تفردت مدينة "جيرود" ليس بوجود أنواع من المواد الملحية والكلسية والسيلية فيها بل بوجود هذه المواد مجتمعة في حيز مكاني ضيق جداً ونظرة عامة وشاملة من مكان مرتفع أو من جبل "جيرود" على المنطقة تبدي للناظر تلك البقعة البيضاء التي تتألف من المملحة والمرملة ليثير هذا المنظر تساؤلات كبيرة عن أسباب وجودها، وتكون هذه المواد في هذه المنطقة الضيقة، وهنا لا نستغرب استطراد الأهالي في نشر مختلف صنوف الروايات والأساطير حولها.
ونظراً لأهمية المرملة اقتصادياً وسياحياً وشعبياً نتحدث عن "مملحة جيرود" التي باتت تشكل اليوم موقع سياحي جاذب لأهالي المنطقة عامة لا سيما في فصل الصيف، حيث يتوافد السكان لقضاء السهرات الليلية والتمتع برطوبة مناخها ونقاء هوائها إضافة لإقامة حفلات الدبكة.
قمت بحفر بئر في مزرعتي عام 1980 والتي تبعد عن ضفاف المملحة حوالي 1000 متر بعمق 250م، وفعلاً خرجت مياه غزيرة لكنها تحتوي على الملح بنسبة 012% وهي نسبة عالية جداً مما دفعني إلى هجرة البئر والمزرعة معاً
وحول أهمية المملحة وكيفية تشكلها تحدثنا مع الباحث التاريخي "محمود سمور" مؤلف كتاب "منطقة جيرود في القرنين التاسع عشر والعشرين" بتاريخ 26/4/2009: «إن وجود الإنسان في "جيرود" دلَّت عليه آثاره المُكتشفة عام 1981 م، من قبل البعثة الفرنسية للتنقيب عن الآثار، ويُقدر المختصُّون تاريخ بدء وجود الإنسان هذا، بالفترة التي كان فيها الإنسان القديم "بيبرود" يسكن الكهوف في العصر الحجري، أي في الفترة الممتدة بين "12 إلى 10" آلاف سنة قبل الميلاد، والتي يُطلِق عليها بـ "المرحلة النَطُوفية"، ومن خلال دراسة الأدوات الحجرية المُكتشفة قرب "مملحة جيرود" وبخاصة وجود "الرحى" يتبيَّن بأنَّ الإنسان القديم في "جيرود" عَرَفَ الزراعة منذ الألف السادسة قبل الميلاد تقريباً».
وتابع بقوله: «إن مملحة "جيرود" تكون القعر الأكثر انخفاضاً لبحيرة قديمة جفت مياهها نتيجة شدة التبخر وتحول المناخ العام إلى الجفاف، بالإضافة لأسباب طبيعية عديدة أخرى توضعت هذه المواد على سطح المنخفض، وبذلك ترسبت فيها أطنان من الملح المطروح للاستهلاك بعد جفاف الماء، فالبحيرة تبعد 5 كيلو متر عن مدينة "جيرود" وتقدر مساحتها بـ 1000 هكتار وقد تتوسع هذه المساحة أو تنحسر حسب كمية مياه السيول المتجمعة فيها وتبلغ سعتها نحو 13 مليون متر مكعب، أما كميات الملح المستخرجة وهي بين ( 1000 – 2000 ) طن سنوياً فكانت تنقل إلى المصابغ والدباغات في دمشق».
وعن أثر وجود المملحة وبشكل خاص في السنوات التي تكثر فيها الامطار فقال الحاج "أحمد الحديدي" من سكان المنطقة خلال لقائنا معه: «قمت بحفر بئر في مزرعتي عام 1980 والتي تبعد عن ضفاف المملحة حوالي 1000 متر بعمق 250م، وفعلاً خرجت مياه غزيرة لكنها تحتوي على الملح بنسبة 012% وهي نسبة عالية جداً مما دفعني إلى هجرة البئر والمزرعة معاً».
وعن كيفية استخراج الملح من البحيرة التقينا بالحاج "نصيح بكر" الذي عمل 7 سنوات في استخراج الملح وبيعه: «كنا نقوم بجمع الملح في فصل الصيف وغالباً في تموز وآب حينما تجف مياه الحوض وتظهر طبقات الملح البلورية على السطح، عندها نحفر طرقاً سوية في وسط المملحة ثم نجمع الملح بواسطة أدوات زراعية بسيطة "كالرفوش والمجارف" ليتم نقله بعدها على ظهور الجمال لوضعه أكواماً خارج البحيرة لقاء أجرة بسيطة، وتفادياً لغرق قوائم الدواب في الوحل أثناء نقل الملح إلى محيط المملحة كنا نفضل استخدام الجمال دون سواها نظراً لسعة خفها».