بين دمشق واللاذقية، عرفت الكثير من الأماسي التي كان يُقدمها رامز غنيجة لوجه الموسيقا الخالص.. وأمسية بعد أخرى، تكتسبُ تجربة هذا الموسيقي ملامحها، التي تميزت أكثر ما تميزت بأمرين، فهو يحرص على مسألتين، أمستا تُشكلان سمة لكلّ ما يُقدمه من موسيقا وغناء، فغنيجة الذي أسس فرقة دمشق للموسيقا العربية من ثلاثين عازفاً ومغنياً، ظل وفياً لما بدأ به، وذلك بحرصه على تقديم التراث الموسيقي والغنائي السوري إلى جانب ما يقوم بتأليفه من موسيقا، وأحياناً يعمل على المزج بين تلك الموسيقا القديمة والموسيقا المعاصرة لإنتاج المختلف والمفارق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، إضافة لحرصٍ آخر؛ هو أقرب لاستعراضٍ موسيقي، وذلك في عزفه على ثلاث آلاتٍ وترية دفعة واحدة خلال الأماسي الموسيقية التي ما انفك يُحييها منذ سنة 2005 إلى اليوم.
شواغل موسيقية
يحرص غنيجة أن يُقدم مع فرقته مجموعة من الأغاني السورية التي أصبحت تُراثاً، إضافةً إلى مجموعة من مؤلفاته الحديثة من موشح ولونغة وقطع موسيقية، ولأول مرة تُغنى العلامات الموسيقية، كما يقوم باستعراضٍ موسيقي على آلاته الثلاث المُحببة كما العادة.
تقول الباحثة الموسيقية شام عمران: لقد عرف الجمهور الموسيقي غنيجة؛ من خلال تنويعاته اللحنية على أكثر من آلة موسيقية في أماكن مختلفة بدمشق القديمة، مثل: البيوت العتيقة، والحدائق أحياناً، وطوراً على خشبات مسارحها، وبعد نقل نشاطه الثقافي من دمشق إلى اللاذقية استمر بما عُرف عنه شغفه بالتنويع على أكثر من آلة موسيقية، ولا سيما: الغيتار، العود، الكمان، البزق، التار. والأخيرة هي آلة موسيقية غير معروفة يُحكى أنها فارسية الأصل، يُعزف عليها في شرق إيران وأذربيجان، وتركيا، وأرمينيا.
أبعد من الأصابع
ويذكر غنيجة إن الموسيقا ليست أصابع وحسب، بل هي رياضة تذهب أحياناً باتجاه التجريد وبالعلاقة الحميمية مع الآلة الموسيقية، فلكلّ آلة جملها اللحنية، وبرأيه موسيقا "رقصة ستي" ذائعة الصيت لن تنجح لو عُزفت على غير آلة العود مثلاً. وفي استعراضه الموسيقي على مختلف هذه الآلات التي يختار منها غالباً: العود، الكمان، والتار؛ يُسمي ذلك ب"اللعب على الأوتار" وباعتقاد أنها من الحالات النادرة في صياغة الهارموني بين عدة آلات موسيقية.
أما عن سيرة الموسيقا التي كانت شغفه طول الوقت، ورفيقته حتى في الأيام السود؛ فيذكر أنه بدأ العزف على آلة العود عندما كان عمره (15) عاماً، وكان حلمه أكثر من آلة العود، فموهبة الاستماع والشغف بالموسيقا التي رافقته منذ الصغر جعلته يعزف بكلِّ سهولة وتدرّب وحده على النُّوت الموسيقية، وفي عمرال( 18) سنة، بدأ التعلّم على آلة الكمان عند خيرة الملحنين والمؤلفين الأجانب في المعهد العالي للموسيقا في دمشق، حيث درس الموسيقا الغربية وكان يتدرّب تسع ساعات يومياً، ثم انضم إلى الفرقة السمفونية في الوقت الذي كان فيه الكبير صلحي الوادي عميداً للمعهد العالي، واستمر خمس سنوات ضمن الفرقة، وبعد ذلك التحق بأوركسترا زرياب، وشارك في أهم الحفلات داخل سورية وخارجها.
صولو وعشرون آلة
وعن اتجاهه للعزف الإفرادي، أكد غنيجة حبه للتأليف، الذي مكّنه من دراسة كل آلة موسيقية على حدة، لافتاً إلى أن علم النوتة الموسيقية موحد لجميع الآلات، أما علم الآلة فخاص فيها، وهذا تطلب منه سنوات ليتمكّن من العزف على عشرين آلة موسيقية إيقاعية ووترية ونفخية وإلكترونية.
وبيّن غنيجة أن أهم الفرق الموسيقية التي أسسها هي فرقة دمشق للموسيقا العربية التي كان لها الكثير من المشاركات، أهمها افتتاح مهرجان نقابة الفنانين بحضور نقيب الفنانين العرب، واختتام مهرجان مسرح الشباب، ويوم المسرح العالمي، ومهرجان الثقافة بدمشق، ومهرجان بصرى، كما كان هناك مهرجان يوم الموسيقا العالمي الذي شارك فيه الاتحاد الأوروبي، كما شاركت دمشق بالعزف على أربع آلات موسيقية، ولقب بملك الآلات الموسيقية، والأول على مستوى الشرق الأوسط بالعزف على عشر آلات موسيقية متنوعة.
التأليف الموسيقي
أكد غنيجة أن التأليف والتلحين شغلا حيزاً كبيراً في أعماله؛ إذ لديه الكثير من أعمال التأليف والتلحين للمسرح والتلفزيون والبرامج، أهمها الموسيقا التصويرية للكثير من الأعمال الدرامية والمسرحية منها: المسلسل الكوميدي "هيك حالنا"، وتأليف موسيقا لمسرحيات: "وقت مستقطع، الصبية، والأراجوز.." والتأليف الموسيقي للفيلم السوري "سيمفونية قلب"، وبرنامج "حصاد الأسبوع"، والموسيقا الكاملة لجميع برامج تلفزيون أوغاريت، وموشح "هات كأس المنى" للمطربة ليندا بيطار، وأغنية سورية "بتنادي" للكورال السوري، وأعمال موسيقية وغنائية كثيرة على المسرح، أهمها: "قصة شامية، ناغم الآلات الوترية، إيقاعات وأنغام على الأوتار، صنع بسحرك، من كنوزنا السورية، أصالة الموسيقا الشرقية.."، وغيرها الكثير من الأعمال على مسرح دار الأوبرا.
في السيرة الذاتية
نذكّر أخيراً أن غنيجة الذي تحفل سيرته الذاتية بالكثير من الإبداعات الموسيقية؛ هو عضو في الكثير من الفرق منها: الفرقة السيمفونية الوطنية لخمس سنوات مع المايسترو صلحي الوادي، فرقة المعهد العالي للموسيقا العربية، فرقة نقابة الفنانين السورية، فرقة أمية للفنون الشعبية، أوركسترا زرياب لعشر سنوات مع الموسيقار رعد خلف، أوركسترا طرب، إضافة إلى أنه مؤسس فرقة اللاذقية للموسيقا السورية، وأوركسترا طلاب رامز غنيجة في زمن الحرب. وكان أن عزف مع أهم المطربين العرب: وديع الصافي، ميادة الحناوي، والراحلة ربا الجمال، وهو مشارك مع فعاليات أوركسترا زرياب كافة منها: طقوس الحضارات القديمة، ألواح أغاريت، ليلة في إيبلا، الليل، أوابد ابن سينا، ميوزيكل آخر حكاية.