من يتجول في شوارع مدينة الحسكة الرئيسية قد يلاحظ أنه رغم الوضع الطبيعي لمختلف المباني والمحال، إلاّ ان مجموعة من المباني ما تزال مفتوحة بشكل جزئي أو تكاد تكون مفتوحة، أو مغلقة بشكل نهائي، وهذه الأخيرة تشمل دور السينما.

فأول سينما في محافظة "الحسكة" افتتحها "آل بحدي قريو" وإخوته وكانت في "خان بهنو" في منتصف الأربعينيات. وأول فيلم يُعرض كان "عنترة بن شداد". ثم افتتحوا سينما في بيتهم المقابل لكنيسة مار جرجس، وأسموها "سينما فؤاد" على اسم ابنهم الذي هو مهندس الآن وكانت سينما صيفية مكشوفة وفي الفترة الأخيرة أصبحت شتوية أيضاً، وطوروا وجود السينما في الحسكة بافتتاحهم سينما دمشق في بناء يقع إلى الشرق من سفريات شوحا، وإلى الجنوب من مطبعة الحسكة.

يعد الفن السابع من أرقى الفنون العالمية، وتتنافس الشعوب المتقدمة في هذا المضمار الذي يلقى العاملون فيه كل التشجيع والتحفيز عبر الجوائز العالمية التي تقدم للمتميزين

وفي شارع الخابور شمال كنيسة الأرمن الكاثوليك وشمال آل بريخان وعزيز نوري بك وآل منغلو أقام أحد الديريين سينما القاهرة بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958م، واستمرت هذه الدور بعرض الأفلام حتى منتصف السبعينيات عندما بدأ البث التلفزيوني حيث يعزف الناس عن الحفلات السينمائية، وكان لتلك السينمات عروض يومية للأفلام وهناك حفلة أولى وثانية وثالثة. وكانت السينما ذات طابقين الأول يُدعى لوج. وفيه تتواجد العوائل وفي الطابق الأرضي يوجد الشباب والرجال. وفي كل عرض هناك فترة استراحة.

الة عرض الافلام

تدهور حركة السينما، وتلاشي دور العرض السينمائي بدأ في سبعينيات القرن العشرين، واليوم ربما لا يعرف العديد من أبناء الجيل الجديد شيئا عن المرحلة التي كانت فيها هذه الدور تعج بالحركة، إلا من خلال أحاديث الجيل الأكبر سنا. وما ينطبق على الحسكة ينطبق بشكل كبير على معظم المحافظات السورية. وقد اضطر محبو السينما من السوريين إلى استبدال الشاشة الصغيرة بالشاشة الكبيرة، أي مشاهدة الافلام سواء بواسطة أجهزة التلفاز أو عبر الحاسوب.

موقع eHasakeh بحث في تاريخ دور السينما في المحافظة والتقى السيد "يعقوب عبد الجليل منغلو" 1957 م وهو ابن صاحب "سينما القاهرة" آخر دار سينما أقفلت أبوابها في المحافظة حيث قال: «بنى والدي السينما عام 1950م وكانت في البداية سينما صيفية تضم حوالي 200 مقعد، واستمرت في عرض الأفلام في الهواء الطلق لمدة ثلاثة عشر عاماً، وكان لوالدي شريك في السينما من "دير الزور" اسمه "عبد الرزاق عياش"، في عام 1963 م قام والدي وشريكه بهدم السينما الصيفية بعدما ذهبوا وشاهدوا سينما الزهراء في "دمشق"، وقاموا ببناء دار السينما على طرازها، ولكن بسبب الكلفة المرتفعة توقفوا قبل مرحلة السقف، وبقيت السينما الشتوية تعمل بدون سقف لمدة صيفين كاملين وبعدها تم سقف السينما وضمت هذه الصالة حوالي 800 مقعد بين صالة وبلكون».

محمد موسى العلي

يضيف "منغلو": «بدأت السينما بعرض الأفلام الأجنبية والتاريخية والهندية ثم جاءت الأفلام المصرية، وكان الإعلان عن الأفلام وقتها ضرورة ملحة حيث كانت تلصق الإعلانات على الجدران، أما طريقة العرض الثانية فكانت تتم بواسطة عربة عليها سلة حديدية على شكل مثلث، حيث كانت توضع صور الفيلم داخل الصندوق خشية أن يمزقها أحد، وكان يتكفل أحد ما في دفع العربة بعيداً عن السينما وتحديداً في ساحة البلدية، حيث كانت هذه الساحة عقدة مرورية هامة يؤمها أعداد كبيرة من الناس.

كانت السينما تعرض ثلاث مرات يومياً الأولى في الساعة 3.5 عصراً، الثانية في الساعة 6.5 بعد العصر والحفلة الثالثة والأخيرة كان في 9.5 مساءً، كان في الصالة قسم خاص للعائلات حيث كانت العائلات تتوافد على السينما وبدون استثناء، وقد كان الطلاب يدخلون السينما بسعر مخفض».

