هي إحدى أهم الصناعات الحرفية التي عرفتها مدينة "أريحا" والتي كانت وما تزال من أكبر وأهم مراكز التسوق، ونظراً لما تتمتع به هذه المدينة من طابعٍ زراعي فقد شهدت مهنة الحدادة تطوراً كبيراً في الماضي وهو ما تحدّث به الباحث التاريخي "مصطفى سماق" في لقائه بموقع eIdleb وسؤاله عن تاريخ هذه المهنة قائلاً:

«تعود جذور حرفة الحدادة في "أريحا" إلى العهد الأيوبي، فهي صناعةٌ ثقيلةٌ تدخل في صنع آلات الإنتاج للصناعات الأخرى كالغزل والحياكة وصناعة السيوف والدروع وما يتعلق بمستلزمات الجيوش إضافة لمساهمتها في تحصين البيوت والمحال التجارية والخانات إضافة إلى صناعة الأدوات الزراعية كالفؤوس والمحراث اليدوي "الفدّان". ثم تطورت في العهدين المملوكي والعثماني وازداد عدد العاملين بها وأصبح لهذه المهنة سوقٌ يسمّى "سوق الحدادين" (شرق الجامع الكبير حالياً) وهو مكان لتجمّع أبناء "الكار"».

إن أهم القطع المصنّعة هي الفأس والمطرقة والرفش والأوتاد المعدنية المستخدمة في تثبيت الخيام وصيانة المحاريث القديمة (الفدان)

وأضاف "سماق" قائلاً: «ولهذه الحرفة كغيرها رئيس يشرف على نشاط أبناء المهنة ويتولى جانباً من التسويق وإليه يرجع أبناء المهنة في حل مشكلاتهم ويسمّى "شيخ الكار" وهو من الصنّاع المهرة ويملك من الحكمة والحنكة ما يؤهله لتولي هذا المنصب كما وأن بعض العائلات الريحاوية أخذت تسميتها من المهنة مثل "آل حداد"».

الباحث مصطفى سماق

واليوم يقتصر نشاط أرباب الحرفة على صناعة أنواع محددة من المعدات والتي أطلعنا عليها السيد "عادل حداد" أحد أرباب المهنة قائلاً: «إن أهم القطع المصنّعة هي الفأس والمطرقة والرفش والأوتاد المعدنية المستخدمة في تثبيت الخيام وصيانة المحاريث القديمة (الفدان)».

أما عن مراحل الصناعة وأهم الأدوات المستخدمة فقد أضاف: «نقوم بشراء الحديد "الخردة" ثم نقوم بتذويبه في فرن الفحم (بيت النار) ومن ثم طرقه حتى يأخذ الشكل المطلوب ثم نقوم بتبريد القطعة (السقي) حتى تزداد صلابتها ومن ثم تأتي عملية الشحذ لتأخذ الحدة المطلوبة، وتعتبر المطرقة والملقط وبيت النار والسندان وجرن الماء هي مقومات هذه الحرفة».

السيد عادل حداد

وعن أهم المشكلات الحالية التي يعانيها الحدادون تحدث السيد "عبد الجبار عيد" (حداد عربي) قائلاً: «يعاني أبناء الحرفة من ضعف الدخل المادي نتيجة ندرة العمل واقتصاره على بعض القطع البسيطة وهو ما دعا بعض العاملين لهجرها والانتقال للعمل في مجالٍ آخر بحثاً عن مصدرٍ للدخل وتتقلص أعداد العاملين حيث تحولت بعض محلات سوق الحدادين إلى محلات تجارية ولم يبق في "أريحا" سوى ثلاثة حرفيين ستزول المهنة بزوالهم».

وأضاف: «والمهنة بذاتها تبعث على الكثير من الأمراض خاصةً الصدرية منها فرائحة الفحم والبخار الناتج عن عملية السقي تسبب الاختناق في بعض الأحيان لذلك لن يستطيع أبناؤنا في الغد العمل بمهنة آبائهم التي اعتزوا بها».

السيد عبد الجبار عيد

ورغم كل التحديات التي تشهدها حرفة الحدادة إلا أنها مازالت تروي أحداث الزمن الماضي وتشير إلى الأهمية الصناعية لمدينة "أريحا" منذ قرونٍ عديدة.