أنشئت الرقة في العام /244/ أو /242/ قبل الميلاد، وكانت تسمى في البداية "كالينيكوم"، نسبة إلى "سلوقس الأول" مؤسس المدينة، الذي كان يعرف أيضاً باسم "كالينكوس"، وبعض المؤرخين يردها إلى الفيلسوف اليوناني "كالينيكوس" الذي يعتقد أنه دفن فيها، وفي العصر البيزنطي كانت المدينة مركزاً اقتصادياً وعسكرياً هاماً، وفي العام /639/م، فتحها الجيش الإسلامي، وكان اسمها آنذاك "الرقة" ومن معانيها في اللغة الصخرة المسطَّحة، وفي العام /722/م، بدأ الخليفة العباسي "أبو جعفر المنصور" ببناء عاصمة صيفية للدولة العباسية بالقرب من "الرقة"، سميت "الرافقة"، التي كان بناؤها على شكل "حدوة فرس" على الطراز المعماري لـ"بغداد"، وسرعان ما اندمجت مع "الرقة"، التي اتخذها "هارون الرشيد" عاصمة له بين عامي /796 – 808/م، وأصبحت المدينة مركزاً علمياً وثقافياً هاماً، واليوم تزخر هذه المحافظة بآثارها التي تحكي عراقتها، ومن أشهر هذه الآثار جامعها العتيق الذي يعرف باسم جامـع "المنصور".

موقع eRaqqa التقى الأستاذ "أنس الخابور" مدير آثار "الرقة" السابق، بتاريخ (4/9/2008) الذي تحدث لنا عن هذا الجامع قائلاً: «يعتبر المسجد من المباني العباسية التي تمَّ بناؤها في الفترة العباسية الأولى، فهي تخضع لسمات العمارة العباسية، حيث المساجد كانت تبنى بشكل قلاع أو حصون، أي أنها تبنى منعزلة، والذي بقي منه اليوم ما هو إلا جزء من المسقط الحقيقي للمسجد، إذ بقي السور الخارجي وواجهة الحرم والمئذنة، وأطلال بعض العضادات، لقد اعتمد في نظام عمارة "الرافقة" المخطط الدائري لمدينة "دار السلام" في "بغداد"، وحدد موقع المسجد الجامع وقصر الإمارة وسط تلك الدائرة، وبني مسجد "المنصور" على غرار مسجد "دمشق"، ويتألف من صحن وحرم، وهو مستطيل عرضه /93/م، وهو طول جدار القبلة، وطوله /108/م، وهو محاط بجدارين من اللبن المغلف بالآجرّ المدعم بأقواس نصف دائرية، وتبلغ أبعاد الآجرَّة الواحدة /45×45×10/سم».

يوجد في كل زاوية من زواياه برج مستدير، ويبلغ عدد أبراجه عشرون برجاً، وسماكة السور فيه /1,70/م، وفي صحنه تنهض المئذنة مستقلة، ولقد أُنشئت في القرن الثاني عشر، وهي تشابه مآذن قلعة "جعبر" و"مسكنة" و"أبي هريرة"، ويقوم حرمه في الجهة الجنوبية، وهو بعمق /30,60/م ذو سقف جملوني محمول على صفين من الأعمدة، يبلغ عددها /14/ عموداً في كل صف، مشكلاً بذلك ثلاثة أجنحة عرضية، أما واجهة الحرم المطلة على الصحن، فهي مؤلفة من /11/ فتحة مقوَّسة أبعادها المتوسطة /3,65/م عرضاً، و/10,5/م ارتفاعاً، وهذه الواجهة أيضاً من الآجرّ المشوي، وهي إذ تبدو موحَّدة الفتحات والأقواس في الواجهة، فإن هذه الفتحات تحاط في الداخل بصيوانٍ بارزٍ ذي قوس في أعلاه

