"ليلى نصير" اسم بارز في ساحة التشكيل السوري منذ ستينيات القرن الماضي، سافرت إلى "مصر" لتدرس الرسم، شخصيتها الثورية حمتها من أن تكون نسخة مكررة عن بنات جيلها، تسكن في "اللاذقية" وتستلهم من الأسطورة لوحاتها. عُرف عن "ليلى" في مدينتها أنّها أوّل فتاة ترتاد مقاهي الرصيف، فكانت هذه الفتاة ذات الشعر الأحمر الناريّ والطبع الحاد تجلس غير عابئة بأحد لترسم حياة الشارع في أوج صخبها.
وما يزال أحد هذه المقاهي يحتفظ لها بكرسيّها في مكانها المعتاد رغم مرور ما يزيد عن (30) عاماً تشتغل في أعمالها بتقنيات متعددة وذلك باستخدام خليط من المواد المختلفة كالزيتيّ والشمعيّ والباستيل والإكريليك وقلم الرصاص والحبر الصيني، واستفادت كذلك من فنون الطباعة "المينوتيب". شاركت في العديد من المعارض الفردية والجماعية وتمّ تكريمها أكثر من مرة.
حصلت عام 1968 على براءة تقديرية من وزارة الثقافة، ومن رئاسة مجلس الوزراء عام 1989 وكرمت من "بينالي المحبة الثالث" من قبل الدولة عام 1999، وحصلت على براءة تقدير من مجلس لبنان الجنوبي.
تعيش علاقة صادقة وحميمة مع أعمالها وتعيش التجربة قبل رسمها. تتميّز بشغفها وببحثها المتواصل من أجل القبض على أكبر قدر ممكن من الانفعالات والأحاسيس حتى إنها خاطرت بالذهاب إلى لبنان في الثمانينيات أثناء الحرب ومن هناك ومن فوق تلّة أخذت زاوية ما لتراقب "بيروت" الغارقة في الموت ورسمت مباشرةً ما شاهدته من قسوة ووقائع سريالية مخيفة أثناء الحرب، وجسّدت مدى وحشية الحرب في الدمار والعنف والخراب الذي وقع على الناس، ومن هذا المنطلق فهي تحبّ أن تسمّي نفسها (فنّانة تجربة). عاشت مع الأطفال -في مؤسّساتهم- من العميان والمعوقين والمتشردين والأحداث، واقتربت ممن يعملون في بيع الجرائد واليانصيب وماسحي الأحذية ونقلت ذلك مباشرةً من خلال دراسات خطّية على الورق وخزنتها كذاكرة بصرية متراكمة في رأسها.
والجدير بالذكر أن الفنانة ليلى من مواليد "اللاذقية" عام 1941 وقد التقاها elatakia وأجرى الحوار التالي:
** بدأت بكتابة القصة في الرابعة عشرة من عمري متأثرة بأختي التي تكبرني، وبعد حصولي على منحة دراسية مصرية تخصصت في فن التصوير التشكيلي، وحال عودتي لجأت لكتابة القصة القصيرة بتشجيع من "عبدالله عبد" ثم عرجت للشعر، ولأني افتقدت وجود المرسم لجأت لكتابة القصة القصيرة والشعر، ثم انتقلت بعدها إلى "دمشق" فكانت أحسن حالاتي الفنية فيها وأحسن إنتاج فني لي كان في مرسمي الصغير.
وبخصوص سؤالك من نظرة سريعة نجد أن هناك ترابطاً بين فنّ التصوير والشعر والقصة، فبقدر ما يتصف شعري بالتضاد في الصور الشعرية نجد أن التضاد اللوني موجود في اللوحة وأنوّه إلى أن الشعر ليس سوى مجموعة من الصور كما أن الصورة تحوي على مشاهد مرئية. إذن، المفاتيح واحدة في الفن، إنما تختلف فيها الأداة والوسيلة.
** ذكر أحد النقاد أن ملامح شخصيتي توائم الأشكال التي أرسمها بالضرورة أنني صادقة مع نفسي ومتأثرة ببعض ملامح وجهي الذي يصلح كموديل، وكثيراً ما لجأت إلى ذلك ككل فنان، وأنا ابنة هذه المنطقة ملامحي ملامحها لذا ترى أن المنعكسات ليست بالضرورة سلبية بقدر ما هي إيجابية لأنها صلة الوصل ما بين الفنون القديمة في بلدنا وبين حالتنا الحاضرة.
