هذه وغيرها من الجمل الموزونة التي تفتن السامعين وتذهب بالحاضرين إلى زمن "عنترة ابن شداد" و"أبو زيد الهلالي" وغيرهم من الشعراء والفرسان الأشدّاء الذين تغنّت بهم العرب وبأشعارهم الكثيرة،

ومن له اهتمام بتاريخ هذه الملاحم وقصائدها يعرف أن أهم نقّالها هم "الحكواتية" وهي إلى جانب كونها حرفة قديمة وعريقة فهي أيضاً فن أصيل بحدّ ذاته ويحتاج إلى خبرة ومهارة في سرد الحكاية ليشّد انتباه الجمهور وخيالهم ويواصلون الحضور على أيام وأسابيع لتنتهي القصة بفوز البطل وسحق الأشرار، وهذا كلّه يجري في القهاوي والنوادي من زمن بعيد حيث لم يكن للتلفاز والراديو مكان، ولعلّ أمسيات شهر الصيام هي الأنسب لقصّ هذه الحكايات وإمتاع الحاضرين بعد الإفطار.

إن وجود شاشة بلازما أو ما يسمى شاشات العرض فهي شيء أساسي والضمان لوجود إقبال جماهيري وهي تحلّ محل "الحكواتي" وتخلق جوّاً مشابهاً، وما يعرض على الفضائيات وتوقيته دور كبير في وجود الزبائن لا سيما برامج هذا الموسم التي تركزعلى الكوميديا (مثل بقعة ضوء وضيعة ضايعة) ولم يعد لمسلسلات الحارة القديمة رهجها وألقها كما كان لها في الموسم الفائت

أما في زمننا هذا فلم يعد للحكواتي مكان إلا في الأماكن الترفيهية التي تحاول إضفاء القديم والتقاليد على أجواء "رمضان".

وحكواتي "حمص" أصبح عملاقاً وبثماني وأربعين قدماً و(بريموت كونترول) أيضاً، ولا يخلو مطعم أو متجر أو قهوة شعبية من وجوده بتنوع حكاياه (المصورة والمتحركة والملونة وحتى الحيّة)، لابد وأنكم عرفتموه (شاشات الدجيتال وما يعرض عليها من برامج الفضائيات) التي تعرض لنا حكواتية الحارات القديمة وأجواءها كنوع من التعويض والتقليد الذي يدعو للسخرية.

وعن رأي الناس من (كافة الفئات) بـ"الحكواتي" كان المتنوع والمختلف ومنها ما رصده لكم موقع eHoms من شوارع "حمص" ومقاهيها الكثيرة وأولها كان مع العم أبو حسن "محمد حاتم دعّاس" الذي يبلغ من العمر(81) عاماً ويعمل بسوق القماش منذ حوالي ستين عاماً فقال: «أذكر أنني وبعمر الأربعة أعوام كنت أذهب مع أبي إلى قهوة قديمة لم أعد أذكر ما كان اسمها إلا أنها كانت موجودة في محيط ما يسمى بسوق "الناعورة" والحكواتي الذي كان يعمل فيها كان يعلّم في الجامع في الأيام العادية، وهو رجل مثقّف ومتعلم وله إطلاع على التاريخ القديم والقصص المتوارثة والتي تحكي مآثر وبطولات يحبها الناس وتثير فيهم الحماسة ويستمتعون بها، ولكن وجوده لايقتصر على شهر رمضان وإنما وجوده في "رمضان" مميز، وأعتقد أن مهنة الحكواتي على أصولها اندثرت ولم يعد لها وجود إلا بشكل نادر، وآخر حكواتي في "حمص" كان يمارس مهنته حتى سنة (2000)، وبوجود التلفاز لم يعد له أهمية مع أنني أتمنى شخصياً أن أعود لأسمع وأشاهد حكواتي في "رمضان" على الأخص».

للشباب آراء متعددة ومغايرة وأحدها للسيد "أسعد علي" المدير العام لمطعم ومقهى "التراس" الذي كان له الحديث التالي: «الحكواتي هو من التقاليد القديمة في شرقنا العربي وله طقس مميز في شهر "رمضان" ولكنّه بعيد عن التطبيق في هذه الأيام لصعوبة أداء المهنة وعدم طلبها من قبل الجمهور، إلا أننا حاولنا قدر الإمكان أن نخلق أجواء رمضانية في مطعمنا الذي يعتبر جديداً نسبياً فقد افتتح منذ ستة أشهر فقط، وهي تضمّ (القهوة المرة وأدواتها،الأركيلة ولوازمها) مع اللباس التقليدي، بالإضافة إلى تخصيص بوفيه مفتوح للأكلات الشعبية بعد الإفطار مع الحلويات والمشروبات المحببة كالجلاب والتمر هندي».

وأما عن شاشات العرض المنتشرة في كل مكان فأضاف: «إن وجود شاشة بلازما أو ما يسمى شاشات العرض فهي شيء أساسي والضمان لوجود إقبال جماهيري وهي تحلّ محل "الحكواتي" وتخلق جوّاً مشابهاً، وما يعرض على الفضائيات وتوقيته دور كبير في وجود الزبائن لا سيما برامج هذا الموسم التي تركزعلى الكوميديا (مثل بقعة ضوء وضيعة ضايعة) ولم يعد لمسلسلات الحارة القديمة رهجها وألقها كما كان لها في الموسم الفائت».

أما وجهة النظر الأخرى فكانت للسيد "عبد الكريم أحمد البخيت" وهو تاجر عقارات شاب وله الرأي التالي: «أنا شخصياً أفضل الحكواتي وأرغب في أن أشاهده وأستمع له ولا سيما في "رمضان" لما يخلقه من تنوع في عصر السرعة وإضفاء القليل من التقاليد الجميلة والجمعات الحلوة وما فيها من تفاعل مع القصة والأحداث والمغامرات وفضول لمعرفة التفاصيل بالإضافة للحماس الذي تخلقه بين الحاضرين، هذا كلّه وما يرافقه من موسيقا شرقية وأجواء هادئة، والحكواتي برأيي هو من أهم تقاليد "بلاد الشام" وهذا ما يطبقه السوريون في بقية الدول العربية بالأخص في المهرجانات كمثال في "الإمارات العربية" (دبي وأبو ظبي) وأنا خلال جولاتي وسفري كنت دائماً أستمع إلى الحكواتية وما يقصّوه من حكايا».

قد يكون عصرنا عصر السرعة والتكنولوجيا ولكننا بين وقت وآخر نحتاج لوقفة مع الجميل من التقاليد ونعطيها حقها، نأخذ منها ما نحتاج (أجواء هادئة وبسيطة) قصتنا مع حكواتي "رمضان" انتهت ولكم مع غيرها نصيب.