معبد للإله "جوبيتر" ثم كنيسة بيزنطية وأخيراً تحول إلى جامع، هو الجامع الأعلى أو كما يسمى الجامع الكبير وذلك لكبر مساحته، حيث يمتد على طول حيّ المدينة جنوبي غرب قلعة "حماة". وقد وصفه الباحث التاريخي "كامل شحادة": «إنه آبدة عمرانية كبـرى في "حماه".. وهو مجموعة بنـاء معقدة تاريخية وجليلة، التقت في رحابه غير حضارة أصيلة، تقـدم مدلولات فنية عظيمة ناتجة دون ريب عما تعاقب من تغييرات في التأليف، وقـد أصبحت جديرة بالبحث والدراسـة...»، جاء هذا الوصف في الدراسة التي أعدها عن الجامع والتي أعادت طباعتها لجنة الجامع بإشراف مديرية أوقاف "حماة".
ومن أهم معالم الجامع: المئذنة الشمالية- المنبر الخشبي المزخرف- المئذنة الجنوبية- قبر الملكين "المنصور والمظفر الأيوبيين" وتابوتهما الخشبي - قبة الخزنة.
في عام /1301/ ميلادية الموافق لسنة /700/ هجرية، زيّن نائب السلطنة في حماة "زين الدين كتبغا" الجامع بمنبر من الخشب الثمين، وهو آية في جمال الحفر والنقش
يقول الباحث "عبد الرزاق زقزوق" عن الجامع في كتيبه "دليل حماة السياحي": «كان في الأصل معبداً رومانياً للإله "جوبيتر"، حوله البيزنطيون إلى كنيسة بعد اعتناقهم المسيحية، وحوله "أبو عبيدة بن الجراح" عند فتح "حماة" إلى جامع، وزاد عليه الخليفة العباسي "المهدي" وحسنّه، كما حسنّه "الملك المظفر الأيوبي"، وبنى بجواره مدرسة».
يقول الباحث "راشد الكيلاني" في الصفحة /80/ من كتابه "تاريخ حماة": «في عام /1301/ ميلادية الموافق لسنة /700/ هجرية، زيّن نائب السلطنة في حماة "زين الدين كتبغا" الجامع بمنبر من الخشب الثمين، وهو آية في جمال الحفر والنقش».
وفي عام /1420/ ميلادي أنشأ "إبراهيم الهاشمي" منارته الشمالية، كما هو مسجل على بابها، كما بنى الحرم الصغير من جهة الشرق والرواق.
وفي الجانب الغربي من الحرم الكبير يوجد ضريح ملكي "حماة" "المنصور الثاني محمد" وابنه "المظفر الثالث محمود"، وكان لهذا الجامع منارة مقطوعة الرأس بابها من الحجر. ويضيف "الكيلاني": «وقد تهدم الجامع بأكمله في حوادث عام /1982/، وتحطم بتهدمه منبر "كتبغا" وتابوت الملكين الأثريين غير أنه قد أعيد بناء هذا الجامع عام /1990/م كما كان في الماضي تقريباً، واستعيض عن تابوت الملكين بتابوت بسيط كما أنه قد استعيض عن المنبر بآخر صغير».
ويقسم الباحث التاريخي "كامل شحادة" الجامع إلى عدة أقسام:
قبة الخزنة: حيث اعتبرت الجزء الأقدم، وبنـاؤها يكاد يكـون نادر الوجود باسـتثناء مدن ثـلاثة هي: "القدس" و"دمشـق" و"حمـاة".
المـئـذنـة الجنـوبية: وهي مربعة قائمة في الـزاوية الجنـوبية الشـرقية من بنـاء الجامـع، وتعتبـر المـآذن بحد ذاتهـا عناصر معمارية إسـلامية هامة جديـرة بالدراسـة والاهتمـام لاحتوائها على زخارف وصناعات كثيـرة وما تتضمنه من نقـوش وتنميقات جميلة فضـلاً عن كونهـا سـجلاً رائعـاً لجميـع الأحـوال التي مر بهـا الفن الإسـلامي منذ وقت مبكـر وحتى وقتنـا.
