القدود: (منظومات غنائية أنُشئت على أعاريض وألحان أي على قدود ومنظومات غنائية أخرى دينية أو مدنية، بمعنى أنها بُنيت على (قد) أي على قدر أغنية شعبية شائعة فهي تستفيد من شيوعها وسيرورتها لتحقق حضورها).
ومن هنا جاء اسم القد، وإن كان هناك رأي آخر يُرجع التسمية إلى تماثل القدود مع قد المرأة في الرشاقة والحركة والجمال، والقد: (هو موشح خفيف من الدرجة الثانية، أخف وزناً وأسرع إيقاعاً من الموشح. أما الشكل الفني له فهو كالموشح مؤلف من (بُدينة) وخانة وغطاء إن كان تاماً).
ويمكن تمييز نوعين من القدود النوع الأول هو القد العادي الشعبي وهذا النوع من القدود: (هو منظومات غنائية قديمة متوارثة عن الأجداد، القسم الأعظم منها لا يُعرف كاتبه أو ملحنه وأمثلته عديدة منها الأغاني التالية (عموري) (ياحنينة) (برهو) (ربيتك زغيرون) (ياميمتي) (يا طيرة طيري يا حمامة) لأبي خليل القباني ( سيبوني يا ناس) لسيد درويش (الفل والياسمين) من ألحان "صبري الجريدي" و(نويت أسيبك) للملحن الكبير "كميل شمبير").
والنوع الثاني هوالقد الموشح: (وعادة ما يكون مبنياً على نظام الموشح من حيث الشكل الفني، وما يميز القد الموشح عن الموشح هو الصياغة اللحنية التي تأخذ في الأول طابع القدود وفي الثاني طابع الموشح وفي كليهما تظهر النكهة المحلية التي ترتكز على الخصوصية في تناول النغمة).
هذه القدود التي ارتبطت جزافاً بـ "حلب" ما هي إلا قدود حمصية يعود الفضل في توليدها وإبداعها إلى الشيخ "أمين الجندي الحمصي" وإلى جيل من الموسيقيين الكبار الذين عرفتهم مدينة "حمص" كـ "أبي الخير الجندي" و"العلامة عبد الهادي الوفائي" و"الفنان محمد خالد الشلبي".
حول ظروف ارتباط القدود بـ "حلب" وعدم نسبتها إلى "حمص" التقينا الفنان "عيسى فياض" مدير فرقة إحياء التراث التي تأسست عام /1979/ وقدمت خلال رحلتها الفنية العشرات من القدود المنسية والأعمال الفنية الأصيلة.
أشعر أهل الغرام!
** أقدم وثيقة تاريخية لنشأة فن القدود هي ديوان الشاعر "أمين الجندي" (1766/1841) م (1180/ 1257) هـ الذي قال عنه المؤرخ "جرجي زيدان" الشيخ "أمين الجندي" هو:(شاعر القرن الثامن عشر بلا منازع) وقال عنه أستاذه العلامة "عمر اليافي" (اذهب فأنت أشعر أهل الغرام). ويتضمن ديوان "الجندي" الذي طُبع في مطبعة المعارف بـ "بيروت" عام /1321 /هـ مجموعة من "الأبواب في القصائد – التخاميس والتشاطير – القدود والأناشيد" – كما تضمن باب القدود عدداً كبيراً منها مفصلة وفق مصادرها الأساسية وأنغامها وإيقاعاتها مثال ذلك (هيمتني تيمتني) التي أصلها (جوجحتني مرجحتني) وهي من نغم الرهاوي و(يا صاحِ الصبر وَهَى مني وشقيق الروح نأى عني) نغم نوى و(يا غزالي كيف عني أبعدوك شتتوا شملي وهجري عودوك) نغم أصفهان.
وبالتالي نستطيع القول بأن الشيخ "أمين الجندي الحمصي" هو الرائد الأول لفن القدود. إذ لا يتوفر لدينا حالياً مصادر أو وثائق أقدم تشير إلى خلاف ذلك.
مغالطات فنية
** لقد حفظت "حلب" بحكم مركزها السياسي والديني والتجاري والفني خلال العهود المتعاقبة أغانيها وأغاني ريفها وأغاني الجاليات وبقايا الشعوب التي استوطنتها أو مرت بها فهي كذلك كانت على مر العصور مدرسة للغناء الأصيل، وهذا الأمر لا يمكن نسيانه أو تجاهله وتعتبر "حلب" اليوم سيدة الموشحات منذ انتقل إليها هذا الفن من الأندلس، وأهم الموشحات من الناحية الموسيقية ثلاثة –الأندلسية – المصرية – الحلبية، أما الموشحات التي انتقلت من الأندلس إلى عرب شمال إفريقيا والمغرب– الجزائر– تونس فلم يُطوَّر فيها بل قُدمت كما هي تماماً لذلك راحوا يغنونه كما هو وكما ألفوه لذلك سُمي بـ (المالوف) أي (المألوف).
من جيل إلى جيل
** نعم كان لمدينة "حمص" دور كبير في الحفاظ على القدود وخاصة قدود الشيخ "أمين الجندي" التي لا يزال بعضها يُغنى حتى الآن في جلسات الموالد والأذكار في "حمص"، وبالتالي استطعنا التعرف على فن الغناء في القرن الثامن عشر (أي قبل ظهور الأسطوانة وآلات التسجيل) من خلال تنقل هذه الأغاني من جيل إلى جيل، ولابد أيضاً من الإشارة إلى بعض الشعراء والموسيقيين الحمصيين الذين ساروا على نهج الشيخ "أمين الجندي" في تأليف القدود من أمثال "عبد الهادي الوفائي" (1843/1909)م الذي ألف ولحَّن حوالي مئة موشح ضاع معظمها للأسف، والفنان "محمد خالد الشلبي" (1867/1929)م وله العديد من القدود منها (علموا المحبوب هجري) و(يا باهي الشيم) والفنان "أبوالخيرالجندي" ( 1867/1939) ومن قدوده (كووا الألباب بالميل) و(خال الخُديد قد نمَّ) وقد (دار من تهواه).
ومما يجدر ذكره أن (فرقة "حمص" لإحياء التراث) التي أقودها منذ أكثر من ربع قرن قامت بتوثيق وغناء وتسجيل عدد من القدود الحمصية في العديد من برامج التلفزيون العربي السوري كـ (برنامج دائرة الضوء) عام /1985/ و(برنامج العرب والموسيقا) عام /1989/.