يصعب تصور البيوت العربية "الدمشقية" دون "شجيرة الياسمين" نائمة على جدرانها العتيقة، حتى إنها أصبحت تعتبر أحد أركان "البيت الدمشقي"، لقد ألهم "ياسمين دمشق" الكثير من الأدباء والشعراء عبر التاريخ، فلم تخل إبداعات شاعر أو أديب زار دمشق من عطره، ولئن اشتهر "الياسمين" بجانبه الجمالي الذي يلفت النظر، إلا أن للياسمين فوائد طبية، عرف "الدمشقيون" بعضها، واستخدموه في طبهم الشعبي، وجاءت الأبحاث العلمية الحديثة لتؤكد وتفسر هذا الأثر الطبي، وتنبه إلى فوائد أكثر لتلك "الزهرة" المدللة في "دمشق".

تستعمل "زهرة الياسمين" في المعالجة العطرية للاكتئاب والتوتر، فهي تمنح من يستنشقها شعوراً بالهدوء والاسترخاء، وعلى الرغم من أن الكثير من الأبحاث اليوم تؤكد هذا الأثر الطبي، إلا أن الاستخدام الشعبي "للياسمين" كان الأسبق إلى ذلك، الأمر الذي أكده العطار "أسامة الغبرة" لموقع eSyria عندما تحدث عن كيفية استخدام "الياسمين" قديماً، وبدأ بقوله: «أذكر أن جدي- وهو عطار أيضاً- كان يدهن عدة نقاط من "زيت الياسمين" على "جبهته" وصدغيه عندما يصاب بالصداع، وكانت هذه الحركات تمنحه شعوراً بالراحة كما كان يخبرنا، وأعتقد أن "الدمشقيين" كانوا يزرعون "الياسمين" في بيوتهم لأنها تجلب السرور وتخفف الغم، سواء بلونها الأبيض المتألق، أو برائحتها المنعشة».

إن "زيت الياسمين" الأصلي غال جداً، يصل سعر الغرام الواحد منه إلى /3/ آلاف ليرة سورية، أما زيوت الياسمين المنتشرة في الأسواق لتصنيع عطره، والتي تباع على أنها أصلية فهي لا تتجاوز /25/ ليرة سورية للغرام الواحد

بينت الأبحاث العلمية الحديثة، أن "رائحة الياسمين" المميزة تعود إلى مادة "اللينالول" والتي تساعد أيضاً على تخفيض "دقات القلب" وعلى الشعور بالهدوء، ومنح حالة مزاجية نشطة، كما بينت هذه التجارب نجاعة استخدام "زيت الياسمين" خارجياً لعلاج "قرحة الفم"، وعلاج مسامير القدم «الجلد المتقرن».*

العطار "أسامة الغبرة"- سوق الحميدية

كما أن لهذه الزهرة اللطيفة فوائد جمة على الجنس اللطيف، فـ"الياسمين" مفيد للنساء خلال فترة الولادة لأنه يريح من الألم ويزيد من تقلصات "الرحم" ويسرع "الولادة" ويعدل "الهرمونات"، ويخفف من "حالات اكتئاب ما بعد الولادة"، ويزيد الرغبة الجنسية، كما وجد أن لعطر "الياسمين" تأثير على خفض مستوى "البرولاكتين" في "فترة النفاس"، كما يدخل في المراهم والكريمات المطرية للجلد.*

الدكتور "وسيم الحكيم" /أستاذ النباتات الطبية في قسم البيئة- كلية الزراعة بدمشق/ تحدث لموقع "eSyria" عن أنواع الياسمين في "سورية" بقوله: «في سورية يوجد ثلاثة أنواع "للياسمين" هي "الياسمين العراتلي والياسمين الأصفر والياسمين البلدي"، إلا أن هذا الأخير هو الأكثر انتشاراً، و"دمشق" معروفة بأنها أم الياسمين في العالم، لذا يكثر الطلب العالمي على ياسمينها ومنتجاته المختلفة.

"الياسمين الأصفر"

ويعود ذلك إلى فوائدها التي لا تتوقف عند فعاليتها في التخفيف من الاكتئاب، بل تتعداها إلى الوقاية من السرطان، خاصة "سرطان العظام والعقد اللمفاوية والثدي"، لكونه يحوي مضاد أكسدة فعالاً جداً، كما يخفض "الكوليسترول" و"الشحوم"، ويساعد على "إنقاص الوزن" ويستخدم في الحميات».

وللوصول لهذا الزيت الثمين، حدثنا الدكتور "الحكيم" عن أفضل طرق استخلاصه بقوله: «أهم ما في هذه الطريقة أنها عملية استخلاص على البارد، فلا يجوز استخدام الحرارة لأنها تؤدي لتطاير "زيت الياسمين"، لذا نأتي بألواح زجاجية مؤطرة ببرواز من الخشب، ويدهن اللوح بطبقة من الدهن ثم توضع عليه الأزهار، فيسحب زيتها، ثم نضيف طبقة جديدة من الياسمين، وهكذا حتى يصل الدهن لدرجة الإشباع، فيكشط لنحصل على كتلة عجينية، نضيف لها الكحول الذي يذيب "زيت الياسمين" فقط عازلاً إياه عن الدهن، ثم نبخر الكحول فنحصل على "الزيت النقي" عالي النوعية، علماً أننا نحتاج لكميات كبيرة من الأزهار للحصول على الغرام الواحد منه، الأمر الذي يجعل سعره مرتفعاً جداً».

الدكتور "وسيم الحكيم" - كلية الزارعة - جامعة دمشق

تتفاوت طرق استخدام الياسمين طبياً، ولعل أكثرها انتشاراً هو "شاي الياسمين"- وهو مستحلب الياسمين في الماء المغلي-و"زيت الياسمين"، إلا أن ثمة عوائق لاستخدام زيت الياسمين تتعلق بأسعاره أو بتقليده، الأمر الذي حدثنا عنه العطار "الغبرة" بقوله: «إن "زيت الياسمين" الأصلي غال جداً، يصل سعر الغرام الواحد منه إلى /3/ آلاف ليرة سورية، أما زيوت الياسمين المنتشرة في الأسواق لتصنيع عطره، والتي تباع على أنها أصلية فهي لا تتجاوز /25/ ليرة سورية للغرام الواحد».

يعتقد السيد "الغبرة" أن كثيرا من المشترين يعجزون عن تمييز "عطر الياسمين" المغشوش من الأصلي- عدا كبار السن-، لأن معظم هؤلاء الراغبين بالحصول على "زيت الياسمين" لم يشموا رائحة العطر الأصلي من قبل، وبالتالي لن يستطيعوا تمييزه، ويضيف بقوله: «إن مصدر "زيت الياسمين" المستخدم في تحضير "عطر الياسمين" يكون صناعياً، وتأتي اسبانيا وسورية في المرتبة الأولى بين الدول الأكثر زراعة للياسمين في العالم، إلا أن الصين هي الأكثر تصديراً له، لكن الزيت الذي تصدره الصين وبهذا السعر الرخيص، هو حتماً عطر رائحته قريبة للياسمين وليس "عطر الياسمين الأصلي"».

"الغبرة" ختم بالقول: «لابد من التنبيه إلى أن ما يسمى "عطر الياسمين الصناعي"، لا يعطي الأثر الطبي الموجود في "زيت الياسمين الأصلي" عند استخدامه، لأن المادة الفعالة الموجودة في الصناعي غير مطابقة للتراكيز المطلوبة والضرورية للعلاج الطبي».

(*): منقول عن الموقع الطبي العالمي www.naturalstandard.com.