يشهد عالمنا الحاضر حضارة عالمية معاصرة تعتبر المتاحف أحد ميادينها، ومظاهرها، ومفاخرها، وتحرص دول العالم على تأسيس المتاحف، وزيادة عددها، ورفع مستواها، وحسن الإفادة منها، والتفاخر بها، والتحدث عنها وجذب المواطنين والسائحين لزيارتها والاطلاع على مجموعاتها... حتى غدا المتحف أي متحف معيار رقي الأمم ومقياس تقدمها.
وإذا كانت المتاحف كالمكتبات ودور الوثائق تحفظ الممتلكات الثقافية للأجيال المتعاقبة، فإن المتاحف تسهم بهذا الواجب الحضاري ورغبة في تعرف متصفح موقع eSyria على متحف مهم هو متحف التقاليد الشعبية، والذي يكاد يكون الأهم بين متاحف سورية لما يحويه من مقتنيات تعكس جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوري في مختلف المحافظات، التقينا بالسيد "عبد الباسط عرنوس" مراقب المتحف بتاريخ 13/9/2008 وكان هذا الحوار:
لاشك أن ما يحويه متحف التقاليد الشعبية من مقتنيات وآثار ووثائق، ومشاهد توثيقية للحياة الاجتماعية والاقتصادية في دمشق خاصة وسورية عامة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن سورية مهد الحضارات في العلوم والفنون والآداب
*حبذا لو تعطينا فكرة عن تاريخ المتحف وكيف تحول من قصر إلى متحف للتقاليد الشعبية؟
** بداية لابد من القول أن "قصر العظم" حالياً متحف التقاليد الشعبية، يقع على مساحة(5500) متر مربع وسط دمشق القديمة جنوب الجامع الأموي وشمال الشارع المستقيم( مدحت باشا) بناه والي الشام "أسعد باشا العظم" سنة/1749/ م كدار سكن له، ويعتبر نموذج للبيوت الدمشقية القديمة، حيث يقسم إلى ثلاثة أقسام هي "الحرملك" وهو خاص بالعائلة المقربة من "الباشا" وقسم "السلملك" ويضم قاعات استقبال الضيوف، وهو أصغر من القسم الأول وأخيراً قسم "الخدملك" وهو خاص بالخدم والمونة وإعداد الطعام ويقع خلف "الحرملك"، ويضم القصر عدداً من البحرات والنوافير في مختلف أقسامه كما يضم حديقة تحوي عدداً من الأشجار دائمة الخضرة والورود كالياسمين والورد الجوري، وفي بعض القاعات الكبيرة يوجد نوافير أو بحرات للتبريد الطبيعي ، وكانت تغذى من نهر بردى.
ويشير السيد"عرنوس" إلى مشاركة حوالي (800) شخص في عملية البناء من مختلف الاختصاصات ولمدة تجاوزت العامين هي فترة بناء القصر.
وأوضح مراقب المتحف أن فترة ولاية "الباشا" استمرت /15/ سنة وبعدها سكن القصر ورثته حتى عام /1920/، حيث أقامت فيه قوات الاحتلال الفرنسي آنذاك مقراً لحاميتها ( مقر الحامية الفرنسية )، ثم (مركزاً لدراسات الشرق الأوسط )، ومع الاستقلال استملكته الدولة وقامت مديرية الآثار والمتاحف بأعمال الترميم اللازمة، واستخدمته متحفاً للتقاليد الشعبية والمهن اليدوية.
