قد تكون حياتنا عملية بصورة كبيرة ومتسارعة بشكل لا يوصف فأبعدتنا إلى حد كبير عن احتضان الكتاب بين دفتي كفينا لكن عندما أمسكت رواية "خواطر امرأة لا تعرف العشق" لكاتبتها "د.أسماء معيكل" وقرأت أولى كلماتها لم يكن مني إلا أن أختم قراءتها قبل أن أغفو لأنها وببساطة رسمت حبلا سريا ربط واقعنا الذي نعيشه بكامل أطرافه سياسيا ووجدانيا وأدبيا وحياتيا فتنقلت الكاتبة بين عواطفي كإنسان وعقلي كعربي يعيش واقعا مؤلما وكانت روايتها نتاج أنثوي يتكلم بلسان عربي أنثوي بجدارة.
التقى موقع esyria بالأديبة د."أسماء معيكل" يوم (14/7/2009) عقب نشرها لروايتها الأولى (خواطر امرأة لا تعرف العشق) لتحدثنا عن مراحل كتابة هذه الرواية وأسلوبها وفكرها الذي جاء بين دفتي تلك الرواية فكانت بدايتها في الحديث عن دوافع إنشاء هذه الرواية فقالت: «إن فكرة الكتابة ليست من إختيار الإنسان فلا يكون هناك قرار لاختيار نوع الكتابة من شعر أو نثر ومع أنني بدأت منذ صغري بأمور شعرية إلى حد ما، إلا أنني لم أجد في الشعر المساحة الكافية للتعبير عما يخالجني فتوجهت إلى الرواية لأنها ذات مساحة أكبر تستطيع من خلالها التعبير عما يؤرقك».
هذا النص هو باكورة أعمال "أسماء معيكل" ويبشر فيما نرى بميلاد صوت روائي نسائي عربي متميز لا يعوزه أن يمضي قدما نحو الأفضل والأكمل
وفي تقليب صفحات الرواية نجد أن الكاتبة تنقلت في لغتها بين الشعرية منها والبسيطة التي وصلت إلى درجة الحياتية فحدثتنا عن هذا التناغم قائلة: «كل كاتب لديه طريقة للتعبير وأسلوب متبع ولأن الرواية متعددة الأهداف والأنماط كان هناك تعدد في لغات المخاطبة فأحيانا يفرض على الكاتب نموذج معين من الكتابة بغية محاكاة الواقع المفترض ضمن الحدث المفترض في روايته ولأن الرواية تحمل طبقات متعددة من الأحداث فتطلب ذلك مني تعددا في خطوط المحاكاة والنقل، ويمكن أن أقول أن الصبغة العامة في لغة الرواية كانت شعرية ذات إيقاع معين فحين أقحمت تلك المقطوعات الشعرية التي طلبتها الرواية وليس أنا فلم أكن كاسرة للإيقاع العام بل نشأ تناغم جميل بين النثر والشعر».
وتتابع "المعيكل" في حديثها عن تقسيم الرواية إلى فصول توحي بأنها مذكرات لشخصية ما فتقول: «يمكن تصنيف هذه الرواية على أنها (سيرذاتية) تتحدث عن السيرة الذاتية للشخصية المفترضة في الرواية وهذه الرواية هي سيرة ذاتية وقد تكون مذكرات للشخصية المحورية في الرواية والتي دعيت "سارة سعيد" وهذا النمط جعل الرواية عبارة عن مراحل متعددة ممكن فصلها عن بعضها وجعلها قصة في حد ذاتها».
