في وسط الجولان السوري المحتل تتربع قرية "السلوقية"، التي تمتاز بكثرة السواقي والينابيع وانتشار أشجار الكينا بمحيطها، كما تنتشر فيها كروم الزيتون والعنب والتين والبلوط والغار والخضراوات الباكورية المتنوعة، فيما تشكل آثار القرية المدمرة شريطاً لذكريات أبناء الجولان وشاهداً حياً على وحشية وإجرام العدو الإسرائيلي.
موقع إستراتيجي
المختار "علي العلي" تولد قرية السلوقية عام 1947، خرج من القرية وعمره عشرين سنة، يقول لمدونة وطن إن السلوقية من القرى القديمة والكبيرة بالجولان وتتبع لناحية الخشنية ومنطقة القنيطرة، وهي قرية مشهورة بموقعها الإستراتيجي بالقطاع الأوسط، حيث تطل من خلاله على فلسطين و بحيرة طبريا والحمة والأردن، وتقع جنوب غرب خط التابلاين بـ500 متر وغرب بلدة الخشنية بـ 4كم، تمر منها الطريق الرومانية المرصوفة بالحجارة والمرتفعة عن سطح البحر 600 متر.
يتبع السلوقية حسب المختار "علي" قرية مشهورة تُدعى "مزرعة الشيخ حسين" الواقعة بين قرى اليعربية والعسلية والمجامع شمالاً، ويفصل بينهما وادي زويتنان العميق المشهور بشلاله المرتفع وطبيعته الساحرة المكونة من النباتات العطرية والزراعية من الشومر والخبيزة والكرمل والخرنوب، وكثرة الحيوانات الموجودة.
ويصف المختار شكل محيط القرية بأنه أشبه بمتوازي المستطيلات، حيث قاعدتها الكبرى من الشرق 3 كم، والصغرى من الغرب والجنوب 2 كم ، لتكون مساحتها 11 كم ، لتظهر أرضها البركانية السوداء بشكل مرتفع من جهة الشرق، وتتدرج بالانخفاض نحو الغرب، فتربتها السوداء صالحة للزراعة، ولكن يكثر فيها الأراضي الوعرة من حجارة وصخور، وهي تربة صالحة لكل الزراعات من القمح والشعير والفول والحمص والبيقية والذرة الصفراء والبيضاء والترمس، فضلاً عن زراعة الخضار البعلية التي تسقى لمرة واحدة نتيجة جودة التربة وخصوبتها وعدم حاجتها للمياه الزائدة، أما الأشجار فهناك التين والعنب وكروم الزيتون والكينا المتميزة والمنتشرة بأرجاء القرية بكل محيطها.
ويمتاز مناخ السلوقية كما يروي المختار بالاعتدال شتاء وبأمطاره الغزيرة، ولا يزال "العلي" يذكر جهاز مقياس هطول المطر لوالده المختار ايضاً الذي كان يضعه في زاوية المنزل ويقيس فيه نزول المطر، وتتميز القرية بمصادر المياه الغنية، حيث يوجد نحو أربعة وعشرين ينبوعاً فيها.
في التاريخ
الباحث الجولاني "محمد الحسين" يتحدث عن سبب تسمية القرية الذي يعود للعصر السلجوقي، حيث كانت آنذاك مدينة عامرة ويتضح ذلك من خلال آثارها المكتشفة، وكانت تسمى السلجوقية، لكن مع الزمن ونظراً لاستثقال حرف الجيم بعد اللام، أهملوا الجيم، وأصبح اسمها السلوقية.
ويضيف: "يقع شرق القرية تل أثري فيه بقايا سور حجري لمدينة قديمة يظهر بوضوح في الأطراف الشمالية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية، كما تظهر في جنوب التل وشماله قواعد حجرية كبيرة لأبنية ضخمة، إضافة لأدوات حجرية وفخارية، كما عثر السكان في غدير النحاس شمال غرب القرية، على لقى زجاجية وفخارية وحلي ونقود ذهبية، حيث إن أغلب البيوت أثرية قديمة، وكان يمر منها طرق ترابية قديمة وأحدها مرصوف بالحجارة" .
