واحدة من مئات القرى السورية ذات الجذور الآرامية السريانية الفينيقية، تقع على سفح جبلي واسع بارتفاع نحو 380 م عن سطح البحر، وتتبع إدارياً لمدينة صافيتا وتبعد عنها نحو 10 كيلومترات، تعددت التفسيرات حول اسمها، فمنها ما يشير إلى "بيت الإله حُدد"، ومنها ما يعني "بيت العمة" أو "الدادا.

تتميز قرية "بدادا" بمناخها المعتدل وطبيعتها العذراء، إلى جانب احتوائها على بعض المعالم التاريخية التي تتوضح في بعض منازلها.

في قلب الطبيعة والتاريخ

أجرت "مدونة وطن"حواراً مع الأستاذ "منير حجار" مختار قرية بدادا، الذي تحدث عن أصالة القرية وتميزها بمناخها المعتدل وطبيعتها الخلابة، كما أشار إلى جمال منازلها القديمة والحديثة المبنية على التلال والمنحدرات، وسط مساحات طبيعية واسعة تزينها الأشجار المثمرة والمتنوعة.

حامع وكنيسة مبنية من الحجر الأسود

ويتابع كلامه: يحد بدادا من الغرب مدينة صافيتا ومن الشمال مشتى الحلو وجبل السيدة، ومن الشرق مرمريتا وقرى وادي النضارى، ويحدها من الجنوب سهل عكار وجبال طرابلس وفتحة حمص، زحفت الهجرة إلى بدادا أسوة بباقي المناطق، فهاجر بعضهم إلى البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإلى دول الخليج العربي طلباً للعمل، ليصبح عدد السكان المقيمين بين 2500 إلى 3000 نسمة، يتوزعون على 21 عائلة، يعمل 50% منهم في الزراعة، كالزيتون والحمضيات وبعض الأشجار المثمرة المنتشرة على ضفاف نهر الأبرش الذي يمر بالقرية، إضافة إلى العديد من المهن الحرّة، خصوصاً ما يتعلق بمهنة البناء، وتتبع لبلدية بدادا عدة قرى هي: عين دابش - كفر صنيف - دريكيش زريب - عين عفّان - خربة الجب.

ويضيف المختار : امتلكت بدادا مقومات سياحية أتاحت لها أن تنضم إلى القرى السياحية المهمة في الساحل السوري، فقد ساعدت إطلالة القرية على الجهات الأربع، أن تستمتع عين الناظر بالأفق الذي يمتد عشرات الكيلو مترات، حتى البحر بين طرطوس وطرابلس الشام، واحتضانها أهم موقع طبيعي على نهر الأبرش وهو الدوار وملحقاته (الشرشار، الغلينة، الباردة، والسخنة)، وهي أحواض مائية في مجرى النهر، تقع داخل شير صخري كلسي يحيط بها من الاتجاهين، يرتفع إلى 50 متراً تقريباً، إضافة إلى وجود عدة مغاور وكهوف كمغارة الدوّار الشهيرة، والتي تمتد حتى برج صافيتا.. كما يقال، ومغارة "الثلاّجة" كما يسميها أهل المنطقة نظرا لشدة برودتها.

طريق زراعي مرصوف بالحجارة السوداء ومنظر عام للقرية

ناهيك عن الطواحين المائية القديمة المبنية على مجرى النهر المحاط بالبساتين، لطحن القمح المزروع في البلدات والقرى المجاورة، أهمها طاحونة الدير (نسبة إلى دير مار جرجس الحميراء-الوادي) وطاحونة القبو وطاحونة العزيز، كما وُجد في القرية أجران بازلتية قديمة لعصر الزيتون والعنب ودقّ الهبّول (المصنوع من التين المجفف).