وعن طريقة العرض يقول "منغلو": «كانت الآلة تعمل بأقلام الفحم والكهرباء حيث كان مُشغل الآلة يقوم بوضع قلمين من الفحم ويقوم بتقريبهم إلى حدً معين، ومن ثم يعطيهم شرارة كهربائية لينتج عن هذه العملية قوس يتم العرض من خلاله، وبعد إنهاء الفيلم كان يقوم عامل آلة العرض بإعادة الفيلم يدوياً إلى البداية، وقبل أن ينصرف المشاهدون كنا نعرض مقاطع من الأفلام اللاحقة كنوع من التحفيز على حضور الحفلات القادمة».

ويختم السيد "يعقوب"بالقول: «عملت السينما بزخم كبير طيلة ثلاثة عقود حيث قامت باستقطاب كل فئات الشعب، وفي نهاية السبعينيات بدأت السينما بالتراجع بعد دخول التلفزيون وفي هذه المرحلة بدأت شمعة دور السينما تخبو عاماً بعد الآخر إلى أن أقفلت عام 1990م».

"محمد موسى العلي" وهو عامل على آلة عرض الأفلام في سينما القاهرة يقول: «كنت أذهب إلى السينما بشكل يومي لأنها كانت تعرض فيلماً جديداً كل يوم، وفي بعض الأيام لم يكن لدي ثمن التذكرة فكنت آخذ عربة الإعلان إلى ساحة البلدية، وأنتظر لمدة ساعتين ثم أعود فيدخلني أصحاب السينما لمشاهدة الفيلم مجاناً، وبعدها عملت كدليل للزبائن كنت آخذ البطاقات من الزبائن ثم أذهب لأدلهم على مقاعدهم، وبعد إنهاء عملي كنت أصعد إلى مكان آلة العرض وأشاهدها كيف تعمل، وبعد أن أجدت العمل عليها وأصبحت عاملاً عليها بشكل رسمي، كانت آلة العرض توضع على مكان مرتفع داخل غرفة في القسم العائلي عندما كانت السينما صيفية، وبعد أن تم ترميم الصالة وتحويلها إلى شتوية وضعت الآلة في مدخل الصالة وذلك قبل أن يتم بناء السقف، وبعد أن تم سقف الصالة وضعت الآلة في الأعلى، ولأن السينما هي المكان الوحيد للترفيه فقد كانت تمتلئ بشكل يومي خصوصاً في الأفلام الهندية والتاريخية، وبقيت في مكانها إلى أن تم إغلاق الصالة عام 1990م بعد انتشار التلفزيون».

السيد "نعمان حنا عازار" 1946م مصور ضوئي ومن مرتادي السينما قديما يقول: «عند دخول السينما استقطبت كل فئات الشعب حيث تحولت لملتقى اجتماعي رفيع، فالسينما هي النافذة التي تعرفنا من خلالها على العالم المحيط، كنا نذهب على شكل مجموعات لحضور الأفلام ورؤية الأنماط التي يعيش بها الغربيون، وقد أثرت السينما بشكل كبير على الشباب انعكس ذلك من خلال اللباس وبعض العادات، كما كان لها تأثير ثقافي واسع من خلال بعض الأفلام الهادفة التي تقدمها في ذلك الوقت».

الدكتور "أحمد الدريس" مدير الثقافة في "الحسكة" يقول: «يعد الفن السابع من أرقى الفنون العالمية، وتتنافس الشعوب المتقدمة في هذا المضمار الذي يلقى العاملون فيه كل التشجيع والتحفيز عبر الجوائز العالمية التي تقدم للمتميزين».

يضيف "الدريس": «لما كانت الفنون مجتمعة تعد مهمشة أو تكاد تكون كذلك في دول العالم الثالث، سواء من حيث الإنتاج أو التسويق وبمعنى آخر فإن تراجع السينما من شأنه أن ينعكس على الإقبال الجماهيري على هذا الفن، بالإضافة إلى عامل أساسي يعد القاتل الأكبر لهذا الفن ألا وهو التلفزيون، حيث أصبح هذا الجهاز سينما صغيرة في المنزل تتيح للمشاهد أن يتابع ما يشاء، أما بخصوص إقفال دور السينما في "الحسكة" هو جزء من واقع عام».

ويختم "الدريس": «ومن هنا يجب القول أن إعادة هذه الثقافة أصبح أمراً ملحاً فلا بد من بديل يؤمن الفن الجاد من خلال افتتاح صالات سينمائية حكومية، وحالياً تقوم المراكز الثقافية من خلال الأندية السينمائية بتقديم بعض العروض لاستقطاب عشاق هذا الفن».