آخر وأبرز شاعر كلاسيكي في العصر الحديث باعتراف الكثيرين، اشتهر بلقبه "بدوي الجبل" حتى كاد يطغى على اسمه الحقيقي، إنه "محمد سليمان الأحمد" شاعر العربية كما لقب أيضاً لأكثر من ربع قرن.

ولد في قرية "ديفة" في اللاذقية عام 1904 وترعرع في قرية «السلاّطة» القريبة من القرداحة.

كان البدوي في بداياته الشعرية، يرسل نتاجاته إلى صحيفة "ألف باء" الدمشقية ولم يكن مشهوراً، وحدث أن هزّ العالم آنذاك موت المناضل الإيرلندي "ماك سويني" محافظ مدينة "كورك" الذي قضى نحبه مضرباً عن الطعام لمدة أربعة وسبعين يوماً احتجاجاً على وجود الإنكليز في بلاده، وقد تأثر الشاعر بهذا الموقف، فكتب قصيدة «ماك سويني

مدونة وطن eSyria بتاريخ 27 /4/2013 التقت الباحث والدكتور "محمد ابراهيم" من قسم اللغة العربية بجامعة تشرين فتحدث عن طفولة البدوي وقال: « كان بيت الشاعر مدرسته الأولى التي تعلم فيها أصول الدين والأدب، فقد عاش الصبي مع إخوته محاطين برعاية والده العلامة الشيخ (سليمان الأحمد) مبتدئين بحفظ القرآن الكريم، يتلقون عليه علوم اللغة والدين، وأظهر الصبي ذكاءً خارقاً في الحفظ، ومقدرة فائقة على استيعاب ما يقرأه فحفظ دواوين فحول الشعراء، وقرأ ما وقع في يديه من كتب التاريخ والأدب والرسائل ».

غلاف ديوان بدوي الجبل

ويضيف الدكتور "ابراهيم" فيقول : « درس الابتدائية في الجبل، والإعدادية في اللاذقية، وعندما احتل الفرنسيون اللاذقية كان محافظها

(متصرفها) آنذاك الرجل العربي الكبير "رشيد طليع" فتوثقت بينه وبين الشيخ "سليمان" صداقة مميزة، فحث الرجل أباه على تعليمه، وكذلك كان موقف زوجة أبيه فبعث الشيخ ابنه إلى دمشق حيث أكمل دراسته في مدرسة عنبر، ويُقَال إنه بدأ ينظم الشعرهناك ».

مع الجزاهري

ويذكر الدكتور "شاهر إمرير" قصة نظم الشعر لدى البدوي فيقول: « بدأ البدوي ينظم الشعر مبكراً، فكان يقدم كل يوم لوالده قصيدة، فينظر فيها الوالد، ويصلّحها، ويقوِّم من اعوجاجها فلم تمض فترة طويلة حتى استقام الوزن، وأسلست اللغة، واستجابت الألفاظ والقوافي، فإذا البدوي، وهو الشاب الصغير شاعر، عند هذا ابتسم الوالد ابتسامة الرضى والاعتزاز وأمسك بالقصيدة الأخيرة للشاب، فربّت على كتفه وقال له والدموع تخنقه من الفرح: "الآن أصبحت يا محمد شاعراً، فاذهب، وتغنّ بهذا الشعر، فسوف تكون شاعر البلاد العربية في مستقبل الأيام بإذن الله" ».

وعن قصة لقبه الشهير يقول الباحث المرحوم "أكرم زعيتر" في كتابه " بدوي الجبل و إخاء أربعين سنة" : «كان البدوي في بداياته الشعرية، يرسل نتاجاته إلى صحيفة "ألف باء" الدمشقية ولم يكن مشهوراً، وحدث أن هزّ العالم آنذاك موت المناضل الإيرلندي "ماك سويني" محافظ مدينة "كورك" الذي قضى نحبه مضرباً عن الطعام لمدة أربعة وسبعين يوماً احتجاجاً على وجود الإنكليز في بلاده، وقد تأثر الشاعر بهذا الموقف، فكتب قصيدة «ماك سويني» وأرسلها للصحيفة المذكورة.