تمتاز القرية كما يقول "الحسين" بحدود طبيعية مائية، حيث يزنرها مسيلان مائيان من الشمال الغربي والجنوب الغربي، ويصلها المسيل الأول من مياه أراضي عين وردة والدلهمية، مشكلاً وادي غدير أبو دخان متجهاً غرباً بين قصرين والقصبية، ماراً بقرى مزرعة الشيخ حسين والعسلية والمجامع ليصب قي وادي حواء، أما المسيل الثاني فتتشكل بداياته في أراضي الرمثانية، ويتفرع لعدة غدران، منها غدير قطيط بين السلوقية والمشتى متابعاً تدفقه ليشكل حداً طبيعياً بين كل من المشتى والقصبية، وعند منطقة السور بين السلوقية والمشتى يصبح اسمه وادي المراوي، والسلوقية كما هو معروف غنية جداً بمياهها وينابيعها وكلها دائمة، لتتفجر شتاء عشرات العيون الموسمية، مثل عين أم الحشيش وغدران وبدوة والنحاس وغيرها، وتنمو بالأودية أشجار حراجية مثل الدفلى والغار والزعرور، ويسكن القرية أبناء الجعاثين".
عادات وتقاليد
الأستاذ المتقاعد "أحمد المنور" من مواليد قرية السلوقية ١٩٥٧، يقول: إن قرية السلوقية بعدد سكانها الذين يصل الى ما يقارب 600 شخص قبل النزوح امتازت بعادات وتقاليد أصيلة منذ القدم كان أهمها حفاظ الأهالي على العادات العربية الأصيلة من حفظ التراث والفلكلور، وإكرام الضيف، وصون القرابة والجيرة ومحبة الأخرين، وهذ ما يظهر ويتجلى من خلال المناسبات في الأفراح والأحزان، وكان المختار يمثل أهل القرية فهو الحاكم والآمر الناهي في القضاء وفي فض النزاعات والخلافات، رغم أنها كانت قليلة ونادرة الحدوث.
ويذكر "المنور" أيام الشتاء في القرية حين كان الناس في بيوتهم الحجرية زرقاء اللون يعتمدون على الجلة (روث البقر ) في التدفئة، ورغم أيام الشتاء الطويلة فقد كان يزينها جلسات السهر والتعاليل عند الأقارب والأصحاب.
أما عن عادات الأعراس المقامة في السلوقية فكانت كما يروي "المنور" تمتد لمدة أسبوع وأكثر بين إقامة الدبكة والغناء والحنة وعزيمة العريس التي كانت كل يوم في منزل أحد من أقاربه، وذلك منذ اليوم الثاني من الزفاف والمستمرة لأسبوع بأكمله، كما أن أهالي القرية بيوم العرس يقدمون الرز والحليب والذبائح لأهل العريس كنقوط تعبيراً عن المودة والمحبة، لافتاً الى أن زفاف العروس كان يتم على الفرس أو الجمل مع الغناء الجماعي من النسوة المصاحب للزفاف.
وفيما يخص المهر يشير "المنور" إلى أنه كان يعتمد بشكل كبير على الماشية في المقدم والمؤخر والمتوافر من البقر والغنم أو المال، في حين كان لباس المرأة في الزفاف والعرس من الشرش والشنبر ولبس الطفحة والعرجة المرصعة بالليرات العصملية والذهب.
ذكريات الطفولة
الحاج "نمر الصالح" من السلوقية تولد عام 1953 يقول: "أمضيت طفولتي الأولى بين حنايا الوديان وربيع الطبيعة، حيث أتذكر المدرسة الابتدائية المبنية من الحجر البازلتي الأزرق، والسقف ذا التوتياء والخشب والباحة بفنائها الواسع، وكان الأساتذة في المدرسة يأتون من درعا والقنيطرة والخشنية المجاورة والقصبية ومن بلدات أخرى، وكان هناك من الأساتذة "عادل زريق" من دمشق وهو من كبار العلماء".