بدأت إذاعة ميلودي إف إم مشوارها عام 2006، كجزءٍ من سلسلة MELODY HOLDING التلفزيونية والإذاعية، والتي حققت نجاحاً كبيراً في مصر، دفع القائمين عليها للبحث عن سوقٍ آخر، فكان التوجه إلى لبنان والأردن، إضافةً إلى سورية السوق الناشئ إعلاميّاً في تلك الفترة، وعلى ما يقوله وسام تاجو، مدير عام الإذاعة وأحد مُؤسسيها في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن"، قدّمت الشركة رؤيةً فنيّة خاصة، في الاهتمام بصناعة النجوم الشباب، ودعم المواهب الغنائية والترويج لها، وكانت ميلودي السوريّة جزءاً أساسياً من الظهور والتفوّق اللذين تحققا حينها في عوالم الفن والترفيه.

خلال الأزمة

عام 2011، ومع بدء الأزمة في سورية، عاشت ميلودي تغيّراً جذرياً في توجهاتها، وكان لا بد من تحوّل مضمونها من الحالة الفنية إلى السياسية المعنية بالأحداث المتسارعة، وهنا يستعيد تاجو رفضه الاكتفاء بالفرجة والصمت، وشعوره ضرورة تقديم شيءٍ ما أمام التداعيات على الأرض، مع حرصه على عدم المخاطرة بحياة أيٍّ من العاملين. يقول "اجتمعتُ بزملائي وقلتُ لهم سأقوم بواجبي كما أراه، ولا أُجبر أحداً على المشاركة معي، ولا سيما أنه لم يكن لدينا خطة عمل في البداية، لذلك كانت الأمور تجري بشكلٍ اندفاعي، وفي السياق ذاته، واجهتنا إشكالية تتعلق بالكوادر وإمكانية التعاطي مع الظرف المُستجد، فحاولنا الاستعانة بمعارفنا من المختصين والمحللين والخبراء، كما لم يكن لدينا برامج مُحددة إنما بث مفتوح ومتواصل، مدة شهرٍ كامل".

بالتزامن مع سعي الإذاعة لمواكبة يوميات الحرب، كانت خسائرها المالية تزداد على عدة أصعدة، أبرزها دمار محطة إرسال كاملة في حلب، وأخرى في المنطقة الوسطى، وعدد من الأبراج والتجهيزات في مختلف المحافظات، لكن ذلك لم يحل دون تنظيم العمل، وكان تاجو يُتابع بدقة كل ما يُبث على الهواء مباشرة، بموازاة نقاشاتٍ مُستمرة لِما يجب إعطاؤه الأولوية، يُضيف أيضاً "خلال سنوات الأزمة اللاحقة، وضعنا خطة عمل ارتكزت على برنامج صباحي مُنوّع، وآخر سياسي (إيد بإيد نحمي سورية)، يُلاحق الحدث اليومي على الأرض، وشيئاً فشيئاً أدخلنا البرنامج الخدمي (مين المسؤول)، مع الإشارة إلى توقف التعاون مع شركة ميلودي الكبرى عام 2012".

وسام تاجو مدير عام إذاعة ميلودي

عودة إلى الفن

الإعلامي هاني هاشم مع محمد حلاق والإعلامي هاني الأخدب مع بسام عطري

مُنتصف عام 2023 حاولت ميلودي العودة إلى خطها الفني الأول، لكن الظروف المُحيطة لم تكن مناسبة، وعلى حد تعبير المدير العام "لا بد من تعافي الشارع"، يقول للمدوّنة "نتيجة الخبرة التي اكتسبناها، أثق أن ما سنقدمه اليوم وغداً أكثر جودة مما قدمناه سابقاً، لكن نتحسس الوقت المناسب للانطلاقة القادمة، فالأوضاع في غزة وجنوب لبنان وحتى في سورية، لا تسمح لنا بتقديم ما نسعى إليه، ومع ذلك، نُؤمن أن القادم سيكون أفضل".

ومن البرامج التي تبثها ميلودي (المحلل) إعداد وحوار إياد إبراهيم، يتناول القضايا والأحداث السياسية في سورية والعالم، (ملف اليوم) إعداد وتقديم ناجي شوفان، يُناقش شؤوناً محلية و(اسأل طبيب) إعداد وتقديم إياد حلواني، يحكي عن الصحة ويستضيف أطباء اختصاصيين و(مين المسؤول) إعداد علي سليمان وتقديم هاني هاشم و(ميلودي شو) إعداد وتقديم هبة نفنوف هو اجتماعي وترفيهي.

هبه نفنوف مقدمة برنامح ميلودي شو

إشكالية الكوادر

في الحديث عن العودة أيضاً، واجهت الإذاعة مُجدداً إشكالية الكوادر، وبالتحديد غياب الشغف ومحدودية الثقافة، وهذا لا يعني كما يقول تاجو عدم وجود من يعمل بقدر ما يدل على واقع ملموس، فمن الغريب أن عدداً من خريجي كلية الإعلام لا يعرفون مثلاً بعض المحطات البارزة في التاريخ الحديث، وهو ما ينسحب على أسلوب الحوار والتواصل، مُضيفاً "نبحث عن الشغوفين والمتحمسين للعمل الإعلامي، ونحاول تأطير الحماس بطريقة صحيحة، تُحقق فائدة مشتركة للإعلامي والإذاعة، وما أراه أن الشخص الناجح بعمله يظهر بلا تكلّف، ويُمكن اكتشافه ومُلاحظته سريعاً، ولهذا دربنا عدداً من الخريجين والراغبين واخترنا بعضهم للعمل معنا".