الشاعر مع مجموعة من الأدباء بينهم مي زيادة

وقد تملكت الغرابة الشاعر عندما شاهد القصيدة منشورة ومذيّلَة بتوقيع «بدوي الجبل» فذهب إلى صاحبها معاتباً، إلا أن الأستاذ "يوسف العيسى" صاحب الجريدة الذي أطلق اللقب عليه قال له: "إن الناس يقرؤون للشعراء المعروفين، ولست منهم، وهذا التوقيع المستعار يحملهم على أن يقرؤوا الشعر للشعر، وأن يتساءلوا من ذا يكون هذا الشاعر المجيد؟ وأنت في ديباجتك بداوة، وأنت تلبس العباءة، وتعتمر العقال المقصب، وأنت ابن جبل، إذاً فأنت بدوي الجبل"».

ويضيف الدكتور "ابراهيم" قائلاً:« عاش بدوي الجبل حياة السياسة مدافعاً عن استقلال وطنه عن الاحتلال الفرنسي فسجن في "أرواد" لعامين ذاق خلالهما التعذيب، وهرب إلى العراق، وعندما عاد سجن في "قلعة كسب"، وأثناء اعتقاله هذا تُوُفِّيَ والده عام 1942، وقد كانت قصيدته الأولى بعد إطلاق سراحه في ذكرى الزعيم التاريخي ابراهيم هنانو، وهي قصيدة "آلام" .

كما انتخب عضواً في البرلمان السوري لعدة مرات ، وأقام في بيروت لمدة ناهزت الخمس سنوات، كان يشارك أثناءها في ندوة الخميس التي تنظمها مجلة «شعر»، ويروي د. شاهر إمرير أن البدوي عاد إلى سورية أواخر عهد الانفصال ، وخرج بعد ذلك متنقلاً بين العديد من المدن الأوروبية، حتى استقر في جنيف ».

ويذكر الروائي "نبيل سليمان" أنه "خلال إقامة البدوي في "فيينا" كتب قصيدته «البلبل الغريب» التي أثارت "شفيق جبري" الملقب بشاعر الشام، فكتب قصيدة «بلابل الدوح» فحياها البدوي بقصيدة «حنين الغريب»، وكانت جنيف قد صارت مقامه، وسمى نفسه فيها "بالأشعث الجوّاب" واتخذه عنواناً لقصيدة من قصائده الصوفية".

صدر ديوانه الأول سنة 1925 وأطلق عليه اسم "البواكير"، وأهدى الديوان إلى: " الشهيد الراقد في ميسلون، إلى تلك الروح الكبيرة التي تمردت على العبودية وعلى الحياة". وكان هذا الإهداء سبباً كافياً لمصادرة الديوان ولم يسلم منه إلا نسخ قليلة، وبعد ذلك صدرت الأعمال الكاملة في بيروت بإشراف مباشر من رفيق عمره الباحث "أكرم زعيتر " عام 1979.

لا يمكن اعتبار بدوي الجبل شاعراً حداثوياً وفقاً لمعايير الحداثة المتعارف عليها اليوم، فهو شاعر كلاسيكي بامتياز، من حيث التزامه بعناصر الشعر العربي العمودي لغة ومحسناتٍ وبديعاً وأوزاناً وقوافيَ وروياً، يؤكد الدكتور "وفيق سليطين" من كلية الآداب جامعة تشرين: "لقد تبوأ بدوي الجبل مكانته في الشعر العربي، وحظي بحب وإعجاب النقاد والأدباء، وكان له جمهوره الكبير من محبي الشعر العربي الكلاسيكي ومتذوقيه، فأخذ مكانته بين عمالقة شعراء عصره، الذين لم يخفوا إعجابهم العميق بهذا الشاعر الكبير ومنهم شاعر سورية الكبير "عمر أبي ريشة "».

توقف قلب الشاعر الكبير بدوي الجبل ظهر يوم الثلاثاء في 18/8/1981 عن عمر يناهز الـ 78 سنة.