هناك في أقاصي منطقة البحار أواخر درعا البلد وفي محل إصلاح الجرارات الزراعية وفي منطقة هادئة للغاية، تفجرت موهبة إبراهيم أبازيد ذلك الشاب المكافح ابن العام 1974
والذي استهواه فن النحت فراح يضخ للبلد فنون إنسانية راقية سرعان ما تحولت الى معجزات حديثة أذهلت النقاد والمتابعين لوصفها على أقل تقدير.
بعد مشوار طويل زاد عن العشرين عاماً من الاهتمام بأشكال الحجارة ومحاولات الحفر على الصابون في الصف الأول، الى التعامل مع البازلت الحوراني في الصف السادس وإنجاز العديد من التحف الصغيرة التي تمثل آلهة وأرباب وأشخاص عاديين. الى ما يشبه المعجزة في السنوات الأخيرة وكان القدر قد أذن له بتسجيل اسمه بأحرف من ذهب في سجل الخالدين.
لوحة الحضارات العربية أنجزها العام الماضي على صخرة بلغت من الوزن ما يزيد عن ستة أطنان، جسد فيها مدائن صالح والإهرامات المصرية ومدرج بصرى والعديد من فضاءاته الحالمة. والتي كنا ولنا الشرف بذلك أول من زارها وتابع مراحل إنجازها. وحصل بعد ذلك تهافت إعلامي رهيب على مكان الإنجاز من وكالات أنباء وصحف وتلفزيونات، وليتهم عاشوا مع إبراهيم أبازيد شيئا من معاناته وظروفه القاسية التي عاناه أثناء إنجاز اللوحة فهو شاب فقير عصامي لا يزال يعمل الى اليوم في محل تصليح الجرارات وتراه ينحت بأدوات بدائية وقت فراغه.
بعد إنجازها وقد أكلت من جسده لحما وعرقا عزيزين عليه، منى نفسه بان تجد طريقها للاهتمام و رفع كاهل الفقر عنه، فجاءه بها ما يزيد عن أربعة ملايين ليرة لكنه رفض فهي عنده أغلى بكثير، جاءت البلدية ولم تقدم شيئاً مما كان إبراهيم ينتظر منها.
بعد مخاض عسير وبحث وتمحيص عن ظاهرة لافتة فقد وجد إبراهيم إحدى اكبر الصخرات في المنطقة وقد زاد وزنها عن 117 طن بالتمام والكمال وذلك على حواف وادي الزيدي. وكانت المشكلة في الوصول إليها ونقلها. وقد طلب أصحاب المكاتب ما يزيد عن 400 ألف ليرة سورية لتحريكها مسافة ثمانية كيلومترات. مع عدم ضمان النتائج لكن ذلك بالطبع فوق استطاعة الرجل. فناشد أصحاب الخير فلبوا النداء وكان من ابرز من قدم جهوداً لا يمكن نسيانها:
السيد بشار الجوابرة مدير قسم الآليات في الخدمات الفنية بدرعا، السيد رزق الكور وأبو خالد الكور الدكتور المحترم فيصل كلثوم محافظ درعا، السادة نايف أبازيد وخليل رفاعي أعضاء مجلس الشعب. السيد نايف عبيدات مدير المركز الإذاعي والتلفزيوني بمحافظة درعا. وبهذه المناسبة فان إبراهيم أبازيد يشكر ويثمن جهود كل من مد يده تجاه هذه العمل الجبار.
وبعد جهود وفترة زادت عن الثمانية اشهر استطعنا تحريك الصخرة مسافة ثمانية كيلومترات يقول الابازيد بمشهد تم توثيقة بكاميرات الفيديو وقد اشترك به بلدوزرات جنزير عملاقة واكبر الناقلات الممكنة وعدد آخر من الآليات وحضور الكثير من الأصدقاء.
وقد زالت عن كاهلي إحدى اكبر العقبات، ومن حوالي الشهر بدأ مشوار الإعجاز على الصخرة التي تبلغ أبعادها 6.5 × 3 × 2 م. وقد تمكنت من إنجاز مسلة مصرية ومجسم للكعبة المشرفة وأنا حاليا ابحث عن أبرز المعالم التي تخص الحضارات القديمة فليس لدي أي معرفة بها وأنا احتاج المساعدة من أصحاب الاختصاص.
كلمة أخيرة
لابد لزائر مدينة درعا ان يمر على الجامع العمري والمسرح الروماني والكهوف والمغارات الأثرية، وعليه ان يحرف طريقه الى أقصى الجنوب حيث منطقة البلد الشهيرة براحتها اللذيذة. ولن تكون رحلته كاملة إذا اغفل محطة الفن الحديث، ليشاهد موهبة العصر ابن البلد إبراهيم أبازيد وقد لخص تاريخ الإنسانية بأنامله الذهبية.