للأفعى السوداء حضور بارز في القصص والمعتقدات الشعبية في منطقة "عفرين" منذ أقدم الأزمنة، فهذا الحيوان ذو الطلة المخيفة والمرعبة يحظى باحترام كبير من الناس.

يقول المعمّر "حسين صاغر" 91 سنة لموقع eAleppo حول حضور "الأفعى السوداء" في القصص الشعبية القديمة: «"الأفعى السوداء" هذا المخلوق الأسطوري المرعب القاتل له وجود شبه دائم في أحاديث الناس اليومية وخاصّة في فصل الصيف حيث يخرج من جحوره، ومعظم هذه الأحاديث تدور حول طوله وقطره وسلوكه مع الإنسان».

"الأفعى السوداء" هذا المخلوق الأسطوري المرعب القاتل له وجود شبه دائم في أحاديث الناس اليومية وخاصّة في فصل الصيف حيث يخرج من جحوره، ومعظم هذه الأحاديث تدور حول طوله وقطره وسلوكه مع الإنسان

الإنسان الريفي في منطقة "عفرين" لديه تصنيفات عامة للأفاعي وذلك بحكم الخبرة التاريخية في التعامل معها فهم يعتبرون الأفعى البنية أو الصفراء مخادعة وقاتلة ومن الضروري التخلص من شرورها وأذاها بقتلها وكثيراً ما يساعد الجيران بعضهم في تطويقها وحصارها وقتلها، أما "الأفعى السوداء" فهي بحكم الموروث الشعبي نوعان: الأول ويتميز بوجود علامة حمراء في عنقها وهي مسالمة وخاصّة بالمزارات الدينية ويجب عدم إلحاق الأذى بها لأنها مسالمة وغير سامة وغير شريرة ولا تلحق الضرر بالإنسان بل بإمكانها أن تعيش بالقرب منه لسنوات، أما النوع الثاني فهو الحيّة التي لا تتوافر لها تلك العلامة الحمراء وهي بالتالي /ضارة/ وتنطبق عليها ما ينطبق على الأفعى البنية والصفراء».

حسين صاغر

ويضيف السيد "صاغر": «هناك حكايات وقصص ورثناها حول الأفعى عموماً من آبائنا وأجدادنا وهي ما زالت متداولة في حياتنا اليومية في الريف ومن هذه الحكايات أنه عندما تتصارع حيتان ذات لون أسود فإنّ السبب في ذلك هو اختلافهما حول ملكية خرزة زرقاء نادرة وغالية جداً وبإمكان الإنسان الحصول عليها إذا استطاع إن يفكهما عن بعضهما وبالتالي سيصبح من أغنى الأغنياء ولكن بسبب السلوك العدواني نتيجة الغضب الكبير المسيطر عليهما خلال العراك الذي يطول لساعات لا يجرؤ أحد من الاقتراب منهما وفي النهاية تنهزم إحدى الحيتين أو تموت فتحصل الثانية على الخرزة وذلك بابتلاعها.

ومن المعتقدات القديمة أنّ رؤية الأفعى السوداء بالقرب من بيت أو في فناء دار لعدة مرات فإن ذلك فأل خير على أصحاب ذلك البيت أما إذا دخلت حية غير مرغوب بها أحد البيوت واختبأت فيه ولم يستطع أصحابه التخلص منها بقتلها فعليهم أن يلجؤوا إلى بعض الشيوخ من أصحاب الكرامات المتخصصين في طرد الأفاعي من المنازل الذين يقومون بوضع قليل من الماء في آنية وقراءة بعض الآيات القرآنية الخاصة بالمناسبة وجلب ذلك الماء الذي يُسمى محلياً /آفسين/ ليتم رشه حول الدار مع ترك مجال أو ممر للحية /ويسمى الباب/ لكي تخرج منه وتغادر المكان».

فاطمة يوسف

أما السيدة "فاطمة يوسف" 73 سنة فتضيف متحدثة حول موروث ريفي طريف وغريب: «من المعروف لدينا في الريف أنّ "الأفعى السوداء" هي مسالمة جداً ولا تلحق الأذى بالناس بل هي /حيوان شهم/ والدليل على ذلك هو أنها إذا ما رأت امرأة وحدها تعمل في حقلها أو تقطف الزعتر البري أو أي عمل آخر في الجبال المجاورة لقريتها فإنها /أي الحيّة السوداء/ تقوم بحراستها وحمايتها وذلك بالوقوف على بعد خمسين متراً تقريباً منها بشكل دائم وعدم الاقتراب أكثر لكي لا تخاف ومن ثم مرافقتها حتى مشارف القرية حينها تكون قد أطمأنت إلى وصولها سالمة لتعود أدراجها.

وهناك تقليد ريفي- طبي آخر وهو قديم ويتمثل في استخدام "الأفعى السوداء" في معالجة مرض كان شائعاً في الريف اسمه /أبو صفار/ الذي كان العلاج الناجع له هو /الرعبة/ حيث كان أهل المريض يأخذونه إلى أحد المزارات أو بيت أحد الشيوخ من أصحاب الكرامات الذي كان يرعبه بشكل مفاجئ إما بضربه بكفه على وجهه بقوة أو يترك حيته السوداء /وبشكل فجائي ودون علم المريض/ تقترب منه وكان ذلك كافياً لمعالجته».

الأفعى السوداء ذات العلامة الحمراء

وأخيراً يقول الأستاذ "مروان بركات" مؤلف كتاب /"عفرين" عبر العصور/ -"دار عبد المنعم ناشرون" 2008 عن قصة الطوفان في الديانة الإيزيدية: «الطوفان في الرواية الإيزيدية كما يأتي على لسان مشايخهم هو أنّ سفينة "نوح" قامت في عين ماء جارية في قرية "عين سفني" شرقي "الموصل" في شمال "العراق" ووصلت "جبل سنجار" حيث موقع "لالش"* المقدّس لدى أبناء الديانة الإيزيدية فاصطدمت بقمة جبل عالية فانحرفت وكادت تغرق لو لم تلف حية سوداء كانت في السفينة على نفسها وتسد الثقب ولم تستقر إلا على "جبل جودي" وأنّ النبي "نوح" حمل معه الصالحين من أبنائه وزوجاته ومن كل نوع من الحيوانات الأليفة وغير الأليفة زوجين، وإلى اليوم إذا رأى الإيزيدي حية سوداء لا يقتلها ويقول الإيزيديون بأنّ في قتلها ذنب».