"أيمن الغزالي" كاتب سوري أراد للكلمة قيمة رمزية، فكانت روايته الأولى "الساعد الغربي" رواية تحكي عن وجع المدن، وخرائب الأرواح، وكانت خواطره حكايا يريدنا أن نستمع إليها لنتقاسم معه أحزان الإنسان على هذه الأرض أينما كان، وكيفما كان.
في لقاء خاص لـ eSyria بتاريخ 10/6/2009 حدثنا الأستاذ "أيمن" في مكتبه بدار "نينوى" للنشر عن الكثير من همّ الكاتب، ولحظات الابداع فكان الحوار التالي:
** لا يوجد لحظة واحدة للإبداع، بمعنى أنه لا يمكن التكهن بتلك اللحظة قبل حضورها، إذ لا يمكن القبض عليها كذلك عندما تأتي، وليس هناك من آلية لإقناعها بالبقاء أو الذهاب أو الاستدعاء متى شئنا.
لكن ما يبدو واضحاً بعض الأحيان هو أن الخبرة والثقافة العالية وحالة الامتلاء التي يشعر بها الكاتب حيال الحياة والأشياء توقظ تلك اللحظة التراجيدية التي تنوس بين الصحو والعرفان، وهي أقرب إلى الوجد منها إلى العقل والكبرياء. إنها لحظة غير محتملة بالمعنى المجازي لفعل الكتابة، لهذا يبدو طقس الكتابة حالة خاصة واستثنائية نوعاً ما، أجمل من الحب وأعذب من الحبيبة.
** نعم يتعب الكاتب، لأن الحياة بتفاصيلها دائماً أجمل من الأدب وأكثر عمقاً، يأتي التعب من داخل الأدب ومن خارجه من كينونته وإنسانيته ومن التجارب الكثيفة التي يحملها الكاتب ويشعر بالمسؤولية تجاهها. لهذا تصبح هذه الأمانات ثقيلة على كاهل الكاتب، ولتصبح في لحظة ما رهاناً قاسياً يمكن التخلي عنه.
** مبدئياً لا أعتقد هناك نص خارج التجربة المعاشة أو المتخيلة أو المفترضة وكل ذلك يصب في الفكرة التي هي وليدة فلسفة حياة وفكر ورغم كل ذلك من الصعب اعتبار التجربة الحياتية هي نموذج مفصلي في تكوين الكاتب ونصه معاً، ذلك أن الأدب أغلب الأحيان هو رعش إنساني، ذو منبع أخلاقي وهواجس وأفكار أفلاطونية ليست هي انعكاس لتجربة إنما هي استقراء وأمنيات، فأية تجربة ترتقي إلى ذلك المثال أي واقع يحتمل كل هذا التنزيه والتبجيل على مستوى الأمنية والطموح.
** الحب بتجلياته الإنسانية والروحية هو مصدر هام في ضخ الأدب بالانفعالات والهواجس النرجسية والتي من شأنها خلق كل هذه المناخات التي تعطي للأدب مذاقه الجميل والحميم، ولهذا يبدو الحب والكتابة مطهران للذائقة الحسية والجمالية معاً.
** ليس أعذب الشعر أكذبه، بل أصدقه ولهذا يبقى الشعر الوجداني أحب الشعر إلى قلبي لكونه يخدش حياء عورات الأحاسيس البكر ويطرق أبواباً عميقة الغور في تبدل إيقاعي رهيف قلما يوقظه سقاء في صباح صحراوي. وهناك فرق بين لغة الشعر ولغة الرواية رغم القواسم المشتركة إذا اعتبرنا أن السرد والتكثيف هو لغة بالنهاية ولهذا تبدو المواربة في الكتابة مشروعة ضمن الهدف أو الغاية التي وجد العمل من أجلها.
** أظن هذا قليل، قليل جداً، لأن الواقع أكثر فداحة ومرارة وإيلاماً، ومع ذلك أعتقد أن كمية الحزن واليأس الظاهرة هي قليلة جداً أمام الذي يجري ويحصل، وهذا حسب رأي الكاتب المرحوم "ممدوح عدوان" إن في حياتنا شيء يدعو إلى الجنون، والذي لم يصل إلى الجنون بعد، فهذا يعني أن أحاسيسه متبلدة، فالجنون هو الحالة الطبيعية وليس العكس، ومن هنا أعتقد أن الحزن واليأس هو ظاهري وليس عميقاً لأنه لم يغير أي شيء لا عند الكاتب ولا عند القارئ وبالتالي فالتأثير سطحي ومحدود في الوقت الذي يجب أن يكون التأثير واضح كطلقة المسدس وعميق بالصفة نفسها.