وفي قراءة الرواية نجد أن الكاتبة قد اعتمدت مبدأ كسر كلاسيكية الرواية متبعة أسلوب قد يكون مغايرا على الرغم من أنها تحدثت بواقعية عن واقع لا يبتعد كثيرا عما نعيشه وجدانيا وحيايتيا رغم أن الرواية تنقلت كثيرا بين أجواء مختلفة منها القومي السياسي ومنها العاطفي الوجداني، فحدثتنا عن وجهة نظرها لهذا الأسلوب الحديث وعن تلك الواقعية التي أوقعتها في مشاكل مع القراء فقالت: «ليس لي أن أقول أنني أسست لمدرسة جديدة إنما أستطيع أن أقول أن نمط الكتابة الحديثة هو الذي أغواني فنحن لم نعد بحاجة للروايات الكلاسيكية لأننا أبناء القرن الواحد والعشرين إذ يتطلب منا نمطا معينا يتلاءم مع طبيعة هذا القرن، ومن جهة الواقعية نلاحظ أنها لا تغيب في العمل رغم تفاوت لغاته وتعدد موضوعاته فهذه المفارقات ما بين السياسة والحب الهادئ وقيود المجتمع وغيرها هي مفارقات تعيش في دواخلنا وتحيط بنا من كل جانب، وإن الانتقال المفاجئ بين الأجواء ليس ببعيد عن الواقعية لأن الرواية لا تتحدث عن الأمور السطحية فحسب بل تغوص إلى أعماق شخصياتها فأكون واقعية بالطرح عندما أتحدث عما يجول من حولك وعما يخالج أفكارك بينك وبينك فكثيرا ما تكون أفكارنا مسافرة إلى المدينة الفاضلة ونحن نجلس أمام الرائي نشاهد مشهد قصف لمدينة معينة أو بلدة ما، وهذه الواقعية جعلت الرواية محط شك لأنها أصبحت قريبة جدا مني فيحسبها الكثيرون على أنها خواطر خاصة بي وهذا أمر يشكل معضلة لكثير من الكتاب حيث يعتقد الكثير من القراء أن الافتراضات الواقعية المضمنة في الرواية منقولة عن تجربة ذاتية للكاتب ذاته وهذا ليس صحيحا بالضرورة لأن هناك مفارقات جمة بين الخيالي والواقعي، وليس للواقعي أن يكون قد حدث بل أي شيء قابل للحدوث هو واقعي، ولابد أن يستفيد الكاتب من مذكراته أو من أحداث حصلت أمامه أو سمعها لكن ليس بالضرورة أن تكون قد حدثت لأن الشخصيات تسير نفسها فدائما هناك فارق بين ما يريده الكاتب وما تم إنتاجه».
وفي لقاء مع رئيس جمعية العاديات في "حلب" السيد "محمد قجة" والذي قرأ الرواية واطلع على مافيها حدثنا عنها قائلا: «إن الدكتورة "أسماء معيكل" معروفة بنشاطها الأدبي والفكري واهتمامها بالنصوص الروائية والشعرية بشكل عام، وروايتها تتميز بوجود الثنائيات ففيها ثنائية الابداع الوجداني والفكر الوطني القومي وهناك تداخل ذكي بين هذين المحورين وهناك ثنائية عالية المستوى بين اللغة الشعرية واللغة السردية وكان هناك سيطرة للموسيقى الإيقاعية الراقية على لغة الرواية في عمومها، وهذا أمر يحسب لصالح الكاتبة ويبرز قدرتها الذكية على إمساك أطراف العمل الإبداعي، وأنا متأكد أن هناك الكثير من القراء سيقولون ليتها اكتفت بالجانب الوجداني العاطفي، لأن الكاتبة لم تستطع أن تخرج من الإطار العام فكان في روايتها جانب سياسي قومي يتحدث عن حال الشارع العربي بواقعيته، إلا أنني أرى أن الجانبين متلازمين ويرتبطان بالكثير من النقاط وبصراحة هذه هي حياتنا وضعت بين أوراق "أسماء معيكل"، فنحن نعيش صراعا دائما بين الجانب السياسي العام والجانب الوجداني الذي يعيش في دواخلنا، ومن يقرأ الرواية يجد أن "سارة سعيد" بطلة الرواية منغمسة جدا في العشق مما يتعارض مع عنوان الرواية الذي قد يكون تحفيزا من كاتبتها فالعنوان قد يكون مضللا أو هاديا، وعلاوة على ذلك استطاعت "أسماء معيكل" أن تعبر من خلال "سارة سعيد" عن المرأة الشرقية المتخبطة بين العادات والتقاليد ومحرضاتها الداخلية الوجدانية الكامنة فيها، وأنا أتصور أن الأعمال القادمة ستكون أكثر نضوجا وإبداعية بشكل أكبر».
