منذ تأسيسها عام 1961 وحتى اليوم، تواصل جمعية رعاية الصم في "دمشق" تقديم خدماتها في المقر ذاته في منطقة "ساروجة"، وِفق المنهج الذي وضعه مُؤسسوها الأوائل، حيث لم يكن للصم قبل ذلك أي جمعية أو جهة تجمعهم، لهذا كانت الغاية أن تكون الجمعية بيتاً بمعنى الكلمة لأعضائها، يقف على شؤونهم الخاصة ومن ثم كانت قاعدةً لتأسيس اتحاد جمعيات الصم في "سورية" عام 1964.

أنشطة ومشاركات

تستقبل الجمعية الصم ذكوراً وإناثاً من عمر 14 سنة، وتضم 2500 عضو، تُقدّم لهم الرعاية مجاناً في مجالاتٍ مختلفة، مقابل تسديد أجور اشتراك رمزية سنوياً، حسبما يشرح "هيثم دادو" أمين سر الجمعية ومذيع لغة الإشارة في التلفزيون السوري، والذي يقول في حديثه لـ"مدوّنة وطن": "نشاطات الجمعية منوّعة لكن للأسف جزء منها توقف بسبب الأزمة، إلى جانب ضعف الإمكانيات المادية كوّننا نعتمد على التبرعات في شهر رمضان وما يتبرع به أهل الخير عموماً، هذا فرض علينا إيقاف المزيد أيضاً".

يُضيف "دادو": "في المجال الرياضي مثلاً نحن جزء من بطولات كرة القدم التي تقوم بها جمعيات رعاية الصم في المحافظات، بإشراف الاتحاد العربي السوري للرياضات الخاصة، والذي يُنظّم أيضاً رياضات كرة الطاولة والشطرنج والسباحة، ولكبار السن من الصم تهتم الجمعية برياضات طاولة الزهر ولعبة الدومينو، ونحرص على تتويج الفائزين مع تقديم هدايا وجوائز، كما تقدم الجمعية خدماتٍ طبية مجانية عبر مجموعة أطباء متطوعين يقومون بالكشف والمعاينة، ونحاول المساعدة في تأمين سعر الدواء".

في المجال الفني يستعيد مشاركة الفرقة المسرحية الفلكلورية التابعة للجمعية في مهرجان باليرمو في"إيطاليا" عام 1982 برعاية الاتحاد العالمي للصم، ومع أنها كانت المشاركة الأولى لـ"سورية" في هذا المجال إلا أن الفرقة حازت المركز الثالث، كذلك يُحيي الأعضاء سنوياً ذكرى التأسيس بعروضٍ مسرحية في مسرحي الحمراء والقباني، إلى جانب الاحتفال بـ "أسبوع الأصم العربي، يوم المعاق العربي، يوم المعوق العالمي"، عبر مجموعة فعاليات منها معرض للأعمال اليدوية ومسابقات رياضية، كذلك تُنظّم الجمعية رحلاتٍ إلى المعالم السورية الشهيرة لأن الأصم على حد تعبير "دادو" ابن البلد ويجب أن يتعرف على مناطقها الجميلة، ومن النشاطات اللافتة اصطحاب أربعين شاباً وفتاة من الأعضاء لأداء مناسك العمرة في "السعودية" عام 2006 ، وفي سنوات سابقة أسست الجمعية روضة للأطفال الصم في منطقة "مساكن برزة"، لكن بسبب ظروف مادية سيئة سلمتها إلى جمعية أخرى.

أما اجتماعياً فالجمعية مرجعية لحل أي مشكلة تقع بين الأصم ومحيطه القريب، يقول "دادو": "حتى الآن لا تزال درجة الوعي في المجتمع متدنية بما يخص ذوي الاحتياجات الخاصة، والدليل ردة فعل كثير من الأسر عند اكتشاف الصمم في ابنهم أو ابنتهم، يرفضون تقبل الأمر ويعدونه كارثة أو عقاباً إلهياً، يرفضون تعلم لغة الإشارة، وفي المحصلة كل هذا ينعكس على الأصم، فقدان التواصل جريمة بحقه، كذلك التعامل الخاطئ بالتعنيف والتدليل المفرط، وفي كل الأحوال نحن وساطة خير ومصدر ثقة للأصم ولعائلته، لذلك يلجؤون إلى المختصين عندنا، ونحن جاهزون دائماً".

