"التين المجفف" هو أحد أكثر المأكولات الريفية شيوعاً إذ يستعمله الناس كغذاء ويعتبرونه أفضل أنواع الحلويات التقليدية المحلية كما يستعمله ممارسو الطب الشعبي منذ القدم كدواء فعال لمعالجة عدد من الأمراض، وبين هذا وذاك فإنّ للتين المجفف والمحفوظ كمؤونة في البيوت الريفية حضوراً لافتاً في سهرات القرويين وأمسياتهم الشتوية.

حول استعمال "التين المجفف" كدواء للمرضى يقول السيد "خليل حسو" أحد ممارسي الطب الشعبي قديماً لموقع eAleppo: «قبل التطور العام الذي حققه بلدنا في جميع المجالات ومنها في المجال الطبي كنت أحد الذين يمارسون مهنة الطب الشعبي في الريف الذي كان يسمى بالطب العربي حيث كنا نستعمل مجموعة من الأدوية الطبيعية مثل خلطات الأعشاب وأغصان الأشجار والثمار المتنوعة في علاج المرضى وتخليصهم من الآلام التي كانوا يعانون منها وهي أدوية عربية مجرّبة ورثنا تركيباتها وخلطاتها عن آبائنا وأجدادنا.

ومن الأمراض التي كان "التين المجفف" يفيد في علاجها أو التخفيف من وطأتها على المريض هو مرض الربو والتحسس والسعال فقد كان يفيد بشكل كبير في تخفيفها وذلك بتناولها بشكل عادي أو بشرب منقوعها

ومن هذه الأدوية العربية "التين المجفف" الذي كنا نوصي بعض مرضانا بتناوله باعتباره كان فعالاً ومفيداً في العديد من الأمراض ومنها أنه إذا حدث للشخص إمساك كنا نوصيه بتناول "التين المجفف" وذلك بغليه ومن ثم شرب كاسة أو كاستين من منقوعه في الصباح الباكر وقد كان ذلك كفيلاً بتخليصه من حالة الإمساك، وكذلك بالنسبة للذين كانوا يعانون من آلام الركب حيث كنا نوصي هؤلاء المرضى بشرب ثلاث كاسات من منقوع التين المجفف المغلي في الصباح والظهر والمساء.

خليل حسو

وكان البعض من ممارسي الطب الشعبي يطلبون من مرضاهم الذين يعانون من آلام المفاصل والركب بدهن مكان الألم بلبخة "التين المجفف" وربطه بواسطة قطعة قماش حتى تخف الآلام تماماً».

وختم "حسو" حديثه بالقول: «ومن الأمراض التي كان "التين المجفف" يفيد في علاجها أو التخفيف من وطأتها على المريض هو مرض الربو والتحسس والسعال فقد كان يفيد بشكل كبير في تخفيفها وذلك بتناولها بشكل عادي أو بشرب منقوعها».

محمد أوسو

أما السيد "محمد أوسو" 51 سنة فقال حول حضور "التين المجفف" في الحياة الاجتماعية للريفيين: «التين ثمرة مباركة وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم وهي من أكثر الثمار قرباً للناس في الريف إلى جانب العنب الذي له الحضور الأبرز في حياتهم، "التين المجفف" هو رمز المحبة والاحتفاء بالضيف في الريف وخاصّةً خلال فصل الشتاء الذي يتميّز بجوه البارد وبلياليه الطويلة».

وأضاف "جمو": «بالنسبة للجو البارد فالتين المجفف ذو الطعم الحلو يمنح آكله الطاقة والدفء وبالتالي يقيه من مرض الزكام ومن موجات البرد القارس، أما بالنسبة لحضوره في ليالي الشتاء فقد أصبح وجوده جزءاً من العرف الاجتماعي والتقاليد الريفية، فالمعروف أنّ القرويين وهم في العادة فلاحون ورعاة يتوقفون عن العمل تماماً خلال فصل الشتاء حيث الأمطار والثلوج، وقد جرت العادة أن يجتمع الناس في أحد البيوت وبشكل دوري لتمضية الوقت وخاصّة في الليل، وخلال تلك السهرات الجميلة لابد من وجود "التين المجفف" كنوع من المأكولات الفاخرة إلى جانب الزبيب والجوز البلدي والسمسم».

تجفيف التين بالشمس

وبالنسبة لطريقة إعداد وتحضير "التين المجفف" وحفظه قالت السيدة "بنفش حمو": «لتحضير "التين المجفف" نذهب إلى الكروم لقطف الثمار التي يجب أن تكون ناضجة ولم تتشقق حباتها بشكل كبير /لأنّ ثمار التين إذا نضجت ولم تُقطف في وقتها المناسب فإنها تتشقق وبالتالي تدخلها الحشرات وتفسدها/ ونجلبها إلى الدار ومن ثم نقوم بتحضير المكان الذي سوف نجفف الثمار فيه وذلك بوضع قليل من القش أو أغصان الزيتون أو الصنوبر وغيرها وذلك لكي لا تصل الحبات إلى التراب ومن ثم نقوم بتقسيم كل حبة إلى قسمين /دون تقطيعها/ ونضعها إلى جانب بعضها فوق القش ونتركها لمدة يومين أو ثلاثة بحسب حدة الشمس».

وتابعت "بنفش" حديثها بالقول: «بعد هذه المرحلة نقوم بجمع الحبات المجففة استعداداً لحفظها الذي يكون بغلي الماء ووضعه في آنية ووضع حبات التين في سلة أو مصفاة ومن ثم غطسها في الماء المغلي لعدة ثوان وإخراجها ومن ثم تعريضها للشمس من جديد والهدف من هذه العملية هو تعقيم التين، وبعد أن تجف الحبات نحفظها في أكياس قماشية أو تنكات معدنية وذلك بوضع الحبات فوق بعضها ورشها بالسكر الناعم مع كبسها جيداً وذلك لمنع التعفن ودخول الحشرات إليها أثناء عملية الحفظ التي تستمر لشهور عديدة وأخيراً نقوم بربط الأكياس وسد التنك جيداً.

وفي فصل الشتاء نفتح الأكياس أو التنك لنقوم بتناوله كنوع من الحلويات الريفية اللذيذة وذلك من قبل جميع أفراد الأسرة إضافةً إلى تقديمه للضيوف والزوّار، فخلال هذا الفصل يعتبر "التين المجفف" من أكثر المأكولات تناولاً لدى الريفيين ومن أكثرها حضوراً في سهراتهم ومناسباتهم».