عندما يكون الأدب امتزاجا من خلجات الذات، وصور الروح، تصبغه يوميات الحياة بصورها المتناقضة تارة، والمتكاملة تارة أخرى، لابد للأديب أن يجد نفسه يكتب منها وفيها وعنها.
كتب في القصة، والرواية، والنقد، والمسرح، والحكاية الشعبية.. حتى غلب عليه الاهتمام بالأدب الحديث تأليفاً، ونقداً، ودراسة، واختصاصاً.
"أحمد زياد محبك"، أستاذ جامعي، وقاص وناقد، وزوج وأب، أعمل أستاذاَ في كلية الآداب بجامعة "حلب"، أدرس فيها الأدب العربي الحديث، وأعمل أيضاً بالتدريس في جامعة الفرات بـ "دير الزور" و"الحسكة"
إنه الدكتور "أحمد زياد محبك"، في حوار مع eSyria بتاريخ (20/10/2008)م، وكانت البداية مع السيرة الذاتية، بعيون الدكتور "محبك" فيقول الدكتور:
«"أحمد زياد محبك"، أستاذ جامعي، وقاص وناقد، وزوج وأب، أعمل أستاذاَ في كلية الآداب بجامعة "حلب"، أدرس فيها الأدب العربي الحديث، وأعمل أيضاً بالتدريس في جامعة الفرات بـ "دير الزور" و"الحسكة"».
وعن مهنته في التدريس يضيف الدكتور "زياد":
«أنا أحب هذه المهنة وأعتز بها، وهي مهنة شرف وأخلاق وعلم، بها أتواصل مع الأجيال، وأجدد حياتي، ففي كل عام جديد ألتقي بجيل جديد، وأجد نفسي متجدداً باستمرار، لا أمل من عملي، وأجد نفسي فيه، ويحفزني على البحث والتأليف، وقد مضى عليّ في هذه المهنة أربعة وثلاثون عاماً».
ويتابع الحديث عن تجاربه الأدبية، يضيف:
«أكتب القصة القصيرة، والبحث والدراسة والمقالة، وقد كتبت عشر مجموعات قصصية، وعندي مجموعة جديدة تنتظر النشر، وعندما برزت القصة القصيرة جداً وجدت نفسي مستجيباً لها، وقد أنجزت ثلاث مجموعات من هذا النوع، وكتابتها ممتعة جداً، وهي تختزن خبرات كثيرة، وقد كتبت رواية واحدة، كما أنجزت أكثر من عشرة كتب في النقد، وربطتني هذه الهواية الممتعة بالصحف والدوريات العربية، فأنا أنشر في الدوريات العربية منذ أربعين عاماً تقريباً، وبفضل هذه الهواية أنا عضو في اتحاد الكتاب العرب، وهي مؤسسة ثقافية حضارية، ترعى الأدب والأدباء، ولها فضل طباعة كثير من مؤلفاتي، وأنا مدين لها ولكل الزملاء فيها بالشكر والتقدير».
أما علاقة الدكتور "محبك" بأسرته فهي: «أفخر بعد ذلك كله بأنني زوج وأب، وأنا أعتز بزوجتي وأولادي، وإليهم أرتاح، ومعهم أعيش، وبهم أجد ذاتي، ولعلي لولاهم ما كتبت حرفاً فهم محور حياتي وسر إبداعي، وأنا الآن في الستين ولكن بهم ومعهم أزداد قوة وحياة».
**«الأدب حاجة إنسانية، لا غنى لأحد عنها، ولا بد من تلبيتها، وأكاد أقول إنها حاجة عضوية، مثلها مثل الماء، فالمرء يحس بشوق إلى الأدب، وكأنه ظامئ، بل هو كالمرآة، والإنسان يحتاج إلى أن يرى نفسه في المرآة، وفي العصور القديمة قبل اختراع المرآة كان الإنسان ينظر إلى ذاته في صفحة الماء، ولكن لا بد من فهم الأدب بمعناه العام الواسع، لا بمعناه الضيق المحدود، ونعني به كل أشكال التعبير الفني الجمالي عن الإنسان، سواء أكان التعبير بالكلمة أم بالصوت أم بالحجر أم بالجسم أم باللون، ومن هنا فإن الأدب يشمل الفنون كلها، فالإنسان يمر بتجربة ما، من فرح أو حزن، سعادة أو شقاء، لذة أو ألم، وهو يجد نفسه محتاجاً إلى التعبير عن التجربة التي عاشها، ويريد أن يحدث الناس عنها كافة، سواء في ذلك سكان المغاور والكهوف في العصور البدائية القديمة، أو سكان ناطحات السحاب في العصور الحديثة، وهو يعبر بالرقص والغناء والموسيقا والنحت والتصوير، ويعبر بالقصة والشعر والمسرح والمقالة والرواية، يعبر برسم ينقشه في الحجر، فالتعبير عن الذات حاجة أساسية لا بد منها، ومن لا يملك الموهبة ولا يستطيع التعبير يستمع إلى الآخرين، ويرى أشكال تعبيرهم، ويجد فيها نفسه، يحس بأنهم يعبرون عنه أيضاً لا عن أنفسهم فقط، ومن هنا كان إقبال الناس على ما يبدعه الأدباء والفنانون من أعمال، لأنهم يستمتعون بها ويجدون فيها تعبيراً عن ذواتهم، بل يرون فيها أنفسهم، وهذا ما يدعى بالتقمص، من خلال الأدب يعرف الناس في أمزجتهم وطبائعهم أكثر مما يعرفهم في الواقع».
