شرعت وزارة الإدارة المحلية والبيئة بالتعاون مع المفوضية الأوروبية بفكرة تأسيس مركز امتياز لتبادل تجارب التنمية المحلية بين المدن، عبر برنامج تحديث الإدارة المحلية الذي يعرف باسم "مام"، حيث تم اختيار قصر الأمير "عبد القادر الجزائري" بعد ترميمه كمقر لهذا المركز الذي افتتح بتاريخ 08/07/2008.

موقع eSyria حضر الافتتاح وكان لنا لقاء مع المهندس "عرفان علي" مدير برنامج تحديث الإدارة البلدية، الذي قال: سيتم استخدام هذا القصر لإدارة المشاريع المتعلقة بموضوع التنمية للمدن السورية والأوروبية، وهذا يأتي في إطار توثيق العلاقات القائمة بين المفوضية الأوروبية وسورية.

وأضاف: لقد تم ترميم قصر الأمير "عبد القادر الجزائري" بدعم من برنامج "مام" الذي تبلغ ميزانيته 20,5 مليون يورو، ولقد تم الترميم بالعمل على الحفاظ على الشكل القديم للقصر من دون أي تعديل جوهري يذكر، وحافظ القصر على كل ما فيه من مقتنيات تعود للأمير "عبد القادر الجزائري" وعائلته، من صور وقطع أثاث إلى أحد الفساتين الذي يعود لإحدى حفيدات الأمير.

المهندس عرفان علي

ومن الحضور التقينا الدكتورة "حنان قصاب حسن" الأمينة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، والتي حدثتنا عن سبب اختيار هذا القصر كمركز للتنمية المستدامة، حيث قالت: لقد أثرت دمشق بالأمير "عبد القادر الجزائري" وتأثرت به، للدور الهام الذي لعبه إبان أحداث 1860م عندما حمى إخواننا النصارى في بيته من بعض الاضطرابات الطائفية التي حدثت آنذاك، وإن صداقته مع الشيخ "محي الدين ابن عربي" كانت مهمة جداً ولها بعض الأحداث التاريخية التي تثبتها، إذاً فالأمير "عبد القادر الجزائري" جزء من هذه المدينة، وهذا سبب كافٍ للعمل على ترميم منزله الذي أصبح معلماً مهماً من معالم مدينة دمشق.

وأضافت: تقديراً للأمير "الجزائري" سوف تقوم الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية في شهر تشرين الأول من هذا العام بعقد مؤتمر دولي كبير يتحدث عن مناقب الأمير وحياته النضالية، وسنقيم عدة معارض تشكيلية وفنية في هذا القصر التاريخي الجميل.

صورة للأمير عبد القادر الجزائري

أما الدكتور "عفيف بهنسي" المتخصص بفلسفة الجمال وعلم الآثار فتحدث لنا عن هذا القصر من الناحية التاريخية بقوله: كان هذا القصر هو المقر الصيفي بالنسبة للأمير "عبد القادر الجزائري"، أ‍ما منزله فكان في "زقاق النقيب" بدمشق، وفي المرحلة السابقة كان هذا القصر مسكوناً من قبل الأميرة "بديعة" وأختها الأميرة "هند"، وإبان حرب فلسطين عام 1948 قدمت الأميرة "بديعة" القصر لإقامة اللاجئين الذين خرجوا من ديارهم بسبب الحرب وبعدها تم اهماله وتخريبه لكثرة تعداد اللاجئين فيه، وأضاف: شيد الأمير "عبد القادر الجزائري" هذا القصر سنة 1858، وتزيد مساحته على 400 م2 من الداخل، وكان يضم حدائق وبساتين تحوي شتى أنواع الفواكه.

ومن ثم التقينا مع الأميرة "بديعة الحسني الجزائري" التي تحدثت لنا عن نشأتها في هذا القصر بقولها: ترعرت في هذا القصر منذ أن كان عمري ستة أشهر أنا وشقيقتي الأميرة "هند" ووالدتي الأميرة "شفيقة" بنت الأمير الشهيد "عبد المالك"، وقد ولدت الأميرة "هند" في نفس الغرفة الشرقية التي توفي فيها الأمير "عبد القادر الجزائري" سنة 1883م، وكانت الغرفة المقابلة لخالي الأمير "حسن" قبل زواجه وانتقاله إلى منزل في دمشق، وفي الغرفة الشمالية انجبت خالتي أولادها "سعد" و"عبد المالك" رحمهم الله جميعاً، وتحت أشجار الكستناء في أعلى الدرج الحجري كانت هناك والدتنا قبل غياب الشمس تقف تنتظر عودتنا من مدرسة "دوحة الأدب" وقد حضرت لنا شراب "الاجلجي الأحمر" من الشجيرات التي كانت تنتصب على ضفاف ذلك النهر الذي كانت تتدفق مياهه متسارعة تحدث ألحاناً تؤنسنا في الليالي الموحشة.

الدكتورة حنان قصاب حسن

وبعد فجر الاستقلال وانتصار ثورة المليون ونصف مليون شهيد بأربع سنوات شهدت دمشق نقل رفات هذا المجاهد الكبير إلى تراب وطنه المحرر الجزائر، وودّعته دمشق وداع الابن البطل ملفوفاً بالعلم العربي السوري على عربة مدفع بين فرق الشرف من قوات الجيش العربي السوري، واستقبلته جماهير الجزائر ملوحة بأيديها لابنها البطل الذي عمت امجاده وتضحياته العالم العربي والإسلامي الكبير، فاستقبل رئيس الجمهورية الراحل "هواري بومدين" رحمه الله الجثمان الطاهر من سلم الطائرة مع أركان حكومته حاملين النعش على أكتافهم، وأطلقت المدفعية مئة طلقة تحية له، ووقف الشعب في جميع انحاء البلاد العربية دقيقة صمت احتراماً وتقديراً لذكرى بطل المقاومة ورمز وأد الفتن الطائفية، ورائد جهاد أمة ونبراس علم.