أينما ذهب وحيث يحل لا بد وأن يرافقه صديقه الذي لا يبادله بصديق، هو عوده الذي يطلق من خلال عزفه أشجان روحه، هو صاحب فرقة الارتجال الموسيقية "آفاق" الذي جال برفقة أعضائها العديد من المناطق السورية.
موقع eHama التقى بالفنان "محمد سعيد جرعتلي" يوم الأحد 21/12/2008 في منزله وكان معه هذا اللقاء.
** في البداية تعلمنا العزف وانطلقنا نتدرب على المقطوعات المعروفة، وأكثرها كان من الأغاني، لتكون رفيقة سهرنا متى اجتمع الأصدقاء، ولكن بعد أن أصبح هاجس الموسيقا هو مشروع بالنسبة لي، كان لا بد من إيجاد صيغة ننطلق من خلالها، ماذا يمكن أن نفعل، فقلنا لم لا يكون للموسيقا عزف ارتجالي هو ابن اللحظة، ابن الحالة التي نعيشها كموسيقيين، فوجدت أن هذا الأسلوب يجعلني منطلقاً في رحاب الموسيقا دون قيود، ولكن ضمن القواعد والسلم والمقامات الموسيقية الثابتة، فما قصدناه بالارتجال ـ وكانت هذه طريقتناـ هو التقارب والمزج ما بين الجاز والصوفي، وهذا يعتبر خط موسيقي جديد، يضاف إلى كثير من الأساليب والخطوط التي يعمل عليها الموسيقيون في الوقت الحالي. كما أنه خلاصة من مجموعة تجارب أصبحت حالياً مدارس موسيقية، كالمدارس العراقية واللبنانية ومدارس بلاد المغرب العربي.
**هو مشروع مؤجل، يبحث عن شعاع للاتجاه الصحيح، حيث إن فرقة "آفاق" وجدت في الوقت الذي يبحث الفرد في المجتمع المحيط عن قضايا خاصة تبعده عن الموسيقا، إضافة إلى الاتجاه الفني العام الذي ابتعد أيضاً عن الموسيقا الصرفة، لأنه لم يعد هناك متسع في العقل البشري للتفكير فيما تقصده الجملة الموسيقية عند المؤلف الذي يطرح الأفكار من خلال فرقة آفاق، فتم التأجيل لمدة معينة ريثما تصاغ أفكار جديدة تستطيع أن تبني علاقة بين المؤلف والعقل المثقل بقضاياه الخاصة.
** تبقى هذه مرهونة بحالات التجارب، وما نقوم به من هذه الحالات الفردية، يوجد صاحب للفكرة، ومساعد لتقديم الأعمال المدونة التي يقدمها للمجموعة التي لا تزيد عن ثلاثة عازفين، حتى تظهر المساحة الحقيقية لأفكار المؤلف، حيث يمكن أن نرى أن التجربة هي بداية لمشروع كبير يمكن أن يجمع هذه التجارب لتؤلف الاوركسترا، لأنه يوجد فرق بين تجربة الثنائي أو الثلاثي، وبين التأليف الأوركسترالي، بالإضافة إلى أن المشروع الموسيقي قد تضافرت فيه قدرات الموسيقيين ومدى ارتباطه وفهمه لكل الأحداث، وحركة العناصر المحيطة في بيئة الإنتاج الموسيقي. والخلاصة أنه على الموسيقي أن يضع يده على الجانب الإنساني وهنا يتضح القصد من تفاوت القدرات، حيث إن التميز بين سلالم وجمل موسيقية لعازف ما لا تعني الجمال الطبيعي الذي نقصده في المعنى مهما كانت الجملة الموسيقية جميلة في السمع، إذا لم تكن تصب في رفع الذائقة الجمالية عند المتلقي وفهم أحاسيس وهدف المؤلف.
** ما قدمناه كان عبارة عن أمسيات موسيقية، وموسيقا مسرح، وألحان، وما زالت هي المشروع الذي سيستمر، لأن ما ذكرناه كان عناصر متممة ومكملة لبعضها البعض، لا يوجد مشروع لم يكتمل، ولكن يوجد مشاريع قيد التحضير، وبداية التنفيذ، مثل وجود الأصوات البشرية مع الفرقة لتكمل هارموني خاصاً بالقطع الموسيقية مع الآلات.
*الموسيقا السيمفوني غائبة عربياً وحاضرة عند الغرب، متى يصبح عندنا ما يسمى موسيقا سيمفونية عربية؟
** الفكرة حكر على أصحابها، ولكن هذا لا يمنع من دخول هذا الفن وخلق ما يمكن أن يسمى سيمفوني عربي، ولكن هذا يحتاج إلى مبدعين وطاقات وآلات ودراسات وجمهور يرتقي بثقافته لفهم هذه الأعمال. غياب هذا النوع من الأعمال عند العرب والشرقيين بشكل عام يكمن في عدم تذوق وفهم هذا النوع من الأعمال لدى الجمهور العريض على الرغم من وجود فرق اوركسترا وطنية في أكثر من بلد عربي مع حداثة عهدها، وأصبح لها جمهورها الخاص ولكنهم ما زالوا قلة، ومع هذا فالأمور تبشر بالخير.
** بشكل عام هي ضعيفة، وتتوفر عدة عوامل لبقائها في هذا المستوى، لأننا نعرف والجميع يعرف أن ما توفر من إمكانيات ووسائل إعلام وفضائيات تغيب الجانب الثقافي في الموسيقا لم يتوفر لتنمية الثقافة الموسيقية، فالمتلقي الذي يجلس أمام التلفزيون ساعات طويلة يسمع فيها نفس (الرتم) مع تغيّر الوجوه فقط، لا يمكن أن يفهم ماذا يجري في الموسيقا ولا يريد أن يتعب نفسه في التفكير والتفريق بين أنواع ما يقدم من موسيقا ومازالت هناك أفكاراً مغلوطة عند شرائح واسعة في المجتمعات العربية عن الموسيقا واختلافها عن الأغنية، فالفصل بينها ضروري، والدمج هو السائد حالياً.
*هل هناك هوية موسيقية عربية مستقلة؟
** يوجد ملامح هوية عربية لا أكثر، لكنها محصورة في مجموعة أسماء، وهي بذلك لا ترتقي لأن تكون هوية عامة، يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر "زياد رحباني"، "شربل روحانا"، "مارسيل خليفة"، "عصام رافع"، "محمد عثمان" وكان الراحل الكبير "منير بشير" من هذه الهوية الخاصة والخاصة جداً، ويخلفه في هذه الفترة المبدع "نصير شمة".
الجدير بالذكر أن الفنان "محمد سعيد الجرعتلي" من مواليد /1967/ يعمل موظفاً في مؤسسة معامل الدفاع، وقد تعلم العزف على آلة العود لوحده من دون معلم إلى أن أصبح يعلمها لمريدي الموسيقا. أسس فرقة "آفاق" الموسيقية وأقام العديد من الحفلات والأمسيات الموسيقية في عدد من المراكز الثقافية في سورية، أميزها ما قدمته الفرقة في حفل تأبين الراحل الكبير "محمد الماغوط" في دار الأسد للثقافة والفنون بـ"دمشق"، بالإضافة إلى حفلات في "حلب" عام /2005/ و"مصياف" عام /2004/ وكثير من الأمسيات في "سلمية" بطلب من الجمعيات الأهلية والثقافية.