في رمضان تنشط مهنة الحكواتي التي كانت أساساً للتسلية في الماضي، إلا أن اختراع التلفاز وانتشار الدراما التلفزيونية قد حد من اهتمام الناس بهذه التسلية التي بدأت تختفي شيئاً فشيئاً.

وللمعرفة أكثر عن هذه المهنة وشكلها اليوم موقع eSyria زار مطعم "المشرقة" بتاريخ 7/9/2008، والتقى الحكواتي "رشيد الحلاق" الملقب بـ"أبو شادي" والمعروف "بحكواتي الشام"، فحدثنا عن تاريخ هذه المهنة بقوله: «تعود مهنة الحكواتي تاريخياً إلى عهد "عمر بن الخطاب" حيث كان الرواة يروون أحاديث الرسول الكريم (ص)، ويروون معها قصص الجاهلية، ثم تطورت ودونت وكان من أهم من دون هذه القصص "الأصمعي"، وبعد ذلك أخذت بالتطور تدريجياً حتى عهد "الظاهر بيبرس" (الذي يقال أن "ابن الديناري" قد كتب قصته من بعد ما دون قصة "أبي زيد الهلالي" وغيرها)، وفي مصر لقب الحكواتي بالراوي، وفي تونس المحدّث، أما في العراق فلقبوه "قص قوم"، وقد شجع العثمانيون هذه المهنة وهذا النوع من القصص لأنهم وجدوا فيها "إلهاءً" للناس عما تفعله الحكومة العثمانية آنذاك، وكان للحكواتي تأثير كبير فيقال إن أرباب الشعائر الدينية أجبروا الحكواتي على أن ينهي القصة عند صلاة العشاء من أجل أن يذهب المصلون لتأدية الصلاة بالجامع بعدما أصبحوا لا يؤدونها إلا في بيوتهم لدخول وقتها وذهابه وهم يسمعون القصة»

قصص الحكواتي رائعة وتناسب أجواء رمضان تماماً، وأنا مستغرب من أن الحكواتي "أبو شادي" قادر على إثارة انتباهك للقصص التي يقدمها، وخصوصاً بطولات الثوار التي سطرت أروع ملاحم البطولة والنضال

وبالنسبة للتطور الذي طرأ على هذه المهنة أضاف: «لقد استخدم الحكواتي السيف للتنبيه به بضربه على الطاولة من أجل أن يصدر صوتاً ينبه النائمين في المقهى، واستخدم السيف أيضاً من أجل الحفاظ على الفلكلور العربي الأصيل، وتنشط المهنة في رمضان أكثر من أي وقت آخر، وتنشط عند موسم السياح الأجانب وخصوصاً الألمان منهم حتى أنهم أصبحوا يعرفونني ويطلبونني بالاسم، ومن جديد ألاحظ اهتماماً من قبل الاسبان، فهم يعتزون بالتراث العربي لأنه قريب من تراثهم بعض الشيء واكبر دليل على ذلك أنهم لا يفهمون اللغة العربية ولكن قدرة الحكواتي على التعبير بنبرة صوته وحركاته وتقاسيم وجهه هي التي تفهمهم هذه القصة وتجعلهم يتفاعلون معها».

الشاب "فهد خيارة" وصديقه

ثم أضاف: «إن تفاعل الناس مع الحكواتي هو تفاعل جدي وليس هزلي، لأن الناس دائماً يعجبون بالقصص التاريخية وسيعجبون بالقصص أكثر إذا تكلمنا عن الواقع بجميع مجالاته، وأنا أطمح الآن إلى أن أقدم القصص المستمدة من الواقع والملامسة لحياتنا اليومية لأن فيها المتعة الأكبر من القصص القديمة التي حفظها الناس مثل قصة الملك "الظاهر" و"عنترة"، لكن أصحاب المقاهي يفضلون رواية هذه القصص بحجة أنها أجمل وأمتع للمتلقي لأن شكلها القديم حافظ للتراث أكثر، ومع ذلك فأنا أرويها كما يطلبون لكنني مع التجديد في هذه القصص بالتناسب مع الواقع الحالي».

ثم ختم بقوله: «الحكواتي ليس مجرد قاص للقصص فقط، فهو ممثل ومخرج وكاتب ومسرحي معاً يستطيع أن يقدم الصوت والصورة وحتى المؤثرات الصوتية من دون معدات ولا تجهيزات، وهنا تكمن قدرة الحكواتي على خلق التأثير والتفاعل معه، لذلك اعتبر الحكواتي فناناً وليس مجرد قاص أو مزاول لمهنة معينة».

النادل "نواف العلي"

وبعدما انتهى حوارنا مع الحكواتي "أبو شادي"، قص علينا قصة جميلة تلخص الحياة وحب الفكاهة، وعند انتهائه سألنا الشاب "فهد خيارة" من رواد المطعم عن متابعته للحكواتي، فقال: « قصص الحكواتي رائعة وتناسب أجواء رمضان تماماً، وأنا مستغرب من أن الحكواتي "أبو شادي" قادر على إثارة انتباهك للقصص التي يقدمها، وخصوصاً بطولات الثوار التي سطرت أروع ملاحم البطولة والنضال».

ومن كادر المطعم النادل "نواف علي" الذي قال: «من معظم مناطق "دمشق" يأتي الناس لمشاهدة فقرة "أبو شادي" اليومية، ويكثر هؤلاء الزبائن في رمضان، أما في الأيام العادية فيأتي السياح الأجانب من مختلف دول العالم لسماع ومشاهدة قصة من السيد "أبو شادي" فهو من أهم الرواة في "دمشق" ويعتبر آخرهم، فهذه المهنة لا تدر أموالاً كافية على صاحبها، لذلك لم يبق سوى "أبو شادي" من الذين يزاولونها إلى الآن، فهو محب لمهنته ومخلص لها».

مجسم لنافذة دمشقية قديمة