يستقبل جبل العرب كميات جيدة من الأمطار والثلوج بالمقارنة مع الأراضي المحيطة به في حوران والبادية وحوض "دمشق"، ويقدر متوسطها العام بنحو 350 ملم سنوياً، ما يجعل المنطقة غنية إلى نحو مقبول بمصادر المياه العذبة السطحية والجوفية.

مدونة وطن eSyria التقت الباحث الأثري "وليد أبو رايد" يوم السبت الواقع في 16/3/2013 الذي تحدث عن مصادر المياه وتوضعها، فقال: «تتألف مصادر المياه في الجبل من السيول التي يرتبط جريانها بالأمطار والثلوج الذائبة، وهي مؤقتة ينقطع جريانها بعد انقطاع هطول الأمطار بأمدٍ قصير إلا إذا أسهمت بعض العيون في تغذيتها في فصل الشتاء وبعده بقليل، وتنقل شبكة الأودية (الشعاعية) مياه الجبل إلى "حوران" فوادي "اليرموك" غرباً، وإلى حوض "دمشق" وسهل "بلي" و"بويضان" شمالاً، وإلى "حرّة الزلف" ومنخفض "الرحبة" شرقاً، وإلى منخفض "الأزرق" جنوباً. وكانت الاستفادة من هذه المياه محصورة في العصور القديمة على ما يتخلف من مياه جمعت في برك أو مطوخ في بطون الأودية أو في غدران وقيعان الأغشية البازلتية، وتنتشر البرك والمطوخ في جميع أنحاء المنطقة بينما تنتشر الغدران والقيعان في صبات "اللجاة" وشرقي الجبل وشماله الشرقي».

يبدو أن السكان القدماء لجبل العرب وحوران قد قطعوا شوطاً متقدماً في التحكم بالمياه السطحية والسيول وجرها إلى البرك والخزانات المكشوفة، بدليل الانتشار الواسع للبرك ووجود آثار تدل على قنوات قديمة كقناة "العفريت" في وادي "الشامط" ومنطقة "النمارة"، وقناة وادي "اللوى" والقناة في منطقة "القريا" والتي قامت بعثة سورية- فرنسية في الكشف عنها في عام 2004-2005

وعن الفرق بين البركة والمطخ، أكد "أبو رايد": «"البركة" هي شبه حوض يحفر في الأرض من عمل الإنسان الذي استفاد من حفرة طبيعية قام بتعميقها وتوسيعها لتكون مجمعاً لمياه الأمطار والسيول، والأصل فيها تخزين المياه للشرب ومواجهة مشكلة نقص المياه في فصل الصيف، وهي موجودة في كل قرى ومدن الجبل حيث تتواجد في بعض المناطق أكثر من بركة، أما "المطخ" فهو ما يبقى في الحوض والغدير من الماء، وهو حفرة طبيعية لجمع مياه الأمطار والسيول المخصصة لسقاية الحيوانات، لكنها قد تستعمل لشرب الإنسان في حالات نقص المياه الشديد».

أقنية جر المياه في قرية الغيضة القديمة.

أما عن الينابيع وعيون الماء المتفجرة في الجبل، فيوضح "أبو رايد": «تؤلف العيون والينابيع المصدر الآخر للمياه العذبة منذ سكن الإنسان الجبل وهوامشه، لكنه مصدر لا يعتمد عليه لجفاف معظم الينابيع في فصل الصيف، ولتذبذب غزارتها من سنة إلى أخرى بحسب كميات المياه الهاطلة والمتسربة في الطوابق المغذية للينابيع، ولضعف غزارتها بصورة عامة. ويقدر عدد الأماكن التي تتفجر فيها الينابيع بأكثر من 120 مكاناً بعضها توجد فيه مجموعات من العيون. وتنعدم العيون في "اللجاة" والشمال الشرقي وتقل في المقرن الشرقي والجنوبي، بينما تكثر على السفوح الغربية والشمالية من كتلة الجبل، ومن الينابيع الهامة: نبع عين "بدر" و"عرى" و"الكفر" و"المزرعة" وغيرها الكثير».

وفيما يتعلق بكيفية المحافظة على هذه المياه وجرها وتخزينها، قال: «يبدو أن السكان القدماء لجبل العرب وحوران قد قطعوا شوطاً متقدماً في التحكم بالمياه السطحية والسيول وجرها إلى البرك والخزانات المكشوفة، بدليل الانتشار الواسع للبرك ووجود آثار تدل على قنوات قديمة كقناة "العفريت" في وادي "الشامط" ومنطقة "النمارة"، وقناة وادي "اللوى" والقناة في منطقة "القريا" والتي قامت بعثة سورية- فرنسية في الكشف عنها في عام 2004-2005».

خريطة الأودية في السويداء.

أما عن السدود التي بناها الإنسان في العصر البرونزي، فأوضح "أبو رايد" ذلك بالقول: «نجح الإنسان منذ القديم في جمع مياه الأمطار عبر سدود بناها في مجرى الوادي مثل "الإمباشي"، ومطوخ وآبار "اللبوة" و"المرصرص" و"الدياثة" و"طفحة"، وخزانات "السويداء" و"قنوات" و"شهبا"، وجر المياه من التلال البعيدة إلى هذه الخزانات والمطوخ مثل "شهبا" و"طفحة" عبر أقنية حجرية سايرت تعرجات الأرض الطبيعية وسقّفها بالبلاطات الحجرية لحماية المياه داخلها من التلوّث، كما استغل الفائض من مياه الوديان بتشغيل مطاحن الحبوب في كل من "عتيل"، و"الدياثة"، و"الغيضة". واستمر الاعتماد على مياه السدود في المحافظة حتى اليوم، ولكن دخول استثمارات الآبار الجوفية وفر المياه النظيفة لنسبة كبيرة من السكان سواء مياه الشرب أو مياه الري».

يقول الدكتور "علي أبو عساف" عما تركه الأقدمون من برك وأقنية: «يصعب علينا تأريخ البرك، فمعظمها يفتقر إلى حجر الأساس، وبما أن البرك كانت مقالع فلا بد أن استخدامها كان يحصل بعد حركة العمران في القرية، فهي إذاً بعمر القرية التي تحتضنها. وقد أنشأ "عز الدين أيبك" في العام 1236-1237 ميلادي بركة "العانات"، وأن الحاكم الروماني على سورية "كورنيلوس بالما" قد مد أقنية الري من الينابيع إلى الحقول لريها في كل من "قنوات" و"السويداء" و"رساس" و"العفينة"، وذلك عند مطلع القرن الثاني، ومن أجمل البرك بركة "البجعة" بين قريتي "مفعلة" و"نمرة"، وهي نبطية رومانية، أما الأقنية فسكان الجبل يعرفونها جيداً وقد كانوا وما زالوا يستخدمونها لملء البرك والمطوخ التي نجت من الردم».

بركة قديمة حسنها الإنسان لتجميع المياه.