* ماذا عن أقسام المتحف؟
**يحتوي المتحف على متاحف تسمى تواضعاً قاعات وهي: قاعة الكتابة والتدريس وفيها مشهد شيخ الكتاب وهو يقوم بتدريس الأطفال القرآن الكريم واللغة العربية والحساب، كما تضم القاعة لباس الأطفال وزيهم، وأدوات الكتابة من محبرة ومقلمة وأقلام هي عبارة عن قصبات، وحبة رز كتب عليها أسماء الله الحسنى، وقطعة عظم على شكل سيف كتب عليها آيات من الذكر الحكيم، أما قاعة الاستقبال فتحتوي على مفروشات مصنوعة من خشب الجوز المطعم بالصدف، أما قماش المفروشات فهو من البروكار، في حين تضم قاعة الأدوات الموسيقية على آلات وترية ( ربابة، عود، بزق، آلات إيقاعية، مزاهر وطبلة، وآلات نفخية (مزمار)، وتعد قاعة العروس من أجمل قاعات المتحف بما تحتويه من زخارف جدارية وسقفية من الرخام والخشب، ويتوسط عتبة القاعة بحرة صغيرة، وتحتوي القاعة على مشهد العروس، حيث ترتدي العروس ثوباً ابيض، وأمامها قبقاب لتظهر طويلة بين المدعوين، لأنها كانت تتزوج صغيرة السن، وبجانبها أمها والمزينة والمغنية وصندوق العروس وصندوق صغير يحتوي أدوات الزينة، وبجانبها غرفة الحماة وهي المشرفة ومديرة البيت ويظهر المشهد الحماة وهي تشرف على تربية الطفل والكنتين تلعبان بجانبها الـ (البرجيس)، أما غرفة الملك "فيصل" وهو لم يسكن القصر أصلاً، لكن وضعت في المتحف غرفة باسمه تضم أثاث مصنوع من خشب الجوز المطعم بعظم الجمل، أهدي إليه من أهالي الشام أثناء حكمه لسورية في العشرينيات من القرن الماضي، في حين تضم غرفة الحج على مشهد يظهر تقاليد الحج أيام العثمانيين، ولباس الحج، والصناديق، والقافلة، ورقصة المولوية، أما غرفة الأسلحة فتحتوي على بعض الأسلحة النارية، والسيوف الدمشقية القديمة، وواقيات فولاذية لكل أنحاء الجسم، أما المقهى الشعبي فيشير المشهد فيه إلى الحكواتي وهو يروي القصص الخيالية والبطولية، وفرقة موسيقية، وآراكيل، وألعاب، كما يشمل المتحف الحمام وهو نموذج لحمام السوق وقاعة استقبال، وغرفة للنحاسيات، وأخرى للجلديات، وغرفة للنسيج، وغرفة أزياء فيها نماذج من الأزياء المستخدمة في مختلف محافظات القطر.
إحدى السائحات النمساويات قالت:«الحقيقة أن قاعات القصر بما تحويه من زخارف، ورسومات، وخيط عربي، وأشكال هندسية، وأشكال نباتية، وتناوب في الزخارف والألوان( أحمر، أصفر، أبيض، أسود ) تشكل لوحدها متحفاً حقيقياً، ويستطيع الزائر للمتحف أن يشاهد ملخصاً لتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية في سورية عامة ودمشق خاصة».
السيد "عبدو الوغا" مصور فوتوغراف من منطقة زاكية بريف دمشق التقيناه في المتحف بتاريخ /17/10/2008/قال: «تستهويني منذ الصغر عملية الإطلاع والبحث ومتابعة كل ما يتعلق بالتراث القديم وخاصة اللباس والأزياء، وزيارتي للمتحف كانت لهذا الغرض، وقد أسعدني ما رأيت وخاصة الأدوات القديمة المتعلقة بالصيدلة ومزج المواد الدوائية، وأدهشني ما رأيت من الأزياء الشعبية في المحافظات، وخاصة الأزياء الشامية القديمة (الملاية المزّاوية والشال والشروال) وغير ذلك من الأمور المستخدمة في العمل والطهي، وأعتبر هذا من الأمور الهامة والضرورية ليس لي كهاو، بل لغالبية الناس الذين عندهم فقر ثقافي تجاه هذه الأمور التي تربطنا مع ماضينا».
السيد "عبد المجيد فتنة"الباحث والصحفي عضو جمعية إحياء التراث الشعبي في محافظة دمشق قال في اتصال هاتفي معه حول متحف التقاليد الشعبية:«لاشك أن ما يحويه متحف التقاليد الشعبية من مقتنيات وآثار ووثائق، ومشاهد توثيقية للحياة الاجتماعية والاقتصادية في دمشق خاصة وسورية عامة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن سورية مهد الحضارات في العلوم والفنون والآداب».
الشاب "بسام عثمان"(19) سنة التقيناه بتاريخ /17/10/2008/ من الميدان قال: «جئت لزيارة المتحف للاطلاع على تراث الآباء والأجداد، ولاسيما أننا في هذه الأيام نجهل الكثير عن التقاليد الشعبية لتلك الأيام الماضية، حيث الكثير منا يجهل ما يستخدمه الأجداد من لباس وأدوات، وفي زيارتي هذه حققت جزءاً من رغبتي بالمعرفة والاطلاع، وبرأيي الإنسان بحاجة للتواصل مع تراثه، وهو ما يعزز ثقة الإنسان بنفسه، ويشعره بأنه موصول وليس مقطوع».