المدرسية ترى الأطفال يزحفون إلى الحقول مثل النمل ويقطفون ما تبقى من حبات الزيتون على الشجر أو يجمعون من تحتها، وفي آخر النهار يقوم صاحب الحقل الذي يقوم الطفل بالعفّارة في حقله بملء العلبة التي يحملها الطفل أو كيسه حيث يبيعها في المساء لدكانين السمانة في القرية ليشتروا مقابلها ما يرغبون بها من سكاكر وألعاب وبطاطا وغيرها».

«أما "الخلاصك" فتعني يوم الانتهاء من جني المحصول بالنسبة لصاحب كل حقل، ويعتبر ذلك اليوم الذي يكون الأخير من أيام جني المحصول مناسبة اجتماعية معروفة ينتظرها الأطفال بفارغ الصبر حيث يسألون بعضهم البعض عن يوم "الخلاصك" في كل حقل من حقول القرية لأنّ صاحب الحقل في يومه الأخير من قطف الزيتون يجب عليه أن يوزع علبة من الزيتون "وزنها كيلو أو كيلوين" على كل طفل من أطفال القرية الذين يصادف وجودهم في الحقل أثناء الانتهاء من الموسم ليضيفوا إلى ما قاموا بتعفيره حتى وقت (الخلاصك) ويبيعوه في الدكان في المساء».

وأخيراً التقى مراسلنا بطفل كان يقوم بالعفّارة في أحد الحقول وأجرى معه اللقاء الطريف التالي:

* ما اسمك، وفي أي صف أنت؟

** «اسمي "خليل محمد" وأنا في الصف الخامس».

* ماذا تفعل هنا؟

** «أقوم بالعفّارة، كما أنّ اليوم هو يوم "الخلاصك" لبيت عمي وقد أعطتني زوجة عمي سطلاً من الزيتون».

  • بعد أن تبيع الزيتون في الدكان ماذا تريد أن تشتري؟
  • ** «بالمبلغ الذي أبيع به الزيتون يومياً أشتري بعض الأطعمة اللذيذة ودفاتر وأقلام أحتاجها في المدرسة، أما الباقي فأضعه في حصالتي كي أشتري بها درّاجة بعد انتهاء المدارس في فصل الصيف القادم».

    هي مواسم الخير والعطاء في بلادنا تحمل للناس المحبة والفرح والسعادة وبخاصّة الأطفال الذين أينما حلوا يقدم لهم أصحاب الحقول علباً من الزيتون فيصنعوا على شفاههم السرور والسعادة.