وفي مقدمة الرواية نجد تعليقا للأديب "التونسي " الأصل السيد "د.الطاهر الهمامي" فيقول عن الرواية: «هذا النص هو باكورة أعمال "أسماء معيكل" ويبشر فيما نرى بميلاد صوت روائي نسائي عربي متميز لا يعوزه أن يمضي قدما نحو الأفضل والأكمل».
وكانت الكاتبة "المعيكل" قد عمدت إلى طباعة الرواية في دار الأطلس في الجمهورية العربية "التونسية" فعن أسباب ابتعادها عن دور النشر في "سورية" أجابت قائلة: «عمدت إلى طباعة الرواية في جمهورية "تونس" الشقيقة لأسباب كثيرة منها أن دور النشر الخاصة اتبعت أسلوب المتاجرة وهذا أمر يقلل من قيمة الرواية وأنا لم أكن على استعداد لأن أدفع مقابل نشر روايتي فأنا أعمل لأجل الثقافة وليس لأجل الربح المادي، ومن جهة أخرى فإن الجهات الحكومية كاتحاد كتاب العرب ووزارة الثقافة لم يكن لديهم الاهتمام الكبير في نشر الروايات فهي تهتم بنشر الدراسات والأبحاث للمنتسبين إليها فحسب، وكان التواصل مع دار النشر "الأطلس" في "تونس" سهلا وعن طريق البريد الإلكتروني ومع أنهم لا يعرفون حتى صورة وجهي إلا أنهم اهتموا بالموضوع وعملو على طباعة ونشر الرواية مجانا دون أن يكلفوني ليرة واحدة ولكن لم يرسلوا نسخا كافية إلى "سورية"، وقدموا لي وعدا بنشر هذه الرواية في معرض الكتاب الذي سيحط رحاله في "دمشق" في الأشهر القليلة القادمة من العام الحالي».
ويدلو بدلوه "القجة" عن ذات الموضوع فيقول: «أنا أؤيد طباعة الرواية خارج "سورية" وذلك لتوطيد العلاقات الفكرية والتعاون الادبي الفكري فيما بين الاقطار العربية وهذا لن يمنع انتشار الرواية في "سورية" وموضوع الطباعة لا يتعلق بمدينة "حلب" فحسب لأننا نمتلك في "سورية" ثلاثة فئات تهتم بنشر وطباعة الكتب الثقافية والنتاج الفكري الأدبي وهم وزارة الثقافة واتحاد كتاب العرب ودور النشر الخاصة، وهذه الدور تختلف آلية عملها فدور النشر الخاصة تهتم بالموضوع المادي فدائما يفكر اصحابها بالمردود المادي وإن الكاتبة "أسماء معيكل" ليست كاتبة ذات اسم مشهور فروايتها بالنسبة لهم ليست عملا رابحا بل مغامرة لذا يكلفونها بتكاليف الطباعة، أما وزارة الثقافة واتحاد كتاب العرب فهما يفتحان الأبواب أمام طباعة الكتب الأدبية لكن لابد لهما من روتين معين يأخذ وقتا».
يذكر أن الأديبة "أسماء معيكل هي من مواليد "معارة النعسان" في محافظة "إدلب" عام (1972) تحمل إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة "حلب" ودبلوم دراسات عليا قسم الدراسات الأدبية وماجستير في اللغة العربية وآدابها قسم الدرسات الأدبية اختصاص نظرية الأدب ودكتوراة في الأدب اختصاص نقد أدبي حيث من جامعة "عين شمس" مدرسة لمادة النقد الحديث في قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة "حلب" عضوة الجمعية المصرية للنقد الأدبي عضو دائم في لجنة تحكيم مهرجان تشرين للأدباء الشباب لها العديد من الدراسات المنشورة في المجلات المحلية والعربية منها (التراث العربي – البحوث – الموقف الأدبي – كراسات تونسية – الحياة الثقافية ومجلة عمان).