** «الأديب لا يمثل نفسه فحسب، بل هو يمثلها ويمثل الآخرين، فهو يعيش في مجتمع، يتصل فيه بالناس كافة، يعرف مشكلاتهم، ويحس بها، ويعاني معهم كما يعانون، ويفرح كما يفرحون، هو المؤشر على واقعهم، والدليل على حياتهم، وقد يعبر عنهم مباشرة، وهو بذلك يعبر عن الآخرين من خلال ذاته، ومن خلال رؤيته لهم، وقد يعبر عن نفسه، وهو بذلك يعبر أيضاً عن الآخرين، ولكن بأسلوب غير مباشر».
ويتابع الدكتور "محبك" التفصيل عن هذه العلاقة:
«في الحقيقة من الصعب فصل الفرد عن المجتمع، أو المجتمع عن الفرد، ومثل هذا الفصل لمجرد الدراسة والبحث، سواء في ذلك الأديب والشاعر والقاص والناقد والموسيقي والفنان التشكيلي والمسرحي، وحتى حين يقدم الأديب أو الفنان عملاً غريباً عن المجتمع، لا يمثل واقعه ولا يعبر عنه، فإن عمله هذا يحمل دليلاً على طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع، ويحمل دليلاً على هذا المجتمع، ولا بد من البحث عن سبب بعد الأديب عن مجتمعه، ولا بد من وجود دلالة معينة، ولا بد هنا من ملاحظة أن الأديب يسعى دائماَ إلى تطوير المجتمع والنهوض به والتقدم نحو ما هو أكثر تطوراً في الفن والفكر والحياة، فليس من الضروري أن يستجيب الأديب دائماً إلى ما يفرضه عليه المجتمع، بل على العكس، فالأديب يرفض ما يمليه عليه المجتمع من تقاليد فنية، والأديب يرفض دائماً ما استقر من مفاهيم وتقاليد ويسعى دائماً إلى التطوير والتجديد، والأديب الحق هو الذي يرفض ما استقر، ويثور على المألوف، فالأديب يسبق مجتمعه، ويقدم له ما هو أكثر تطوراً وتقدماً، ومن المفروض أن يكون الأديب سباقاً ورائداً ومتقدماً، ولذلك يحدث دائماً أن يرفض المجتمع في مرحلة ما أدباً ما، ولكن سرعان ما يتقبله ويأخذ به ويعترف، ومن أمثلة ذلك شعر التفعيلة وشعر "بدر شاكر السيّاب" خاصة، فقد رفضه الواقع الأدبي والاجتماعي في البدء، ولكن أخذ به بعد حين، وقد أصبح "السيّاب" الآن تقليدياً».
** «ليس هناك ما يعزل الناس عن الأدب، أو الأدب عن الناس، الأدب يسعى إلى الوصول إلى الناس والتأثير فيهم، والناس يسعون إلى الأدب ويرغبون فيه، ولكن يحدث أن يقف بعض الناس عند مستوى من الثقافة، أو عند فهم معين للأدب، أو نوع من الأدب، ويريدون للأدب كله أن يكون وفق هذا النوع أو هذا المستوى الذي وقفوا هم عنده، والأدب في حالة تطور مستمر، بل في حالة تجديد مستمر، ومن هنا يحدث بُعد بعض الناس عن الأدب لأنهم لا يتابعون التطور ولا التجديد، ولكن هؤلاء سرعان ما يتجاوزهم الزمن، وينساهم، ويظل الأدب في سيرورته نحو الأرقى والأجمل، ولا بد من التأكيد أن الأدب لا يعني التعبير بالكلمة، لا بد من أن نقر ونحن في القرن الحادي والعشرين بأن هناك من وسائل التعبير وأشكاله ما ينافس التعبير بالكلمة وحدها، فليس الأدب هو الشعر والقصة والرواية فقط، بل إن الأغنية والفيلم والمسلسل التلفزيوني هي أشكال أخرى من الأدب، لأنها تعبر عن الإنسان أيضاً، ولأنها تلبي حاجة الإنسان إلى الأدب، وهي تلبي هذه الحاجة بأساليب أكثر إمتاعاً وبأشكال أكثر إدهاشاً، وتصل إليه بسهولة ويسر ومن غير تعب ولا عناء ولا مشقة، بل تؤثر فيه أكثر مما تؤثر فيه الكلمة المكتوبة والمقروءة، وهذه هي طبيعة الحياة، ولا بد من أن نقر بها، وعلى الأدباء أن يطوروا أدوات تعبيرهم وأشكال توصيلهم، فقد أصبح التلفاز الوسيلة الأكثر تأثيراً في الناس من الكتاب والصحيفة، والأسرع وصولاً إليهم والأسهل في التعامل معه، فهو في كل بيت وفي كل محل وهو في الحافلة والسيارة والقطار والطائرة، ومتابعته لا تحتاج إلى جهد كالذي تحتاجه القراءة، وأياً ما كان فيه من سلبيات، فلا بد من التعامل معه، وعلى الأدباء أن يدركوا أهميته، وألا يتركوه للمسلسل الضعيف والأغنية الهابطة والبرنامج البعيد عن القيم والأخلاق، إن من مهمة الأديب في هذا العصر التعامل مع التلفاز بوصفه وسيلة تعبير عن الذات ووصول إلى الناس».
ـ لمحة عن الدكتور "أحمد زياد محبك": من مواليد "حلب" (1949)م، إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة "حلب" (1972)، دكتوراه في الآداب من جامعة "دمشق" (1984)م، عضو اتحاد الكتاب العرب، حاصل على العديد من الجوائز منها جائزة الباسل للإبداع الفكري عام (1998)م، له العديد من المؤلفات والمشاركات داخل "سورية" وخارجها..