هيثم دادو

فرصة عمل

المعاناة الأكبر للصم كما يصفها "دادو" تتمثّل في صعوبة الحصول على فرصة عمل، ففي القطاع الحكومي يصعب العثور على شاغر، وإن أصبحت الفرص أفضل إلى حدٍّ ما بعد تعديل قانون العمل الذي سمح بتشغيل نسبة مُحددة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي القطاع الخاص لا تقدير لإمكانيات الصم وقدراتهم".

ويُضيف: "الصم أفضل من يُتقن المهن التي تتطلب مهارات يدوية، والسبب هي الإعاقة نفسها، الأصم قادرٌ على التركيز بدرجةٍ كبيرة ولوقتٍ طويل، لكن هذا لا يعني شيئاً إذا ما بحثنا عن عمل لهذه الشريحة، فالأصم عندما يتقن مهنة فهو لا يمتلك رأس المال ليكون عنده عمله الخاص، وفي حال قَبِل أصحاب العمل توظيفه أو تشغيله، فهم يعدون ذلك شفقة وحسنة لا أكثر، وهناك من يستغل مهاراته مقابل أجرٍ مهين، والجمعية تسعى لتكون وسيطاً في سبيل تأمين مصدر رزق للصم، لكن نسبة البطالة بينهم كبيرة جداً".

الترويج الصحيح

يرفض القائمون على الجمعية، أساليب الدعاية والضجة الإعلامية واستجداء الاهتمام التي تتبعها بعض الجمعيات على حساب العمل على أرض الواقع، فالترويج الصحيح برأيهم يكون بتحقيق الغايات التي أُنشئت أصلاً من أجلها.

يشرح "دادو" بالقول: "أبوابنا مفتوحة لكل من يمد يد العون للصم، لكن المساعدة ليست في عمل فعاليات واستقطاب الإعلام، المساعدة الحقيقية نقل الأصم من مُستهلك إلى مُنتج، وهذا لا يعني إقامة الدورات أبداً، العشرات عندنا اتبعوا دورات تصوير وحلاقة ونجارة وكمبيوتر وما إلى ذلك، لكن لم يجدوا من يقبل بتشغيلهم، وهم كما أسلفنا غير قادرين على إعالة أنفسهم، وشراء كاميرا أو ماكينة خياطة أو عدة حلاقة، يجب البحث جدياً في النتائج لتحسين وضع الصم بدل التضييق عليهم".

مع الصم

انضمت "رشا خازم" إلى الجمعية أسوةً بعائلتها الصماء، وهي ترى فيها بيتاً تلتقي فيه مع من يتكلمون بطريقتها، وعندما لا تتمكن من الزيارة تستخدم مكالمات الفيديو للتواصل مع صديقاتها، والجميل أن "خازم" بعد حصولها على الشهادة الثانوية، أسست فريق "Creadeaf، التطوعي والمكوّن من مجموعة شباب صم، يهتم بتأهيل ودعم الصم في مجالات مختلفة، وبالتعاون مع الجمعية أقام دورات لتعليم لغة الإشارة ونادٍ صيفي ترفيهي، كما تواصل مع الفريق الطبي السوري لمتابعة الصم صحياً.

أما "راما" فالتحقت بالجمعية عندما كان عمرها عشرين عاماً، بعد أن سمعت بها عن طريق أقاربها، وهي الوحيدة الصماء في عائلتها، تقول: "عندما دخلت الجمعية أول مرة رأيت عدداً كبيراً من الناس يؤشرون بأيديهم، ولأن لغتي الإشارية ضعيفة، أدركت ضرورة التعلّم، وهكذا بدأت أتردد أسبوعياً إلى "ساروجة"، والتحقت بالدورات اللازمة حتى أصبحت قادرة على التواصل مع من يشبهونني"، حسبما نقلت للمدوّنة مترجمة لغة الإشارة "فرح التل" .