ويتابع "الخابور" وصفه للمسجد قائلاً: «يوجد في كل زاوية من زواياه برج مستدير، ويبلغ عدد أبراجه عشرون برجاً، وسماكة السور فيه /1,70/م، وفي صحنه تنهض المئذنة مستقلة، ولقد أُنشئت في القرن الثاني عشر، وهي تشابه مآذن قلعة "جعبر" و"مسكنة" و"أبي هريرة"، ويقوم حرمه في الجهة الجنوبية، وهو بعمق /30,60/م ذو سقف جملوني محمول على صفين من الأعمدة، يبلغ عددها /14/ عموداً في كل صف، مشكلاً بذلك ثلاثة أجنحة عرضية، أما واجهة الحرم المطلة على الصحن، فهي مؤلفة من /11/ فتحة مقوَّسة أبعادها المتوسطة /3,65/م عرضاً، و/10,5/م ارتفاعاً، وهذه الواجهة أيضاً من الآجرّ المشوي، وهي إذ تبدو موحَّدة الفتحات والأقواس في الواجهة، فإن هذه الفتحات تحاط في الداخل بصيوانٍ بارزٍ ذي قوس في أعلاه».

قناطر جامع المنصور

ولدى سؤال "الخابور" عمَّا إذا ذكر المؤرخون العرب المسجد الجامع؟ وهل تمَّ التنقيب فيه؟ وهل رُمَّم؟ أجاب: «بالطبع ذكره المؤرخون العرب وأشهرهم "المقدسي" الذي قال عنه: (إنه جامع عجيب، وإن مكانه في سوق الصاغة)، وتمَّت عمليات تنقيب منهجي لهذا الجامع من قبل بعثات تنقيب عالمية، خلال الأعوام /1985-1986-1987/م، وقد أكدَّت نتائج التنقيب على مواصفات كثيرة أهمها أنَّ مساحة صحنه تبلغ /7033,53/ متر مربع، وأبعاده من الجنوب للشمال /75,70/م ومن الشرق إلى الغرب /92,90/م، وأرضية صحنه مغطاة ببلاطات آجُريَّة مشوية بمساحة /22×22/ سم، ويحاط الصحن بأروقةٍ من جهاته الثلاث عدا الجنوبية المتاخمة للحرم، ولقد أقيمت عضادات الأروقة على أساسات على شكل أخاديد متوازية لكل رواق، والأروقة مزدوجة أي مؤلفة من بلاطتين اصطفت من العضادات الحاملة للغطاء، وقد حلَّت محل الأعمدة التي لم تكن مستعملة في المسجد، وهي تشابه تلك التي كانت قائمةً في الحرم، ويبلغ عرض الرواق الشمالي /11,75/م وعرض الرواق الشرقي /12/م، والغربي /11,60/م، وتبلغ مساحة الحرم /2842,75/ متر مربّع، بطول /30,60/م وعرض /92,90/م، وأرضه مفروشة بالآجرّ المشوي الذي يعود لعصر "نور الدين الزنكي"، أما أرضيته الأصلية فهي منخفضة عن المكتشفة بـ /25/ سم، وإلى طرفي الحرم تم اكتشاف دكَّتين، واحدة في الركن الشرقي للحرم بمواجهة امتداد الرواق الشرقي للجامع، وهي تتصل بالرواق الشرقي من خلال قنطرتي هذا الرواق المتصلتين بالحرم، ويبلغ ارتفاع الدكَّة /60/سم، وعرضها /12,8/م ولها مصعدان صغيران من أرض الحرم مؤلفان من ثلاث درجات، أما فيما يخص الترميم فلقد قام به السلطان "نور الدين محمود بن زنكي" بإشراف أخيه "مودود" حاكم "الرقة" آنذاك، من /652-566/ هـ، /1167-1171/م، وأضاف له مئذنته الشامخة التي تحدَّت الخراب الذي حل في المدينة خلال فترات متعاقبة».

ويُذكر أنَّ جامع "المنصور" أو ما يُعرف عند أهل "الرقة" بالجامع العتيق، يقع في قلب "الرقة" القديمة، إلى الشمال الغربي من باب "بغداد"، ويعد المدرسة المعمارية الأولى في العصر الذهبي، العربي الإسلامي، بدءاً من منتصف القرن الثاني الهجري، وقد أخذ طراز بنائه مسجد "نابين" في فارس، ومسجد "أحمد بن طولون" في مصر، ومسجد "القيروان" في "تونس".

مئذنة جامع المنصور
مديرآثار الرقة السابق "أنس الخابور"