«لم تكن قرية "امتان" تستضيف فقط الأبطال والشجعان والأمراء والسلاطين كما استضافت "سلطان بن الرشيد" عام 1904، في منزل الشيخ" أبو علي مصطفى الأطرش" الملقب بـ"وجه أخضر" الذي لم يغزو غزوة إلا وكان رابحاً ومنتصراً فيها.

أيضاً كان لقرية "امتان" تاريخ في عالم الفن والموسيقا، إذ إن أهلها يتميزون بالذكاء والفطنة وعلى سبيل المثال، كانوا يسهرون في مضافاتها على أنغام "الرباب" وتأليف أبيات العتابا والتي غالباً ما تكون ارتجالية، والقصائد الشعرية الشعبية الوجدانية والإنسانية والاجتماعية والوطنية، خاصة أن أحد أبنائها المرحوم الشيخ "أبو حمد يوسف العيسمي" عمل أمين سر الثورة السورية الكبرى التي قادها المغفور له "سلطان باشا الأطرش"».

لقد زار الموسيقار الخالد "فريد الأطرش" الجبل وقراه في سنوات قديمة وهو قد ذكر ذلك أمام أهله وذويه، لأن بعضاً من ألحانه قد استمدها من ألحان شعبية من الجبل مثل "حيو البطل بطل الجهاد"، وهذا اللحن مقتبس من الحداء الشعبي عندما كانوا يردد الثوار "يا أم الوحيد وأبكي عليه والموت ما يرحم حدى"، وكذلك في أوبريت "الشرق والغرب، قديش جعودك يا مليحة"، وعلى الفنان أن يكون اكثر التصاقاً مع بيئته كي تصل الكلمة على الحس الوجداني للمتلقي والموسيقار "فريد الأطرش" كان متميز بهذه الخصوصية في ألحانه إذ تراه يسكب لحنه من صميم الواقع والاحداث، وزيارته إلى قرية "امتان" كانت من بين الزيارات التي زارها مع الأمير "حسن الأطرش"، وهو فارس الأغنية والتلحين فلماذا لا يزور قرية "امتان" العريقة بتاريخها واصالتها ويتغنى بها بألحانه الوطنية وهو فارس على الحالتين؟

هذا ما تحدث به الملحن والمطرب "فوزي عليوي" لموقع eSuweda بتاريخ 17/12/2008 وهو يضيف بالقول: «لقد زار الموسيقار الخالد "فريد الأطرش" الجبل وقراه في سنوات قديمة وهو قد ذكر ذلك أمام أهله وذويه، لأن بعضاً من ألحانه قد استمدها من ألحان شعبية من الجبل مثل "حيو البطل بطل الجهاد"، وهذا اللحن مقتبس من الحداء الشعبي عندما كانوا يردد الثوار "يا أم الوحيد وأبكي عليه والموت ما يرحم حدى"، وكذلك في أوبريت "الشرق والغرب، قديش جعودك يا مليحة"، وعلى الفنان أن يكون اكثر التصاقاً مع بيئته كي تصل الكلمة على الحس الوجداني للمتلقي والموسيقار "فريد الأطرش" كان متميز بهذه الخصوصية في ألحانه إذ تراه يسكب لحنه من صميم الواقع والاحداث، وزيارته إلى قرية "امتان" كانت من بين الزيارات التي زارها مع الأمير "حسن الأطرش"، وهو فارس الأغنية والتلحين فلماذا لا يزور قرية "امتان" العريقة بتاريخها واصالتها ويتغنى بها بألحانه الوطنية وهو فارس على الحالتين؟».