إعادة تقييم

يترك تاجو للمُستمعين تقييم حضور ميلودي، مع تأكيده السعي لتقديم الأفضل في مُختلف الظروف، وإدراكه أن الإذاعات السورية اليوم تُقدّم مَشهداً غنياً في كل المجالات، بمعنى أنه يُمكن للمستمع مُتابعة ما يرغب ببساطة، ما يجعل إطلاق الأحكام صعباً ناهيك عن عدم وجود معايير واضحة للقياس أصلاً، ويرى أيضاً أن عمل الإذاعات اختلف مع ظهور السوشال ميديا، وهو ما تفاعلت معه ميلودي واستجابت لمتطلباته بحرفية، كانت سبباً في تعرّض صفحتها في فيسبوك "للتهكير" عدة مرات، وفي المحصلة، الحالة الإعلامية في سورية تحتاج حسبما يقول إعادة تقييم كامل، بدءاً من استسهال إطلاق كلمة إعلامي هكذا، وصولاً إلى تدريب الصحفيين من قبل أسماء غير مُؤهلة.

ميزة الراديو

مدير البث والمسؤول عن القسم التقني في إذاعة ميلودي هادي الأحدب، استعاد في حديثه مع المدوّنة خطواته الأولى في التأليف الموسيقي والإخراج الإذاعي، واشتغاله على أدواته وتطوير نفسه، ما مكّنه مع الزمن من القيام بعدة مهام في الإذاعة، من بينها إعداده وتقديمه البرنامج الصباحي اليومي (Wake up) منذ عام ونصف، يقول "ميزة العمل في الراديو تأتي من الحالة التفاعلية التي يقوم عليها، في السماح للمتلقي بإعمال الخيال لتكملة الصورة التي تُقدّم من خلال الصوت، وإتاحة التواصل مع المستمع عبر تلقي الاتصالات، إلى جانب ما وفرته لي ميلودي كإذاعة مُنوّعة، بحيث عرّفتني على شخصيات تعمل في مجالات متعددة كالأطباء ورجال الدين والمحامين والرياضيين وغيرهم، ما أضاف إلى شخصيتي وثقافتي، ومكنني من الحديث في أي موضوع".

البرنامج الصباحي

أما عن تجربته في البرنامج الصباحي، ومُحاولاته تقديم نموذجٍ جذّاب ولافت، فهو ينطلق حكماً من الهوية الخاصة لميلودي، والصبغة العصرية الشبابية المعروفة عنها، لتحقيق المعادلة الصعبة والسهلة كما يصفها، في الإمتاع والتسلية والنقاش، ولا سيما في الفترة الصباحية التي يتنوّع جمهور المستمعين خلالها "ربّات البيوت، السائقون، الطلاب، الموظفون"، ما يفترض شعوراً بالمسؤولية والانتباه للطروحات المُقدّمة على الهواء، يُضيف "الناس يستمعون إلى الإذاعة لأنهم يُحبون حالة التواصل والتفاعل، وإدراكهم بأنهم قادرون على التعبير عما يُريدون، وفي النتيجة أياً كانت المواضيع المطروحة للنقاش، يجب أن يكون التقديم مدروساً ليُراعي تباين السويات والشرائح، بعيداً عن الخطاب النخبوي والتنظير والفذلكة، وأتمنى أن يكون لـ Wake up حضور مُحبب ولطيف عند الجمهور، وهو من إخراج علي محفوض وتنسيق نورا دياب".

صلة وصل

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد حلاق، كان ضيفاً أكثر من مرة في برنامج (مين المسؤول) على أثير ميلودي، تحدث للمدوّنة عن الدور الذي تلعبه الإذاعات عامةً كصلة وصل بين الجمهور والمؤسسات الرسمية، عبر البرامج التي تُعنى بالشأن الاقتصادي ومعيشة الناس، لكنها رغم ذلك، لا تجد برأيه متابعة تتناسب مع أهمية المواضيع المُقدّمة، من قبل الجهات المعنية أولاً، ومن قبل الجمهور ثانياً، لأسبابٍ عديدة، لكن لا يمكن إنكار القيمة والجهد المبذولين من الكوادر الإعلامية.

قيمة الحضور

وبيّن حلاق أيضاً أنّ القائمين على برنامج ( مين المسؤول) تجاوزوا المطب الذي تقع به برامج اقتصادية عديدة، يظن العاملون فيها أن استضافة ثلاثة مُشاركين في الاستديو ورابع على الهاتف مدة ثلاث ساعات مع ريبورتاج، يُغني طروحاتهم، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، تحديداً حين يتحدث كل هؤلاء من الزاوية نفسها، ويدافعون عن وجهة نظر واحدة، في حين يسمح له الظهور عبر ميلودي التي تُحاوره لمدة ساعة ونصف بالمشاركة مع ضيف آخر على الهاتف، بعرض ما لديه من مُعطيات ربما يجهلها المستمعون، تالياً شرح فكرته والحديث بأريحية، بحيث يكون هناك معنى وقيمة لحضوره، استناداً إلى المحاور والنقاط الموضوعة من قبل المُعد، وإن كان المتلقي هو المعني بتقييم ما يستمع إليه كما يقول.