** أرى أن الفنان ابن البيئة والمحيط وما ينعكس بالضرورة على المجتمع ينعكس عليه وبالتالي هو يرسم المرئيات من خلال شخصيته المتفردة. بالضرورة تأثرت أنا ابنة الحضارات القديمة -بالواقع- فجاءت أعمالي تعبيرية قبل أن تكون واقعية لأن هاجسي هو الإنسان الذي يحمل في أعماقه الموت والولادة ـ الليل والنهارـ كما يحمل الحكايا والأساطير ومرئيات عن العمارة والبسط والسجاد والخزف إضافة إلى الشعر والموسيقا والغناء... إلخ هذه المفاتيح في الفن كلّها تقود الفنان إلى التعبيرعن المونولوج الداخلي للإنسان وبالتالي التعبير هو محوري، لكن وجودي في القرن العشرين وبما لفن الاتصالات البصرية المرئية والسمعية من تأثير أقول: إن سمة من هذا العصر قد يشمل أعمالي، هذا العصر الذي يحمل الإنترنت والموبايل والصرعات والذي نفتقد فيه الحب والأسطورة والعدالة.
** أحضر لوحتي من خلال التأمل وما أختزنه من تراكمٍ بصري سرعان ما أنقله على الورق بمجموعة من الدراسات، ومن ثم أقوم بمعالجة الموضوع بمساحات لونية بيضاء وسوداء أي إنني أقوم بتنفيذ العمل بمراحل متتابعة وبعدها أنتقل إلى سطح اللوحة، وقد تتغير بعض الملامح أثناء طقوس عملي فيها فربما أضيف أو أختصر وهكذا فقد انتهي في العمل إلى تشكيل آخر.
** أعيش في إطار هذا التراث شئت أم أبيت فأنا بالضرورة استمرار له وبنظرة سريعة إلى الغناء والفن واللباس والأدوات والفخاريات والعمارة والتقاليد كلها متشكلة بداخلي من حب ووجدان لهذه الأرض الطيبة علماً أن كل فنان عندما يبحث عن الحداثة لا يهرب من جذوره لأن في ذلك صفة الفنان الحقيقي، أما أن ينسلخ الفنان تماماً عن الأرض والمحيط ليعيش عالماً آخر فهذا دون شك مقتل له الفنان الحقيقي هو عفوي بالضرورة بالنسبة لتأثيرات المحيط فلا يفتعل في فنه بقدر ما يعبر عن داخله ورؤيته، فقط من هذا المنظور ارتأيت رسم الأساطير فلقد عبّرت عنها ليس بالمفردات الموجودة في مداخل الآثار الفنية بقدر ماعبّرت عن نظرة حديثة للأساطير جذبتني إلى الهروب من عالمي اليومي الدامي.
** دائماً أفتقد الأمومة ـ لذا تراني لجأت إلى طرح ذوي الحاجات الخاصة والمشردين إدانة لنا دون شك كمجتمع وكفنانين. يجب أن يحمل الطفل الدمية ويغني وهذه مسؤوليتنا جميعاً فظاهرة التسول وماسحي الأحذية وبائعي اليانصيب تحبطني مدانة كالمجتمع تماماً ولم استطع أن أقدم لذوي الحاجات الخاصة سوى طرحهم في معرض في الثمانينيات وبقلم الرصاص كتحريض عن مسؤولية هذه الظاهرة على الساحة الاجتماعية. ومما لا شك فيه أن هذا التواصل معهم فترة أضاف إلى أعمالي دفئاً إنسانياً وموقفاً إنسانياً وحالةً تعبيريةً أبحث عنها. كما أضافت لي تميّزاً في الرسم بقلم الرصاص مما جعلني أبحر في الخط بمعايير الحداثة والمعاصرة معاً ولا زلت أعيش هذا الهاجس اليوم.
** المحيط يؤثر بالفنان من خلال تفكيره ورؤيته الشخصية معبراً عن ذاته أولاً بما يتجلّى من موقفه تجاه الحدث، وهنا ننفي مقولة الفن في خدمة المجتمع وكذلك مقولة الفن في خدمة الفن، أما دور الأهل فلا ننفي أهميته في التأثير لا بل قد يكون أحياناًً الدافع الأول.