المطرب والملحن فوزي عليوي

لأن الموسيقار "فريد الأطرش" الذي يذكر عنه الكاتب "عبد الكريم عبد العزيز الجوادي" أنه لم يكن بالنسبة للغناء الوطني في يوم من الأيام بحاجة لأن يرفع صوته بالغناء أو يجهد نفسه في أداء أغنية وطنية أو أنشودة.. كي يكتب عنه التاريخ أن فلاناً لم يكن فقط مطرباً للعواطف أو فناناً عاش حياته الخاصة مبتعداً عن شؤون أمته وشجونها، إذ إن "فريد" هو من سليل عائلة كتبت بدمائها أروع ملاحم الفداء وضحت بأرواحها وأموالها في سبيل عزة وطنها وكانت على الدوام سيفاً مسلولاً في وجه المحتلين وكانت الدماء العربية التي تجري في عروقهم وتلك الفروسية ذات المعالم الواضحة والبأس والإباء والكرم، وكل هذه العلامات المضيئة التي اهتدى بها "فريد" وسار على هديها، هي التي جعلت من إسهاماته المضافة في الفن رداً فورياً وتسجيلاً واقعياً ذا معالم واضحة في عطائه الممزوج بالحس المرهف والموهبة الأكيدة المتفاعلة مع مخزونه الوطني من المشاعر المتدفقة والتي وجد متنفساً لها في عمله الفني" نلاحظ من رأي الكاتب السابق بأن "فريد" تجاوز الوطنية إلى القومية فغنى/ وردة من دمنا للأخطل الصغير واحنا لها لـ "أبو سعود الأبياري" ويوم الفداء لـ"عبد الجليل وهبة" وغيرها كثير، وسوف أضرب مثالاً على ذلك في أوبريت "بساط الريح" إذ ردد بعد كوبليه "تروح يا بساط على بغداد.. على بغداد.. بلاد خيرات بلاد أمجاد" كلمة: آه يا زلم آه يا زلم.

هل عرف فريد قصيدة "عيون المها بين الرصافة والجسر"؟ ان كلمة ( زَلَمْ) غير معروفة في مصر، وهي عراقية كثيرة الشيوع في العراق ويستعملها أهل الشام وفلسطين ولكن بشكل مختلف قليلا عن لفظ أهل العراق لها. الزلمة وجمعها زِلِمْ تعني رجل ورجال. أهل الشام وفلسطين يلفظون المفردة التي تدل على المفرد (زَلَمة) مفتوحة حرفي الزاي واللام . أما فريد فقد كان يلفظها بصيغة الجمع (زَلَم ) كذلك بفتح حرفي الزاي واللام . في حين يكسر العراقيون هذين الحرفين في تلفظهم للكلمة.

الشيخ أبو علي مصطفى الأطرش

وهو يقول عن ذلك (أي "فريد الأطرش"): "إذا غنيت فإن الكلمة حزينة، وإذا لحنت فإن النغم أكثر حزناً، وكأن الأغنية كلمة وموسيقا هي الجسر الوحيد للتعبير عن هذا الحب".

ولهذا حق للموسيقار أن يكون سفير الأغنية العربية، كما أُطلق عليه "الموسيقار الخالد" وأبو التانغو في الإيقاعات، وإذ كان قد وصل إلى قرية "امتان" في أقصى الجنوب من سورية على فرسه، فإنه وصل بألحانه إلى العالمية لأنّ الموسيقار الخالد "فريد الأطرش" الذي عانى ما عاناه وقدم للموسيقا العربية ما قدمه من تجديد وتطوير وإبداع حتى وصل بها إلى العالمية ابتداءً من المغني العالمي "أنريكو ماسياس" حين بدأ يطعم ألحانه بالإيقاعات الشرقية واقتبس معظمها من "فريد الأطرش" وقدمها إلى الأوروبيين بعد أن وزعها بطريقة أوركسترالية وشجع على تقديمها الموزع الموسيقي الشهير "فرانك بورسيل" وهي "حبيب العمر، ونجوم الليل، وموسيقا ليلى، وزمردة"، لم يتوقف إبداعه الفني عند حدود أوروبا الغربية بل تعداها إلى روسيا من وراء أغنية "يا زهرة في خيالي" التي غناها مغنٍ روسي ثم "وياك وياك" التي تم توزيعها وغناؤها في تركيا قبل أن تلحق بها "زنوبة ويا جميل" التي غنتها المطربة الفرنسية داليدا. وتغنى في تركيا وألمانيا وانجلترا وفرنسا.

فريد الأطرش والأمير حسن الاطرش وعدد من اهل قرية امتان