وبدلاً أن تقدم هذه الأوضاع نماذج استثنائية في مجال الإبداع والتأثر والتأثير، عملت العكس فبدت الآن الإبداعات سلبية، تأخذ اتجاهات مختلفة وتبحث في قضايا هامشية وسطحية والدليل على ذلك أدب القضية الفلسطينية.
** التطور من وجهة نظري الآن وخاصة فيما يتعلق بالرواية هو إيجابي، وذلك بعد ظهور تيارات تقليدية كلاسيكية قبل وأثناء الحربين العالميتين، وهذا الانتقال التدريجي في الرواية بكل مفاصلها وأنواعها وبالموازنة مع النقد وتياراته واتجاهاته ساهم بشكل ما في تطورها ونضوجها.
هناك تجارب روائية جيدة على مستوى الوطن العربي عموماً وخاصة في مصر والسعودية. وبذلك تجاوزت الرواية باقي الأجناس الأدبية في تطورها ودورها.
** في الحقيقة لم أفهم قصده تماماً، وإذا كان رأيه أنه لا يرى جديداً من حيث الجنس والنوع والإبداع فهذا رأيه ولا مجال لمصادرته. وهذا أقل حق للمثقف أن يقول رأيه بلا تحفظات وبلا مجاملة وعلى الآخر احترام وجهة نظره، فكيف إذا كان صادر عن الشاعر "أدونيس" ولكن أقول كان عليه توضيح ما معنى الجديد من وجهة نظره.
وإذا حاولت قليلاً أن أنسجم مع ما قاله فأنا أوافقه الرأي ففي مجال البحث والنقد والفكر لا يوجد كتاب في "سورية" وكل الذي نراه هو محاولات لا ترتقي بعمقها وبحثها إلى مستويات مميزة. أما فيما يتعلق بالنقد فهو غائب بكل أشكاله ويغلب عليه طابع القراءة والصحافة ولم يؤسس لشيء إلى الآن. أما في مجال الإبداع (الرواية القصة والشعر) فلم تشهد الأوساط الثقافية نقلة إبداعية خلال السنوات والعهود الماضية باستثناءات بسيطة. لهذا بمراجعة عاجلة نجد أن ما قاله الشاعر "أدونيس" هو صحيح والسؤال هو": لماذا لا يوجد جديد.
** لسنا بحاجة دائماً إلى حروب ودماء وخراب كي نكتب، بصراحة نحن بحاجة إلى لغة أخرى، لغة اسمها الفرح، كي نتعلمه ونحس به، عندها سنكتب أدباً إنسانياً رفيعاً لأن الأدب المرتبط بالموت والقتل والقهر هو أدب انفعالي، يحمل ردود أفعال وخطط عسكرية دفاعية أكثر ما يحمل مشاعر وأحاسيس ونحن بحاجة إلى فرح وكمية من المشاعر لأن الكتابة بالأصل مرتبطة بالسؤال والدهشة والاكتشاف وليس فقط بالموت والحزن.
** المشهد الثقافي السوري، كأي مشهد أو كأي حالة، في حالة مخاض، دون رعاية أو عناية مشددة فهو في العراء يحاول أن ينسج خيوطاً متينة، لكن أرى المشروع صعباً ومعقداً وكأنه بذلك لم يحمل استقراره وتمايزه، إضافة إلى أن المؤسسات الثقافية في واد والثقافة في واد آخر، ثم كيف من الممكن خلق مشهد ثقافي دون رعاية المؤلف والكتاب الذي هو الأهم.
أما ما أستطيع أن أعتبره حلماً حول مستقبل الكتابة أتمنى أن أتفرغ للكتابة باكراً لأن الكتابة تحتاج لذلك في بعض الأحيان لأنها عملية يجب إنجازها على أكمل وجه وضمن ظروفها. أرجو أن يكون هناك مؤسسات أهلية وحكومية قادرة على تكريس مفاهيم وقيم أخلاقية وحضارية حول المشروع الثقافي ككل.
** بصراحة لدي مشاريع كثيرة وضيق الوقت هو السبب في تأخر ظهورها، والآن أنا في المراجعة الأخيرة لروايتي الثانية "قصر الأكاذيب".
كما أنني أعمل على كتاب نقدي حول السرد الروائي العربي المعاصر.
أما المشروع الآخر فهو كتاب قيد الإنجاز عن مفاهيم الحداثة في التشكيل السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام. كما ستصدر طبعة جديدة من كتاب "لذة القراءة في أدب الرواية" بعد إجراء إضافات وتعديلات عليه بسبب الظروف السريعة لإصداره الأول.
من الجدير بالذكر أن الأستاذ "أيمن الغزالي" من مواليد "درعا" 1965
ماجستير في الاقتصاد من جامعة دمشق
مدير دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
مؤلفاته:
لذة القراءة في أدب الرواية – دراسات – دار نينوى 2002
الساعد الغربي – رواية – دار نينوى 2005