الـحــرم: وهو الشـطر الجنـوبي من الجامـع، أبعاده (31.45/20.9 م) يتـألف من ثلاث بلاطات وجدرانه الجنـوبي والشـرقي والغـربي أصيلة، كما كانت في المعبد والكاتدرائية.
منبـر الجـامـــع: يقـوم بلصق المحراب بالحـرم وهو بحق آبدة أثرية هامة، صنع من الخشب الطيب السـاج، يرتفـع نحـو /6م/، وامتداده /4.38م/ في الأرض، وعرضه /112 سم/ يصعد إليه بـ/14/ درجة إلى مجلـس الخطيب ومن تحت المجلـس بوابة كبيـرة تصل فـراغ الجانبين وهو يتألف من ثلاثة أقسام: المدخـل، الجانبـان، والكسـوة الداخلية.
ســـدة الــحــرم: وهي تقـوم داخـل البـاب الوسـطي مباشـرةً على أربعـة أعمدة مسـتديرة رخامية طـول الواحـد /350 سم/، وقطـره/50 سم/.
أرض الـحــرم: رصفت ببـلاط بازلتي وقليـل من الحجر الكلـسي. وهنا بعد أن ذكـر الباحث أقسام الحـرم في منبـره ومحرابه وأركـانه وقبـابه وسـدته وأبـوابه تعـرض قليـلاً إلى المراحل الزمنية التي تمت بهـا تلك الأقسـام.
أروقــة الجــامــــع: وهي ثـلاثة مبنية من حجـر كلـسي وبازلتي تطـل على البـاحة وهي: الـرواق الغـربي والشـمالي والشـرقي.
المـئذنـة الـشـماليـة: تقـوم بصدر الـرواق الشـمالي وتتقـدم عنه للأمام بنحـو/50سم/ كما أنها تتـأخر خلفه للشـمال وغالبية بنائهـا من حجـر كلـسي منحـوت متوسـط الحجـم.
صحــن الـجـامـــع: وهـو يتـألف من ثـلاثة أقسـام، قسـمان مصليان صيفيان أحدهما أمام الحرم ذو محرابين والآخـر أمام الـرواق الشـمالي ولـه محـراب.
الكتابات في الجامـع الكـبير بـ"حمـاة":
أقدمهـا الكتابة اليـونانية المنقوشـة حفـراً على حجـر مرمري كبيـر في دعامة الحرم الغربية من الشـمال، والكتابة الثانية تبدو على قـوس من حجـر بازلتي تتـوج النـافذة الجنوبية بأعلى الوجهة الغربيـة من الحـرم، وعلى مرتفـع من قاعدة المئذنة الجنوبيـة كتابتان إحداهما بوجهتها الشرقية والأخرى بوجهتها الجنوبيـة، والكتابات الرابعة في منبـر الحـرم فوق مدخله وجانبه، وكتابات الرواق الشـرقي في الحـرم السـعدي وهي ثماني كتابات وكتابات أعمدة قبة الخزنة وهي ثماني أيضاً.
ويقال إن جامع الأعلى هو خامس الجوامع في الإسلام إلا أن مهندسة الديكور "كرم العبد الله" والتي تجري بحثاً لنيل درجة الماجستير من جماعة القاهرة عن "الحضارة الأيوبية في مدينة حماة" قالت لموقع eSyria بتاريخ 26/4/2009: «هناك بعض الخلافات في التسمية بين "جامع" و"مسجد"، وتقول الروايات التاريخية أن جامع الكبير بالنسبة للفترة التاريخية خامس جامع في الإسلام، ولو أني أعتقد أن التقسيم جاء بناءً على المساحة، البعض يقول أن "الجامع الكبير" هو سادس مسجد وأن هناك مسجداً في منطقة "بصرى" هو الخامس، ولو أن الموضوع بحاجة إلى المزيد من التمحيص التاريخي والبحث».