أشجار التوت المعمرة شاهدة على "صناعة الحرير"

أحد المنازل القديمة بالقرية

أشار "حجار" إلى حقبة الانتداب الفرنسي، حيث شجع المستعمرون "صناعة الحرير"، فعمل بعض الأهالي بهذه الصناعة، ونشطت زراعة أشجار التوت التي تتغذى على أوراقه دودة القز، ولا تزال بعض أشجار التوت المعمرة شاهدة على ذلك، كما ارتبط اسم القرية بشجر الزيتون الذي يحيط بالقرية، ليصبح أهم مورد اقتصادي للأهالي، لتتطور لاحقاً تلك المعاصر بين التقليدي والحديث، ويوجد حالياً أحدث معصرة يقصدها أهالي القرية والمناطق المجاورة باسم (شركة حجار أخوان/ أبناء فؤاد حجار ) تخدّم القرية وجوارها في موسم عصر الزيتون المبارك، ونوه مختار القرية بخصوبة التربة والمناخ المعتدل اللذين أسهما في زراعة العديد من أشجار الفواكه الحديثة، إضافة إلى التوسع في الزراعات المرويّة وانتشار بساتين الحمضيات واللوز والرمان، بينما نشهد تراجعاً في زراعة العنب لأسباب بيئية، ولا بد من الإشارة إلى الأحراش الطبيعية، مثل (الشغيلانة - الخرليق) الشاهدة على أشجار السنديان والبلوط المعمّر في مزار البيّاض حتى اليوم. ويأمل أن يتم ضبط القطع الجائر لهذه الأشجار، كما اعتمدت القرية قديماً على ينابيع المياه العذبة الجارية للحصول على مياه الشرب، وفي عام 2014 قام المغتربون من أبناء بدادا بتجديد شبكة ضخ المياه إلى المنازل، وتم تخديم القرية ضمن المستطاع ليصل إليها في عام 1973 شبكة الهاتف(اليدوي) من صافيتا وتنعم حديثاً بشبكة الإنترنت، وفي عام 1980 تمت إنارة القرية بالتيار الكهربائي، إضافة إلى تأمين خدمات أخرى ضمن الإمكانيات المتاحة.

الحجر الأسود لا يزال يتحدث عن مكانتها التاريخية

قرية بدادا غنية بتراثها الغارق في القدم كما يؤكد "رفيق القحط" الخبير بالشأن التاريخي للمنطقة، حيث مرت بحقبات متتالية تركت كل حقبة معالمها المتفردة في المنطقة، فالكنيسة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 80 م 2.

وقد سميت على اسم رقاد السيدة العذراء، وبنيت بالحجارة السوداء التي تم نقلها على أكتاف رجال القرية سيراً على الأقدام من الأراضي الزراعية إلى دار الكنيسة، وتم بناؤها على شكل عقد يشبه السفينة، في عام 1885م، وهو العام الذي يتطابق مع تاريخ بناء كنيستي اليازدية وبيت شباط، ويعتقد بأن الجمعية الروسية الفلسطينية هي التي أشرفت وأنفقت على بناء الكنائس الثلاث، وحتى عام 1951، تضمن الهيكل بابين هما :ملوكي وشمالي، ليُبنى لاحقاً باب جديد جنوبي الهيكل، وتوسيع الباب الملوكي، يوجد على يمين ويسار الباب الملوكي أيقونتان للسيدة العذراء، يقال إنها رسمت بيد بولس الرسول، وهناك أيضا أيقونة مرسومة باليد للسيد المسيح، ترك الزمن أثره عليهما، ولاحقاً بنيت كنيسة جديدة وكبيرة على اسم القديس جاورجيوس.

كما يوجد في ضهر بدادا مزار السقّا، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى قبر السقّا سليمان الذي تروى عنه العديد من الحكايا القديمة، يحتوي المزار على أشجار يزيد عمرها على 200 عام، وهنالك البيوت القديمة الأثرية والعقود المبنية بالحجر الأسود، إضافة إلى العديد من المنحوتات الصخرية على شكل جرون ومجار، وفي أواخر ثلاثينيات القرن الماضي في عهد الاستعمار الفرنسي بنيت في قرية بدادا مدرسة ابتدائية من الحجر الأسود، تحولت فيما بعد إلى مقر للبلدية، ما زال قائماً حتى اليوم.