أكلة يومية ومؤونة شتوية أساسها ثمار التين، تعتبر من الحلويات التي تمنح مزارعي قرية "تلة" طاقة العمل، قدمتها النساء كطقس تراثي ضيافة للمحبين والزوار، بعد أن أدركن طريقة صناعتها التقليدية الشعبية.

تعرف باسم "هبول التين" في قرية "تلة"، فهي صناعة شعبية ماتزال تمارس كطقس تراثي في كل منزل من منازلها لتوافر موادها الأولية بكثرة، هذا ما أكده المختار السابق للقرية الجد "محمد علي حسن" لمدونة وطن eSyria التي التقته بتاريخ 28/3/2013 قائلاً: «منذ القدم ونحن نعتمد صناعة "هبول التين" كطقس تراثي شعبي متوارث من الآباء والأجداد الذين امتهنوا هذه الصناعة في كل منزل من منازل القرية كحلوى يختزنونها من فصل الصيف إلى فصل الشتاء، ناهيك عن استهلاكها وفق طريقة صناعتها الخاصة لفصل الصيف، فالهبول المستهلك في فصل الصيف يختلف بطريقة صناعته عن الهبول المجهز لفصل الشتاء.

نحن لا نعرف "هبول التين" إلا باسم حلوى المنزل التي لا يجب أن تنقطع عنه أبداً، بل كانت تصنع منه مؤونة الشتاء الخاصة بالتخزين إضافة إلى حاجة الاستهلاك الصيفي الآني، حيث إن لكلٌ منهما طريقته في الصناعة. وقد كانت هذه الحلوى تقدم في ضيافة كل منزل للمقربين والأصدقاء من خارج القرية للتمتع بها وتذوق نكهتها اللذيذة المميزة بالنسبة لنا عن بقية أنواع الحلويات الأخرى كالمربيات المصنعة منزلياً أيضاً

فنحن قرية عرفت واشتهرت عن بقية القرى المجاورة والمحيطة بها بتوافر أشجار التين المتنوعة والمختلفة الأصناف بسبب مناخنا البارد نسبة لموقع قريتنا الجغرافي المرتفع والمكشوف على تلة مرتفعة، ما منحها مناخاً مناسباً لتنوع أصناف أشجار التين».

فرز التين

يتابع: «عمري حوالي ثمانين عاماً والحمد لله ماتزال قواي على العمل جيدة، فمنذ أدركت هذه الدنيا ووالدتي تقوم بصناعة "هبول التين" لتطعمنا إياه، وتابعت على هذا المنوال حتى يومي هذا، ففي كل صباح أتناول "هبول تين" وأقصد حقلي للعمل به فأبقى ساعات طويلة في العمل دون أن أشعر بالتعب أو الجوع وهذا بفضل هذه الوجبة الغنية بالفيتامينات والمعادن والسكريات، وأحياناً كنت أقصد حقلي دون أن أتناوله في المنزل وأضعه بين حوائجي الخاصة بالعمل، وأبدأ العمل في تجهيز حقلي وفق العمل المطلوب في حينها، فلا أستطيع الصمود كثيراً أمام الجوع والتعب ما يدفعني لتناوله خلال فترة الراحة فألاحظ الفرق بعد حوالي نصف ساعة حيث يعود لي نشاطي وحيوتي وقدرتي على العمل الشاق».

السيد "سهيل محمد حسن" من أبناء قرية "تلة" تحدث عن هذه الأكلة التراثية بالقول: «نحن لا نعرف "هبول التين" إلا باسم حلوى المنزل التي لا يجب أن تنقطع عنه أبداً، بل كانت تصنع منه مؤونة الشتاء الخاصة بالتخزين إضافة إلى حاجة الاستهلاك الصيفي الآني، حيث إن لكلٌ منهما طريقته في الصناعة.

التين بعد سطحه "تشميسه"

وقد كانت هذه الحلوى تقدم في ضيافة كل منزل للمقربين والأصدقاء من خارج القرية للتمتع بها وتذوق نكهتها اللذيذة المميزة بالنسبة لنا عن بقية أنواع الحلويات الأخرى كالمربيات المصنعة منزلياً أيضاً».

يضيف: «كثيرة هي القصص والحكايات التي تسردها لنا الأمهات والجدات عن أهمية "هبول التين" في الطقوس والعادات التراثية المرتبطة بزواج الفتاة أو ما يعرف بالعرس الشعبي، موضحين أن العروس في السنوات السابقة والقديمة بعض الشيء كانت تخرج من منزل أسرتها ومعها صندوق خشبي خاص بها يسمى صندوق العروس، وكان الأهل يملؤونه "بهبول التين" ليكون وازناً بين يدي حمالته من أهل العريس فيدركون قيمة العروس عند أهلها، إضافة إلى أن العروس تكون قد أمنت مؤونة الشتاء من هذه الحلوى، وضمنت ضيافة المهنئين لها بالزواج بعد سكنها في منزل زوجها».

الجدة "أميرة حسن"

وفي لقاء مع الجدة "أميرة محمود حسن" تحدثت عن طريقة صناعة "هبول التين" قائلة: «بشكل عام ثمار التين متوافرة لدينا بكثرة بأنواعها المختلفة "كالتين الغرزي" و"الرملي" و"الأحمر" و"السماقي" و"البورطاطي" و"الشبلاوي" و"الشتوي"، وجميعها تصلح لصناعة "هبول التين"، فبعد أن تنضج هذه الثمار في شهري تموز وآب تنتقى الثمار الجيدة من على الشجرة مباشرة وتحضر إلى المنزل ليتم فرشها على ما يشبه الحصيرة القصبية المصنوعة من أعواد نباتات قصبية رفيعة جداً تشبه سوق سنابل القمح والشوفان، وتترك حوالي العشرين يوماً على سطح المنزل معرضة لأشعة الشمس حتى تجف تماماً من المياه الموجودة فيها، فتجمع وتوضع في وعاء معدني مثقب يسمى "الغربولة" فوق وعاء معدني آخر يحتوي على ماء وضع على النار.

وتترك ثمار التين المجففة حتى تطهى بشكل جيد على البخار المتصاعد من الوعاء نتيجة الغليان، وهنا يمكن التأكد من طهوها جيداً بواسطة اللمس حيث تكون طرية جداً وقابلة للعجن مع بعضها بعضاً.

وبعد ذلك يتم فرز الكمية إلى قسمين، قسم منها يوضع مباشرة بعد إضافة السكر له بحسب الرغبة في أوعية معدنية خاصة بالحفظ لزوم أن تكون مؤونة الشتاء، والقسم الآخر يعجن مباشرة مع بعضه بعضاً ويقطع إلى قطع بحجم قبضة اليد ويغمس جيداً بالفريفور وهو عبارة عن حبات قمح تم جرشها بشكل ناعم لهذا الخصوص، ليكون بعد ذلك "هبول التين" قد أصبح جاهزاً للتناول فوراً».