نداءات استغاثة وجهها موقع بلدة "كفربو" الإلكتروني على شبكة الانترنت ناشد فيها جميع الإعلاميين والمسؤولين في سورية، لإنقاذ مغارة تقع تحت رحمة تفجيرات مقالع معمل إسمنت "حماة" وتم نشر العديد من الصور للمغارة على عدد من مواقع الإنترنت.
الذي دفعنا لاستكشاف الأمر هو وجود مغارة قديمة حدثنا بعض أهالي البلدة أنها كانت متواجدة منذ بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، وقد تمت إزالتها بالكامل مع أن هناك بعثة أجنبية قامت بزيارتها وأشارت إلى جماليتها.
في حال وجود هذه المغارة كما تم وصفها، فمن لديه الجرأة لينسف مغارة بهذه الأهمية؟
ونظراً لسياسة مدونة وطن eSyria المهتمة بإظهار وتدوين كل ما له علاقة بالآثار والسياحة والثقافة قمنا بتلبية النداء، وتوجهنا إلى بلدة "كفربو".
ما حصل كان أشبه بمشاهد درامية عنوانها الإهمال، إلا أن النهاية كانت سارة ولو أنها بدت أشبه بكارثة في أغلب الأحيان، إلا أن المحصلة النهائية ومراقبة لحظات فتح باب المغارة ومشاهدة الصواعد والنوازل هوّن علينا كلّ التعب.
• المشهد الأول: (في مكتب رئيس بلدية "كفربو")
وصلنا إلى بلدية "كفربو" برفقة مدير سياحة "حماة" المهندس "مرهف أرحيم" عند حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً من يوم الأحد 1 تشرين الثاني 2009، ولدى سؤالنا لرئيس البلدية السيد "مرهف جروح شيحة" حول ما يثار عن المغارة قال: «تبلغنا من أحد المواطنين بوجود مغارة في أحد مقالع معمل الإسمنت، بلغنا السيد المحافظ، ووجهنا السيد المحافظ باستكشاف الوضع، في البداية منعنا من الدخول إلى مكان المغارة، اتصلنا بالسيد المحافظ الذي قال لي أنك رئيس بلدية وتمثل المحافظ في حدود بلدتك ووجه بدخولي إلى المعمل».
وأضاف رئيس البلدية: «تبلغ مساحة أرض المقلع حوالي 50 دونماً، وبالفعل توجهنا إلى مكان المغارة، ووجدنا أن موقع المغارة مازال أثره بالكامل، كما أن مساحة التفجير في موقع المغارة بلغت مساحة 400 متر مربع.
المهندسون الموجودون في الموقع أنكروا وجود المغارة حينها، وكان برفقتي السيد "نجيب سعادة" والسيد "إيليا زيدان"، والأب "جورج خوري"».
وقال السيد "مرهف شيحة": «وجدنا حينها بعض القطع الصخرية التي تدل على وجود المغارة، بعض المهندسين الذين تواجدوا في المكان عللوا ذلك أنه من الطبيعي وجود بعض القطع الصخرية ذات الأشكال الغريبة، وقالوا أن ما عثروا عليه لم يكن مغارة بل كان عبارة عن قطع حجرية تعطي "بصة فوسفورية"، وهي عبارة عن صواعد ونوازل تظهر في الفراغات الصخرية، فقد كان واضحاً أنه تم تفجير المنطقة وإزالة الصخر وترحيله إلى المكسر، فنحن لم نرصد الموضوع منذ بدايته، لأن معمل الإسمنت لديه الصلاحية بالتفجير في أي وقت».
وجاء تقرير اللجنة المشكلة حينذاك بعدم وجود مغارة وأن الأحجار المكتشفة هي مجرد أحجار نتيجة بعض الفجوات الطبيعية داخل الأرض، وهي تتواجد في كل أنواع المقالع.
أما رده عمّا أثير في موقع "كفربو" الإلكتروني حول وجود المغارة فقال "شيحة": «أنا لم أر أي مغارة أو أشاهدها، كما أن من كتب في موقع الانترنت لم يكن متواجداً معنا، ومن أشاع الخبر في المحطات الإعلامية كان يجب أن يأتي إلينا ويرينا موقع المغارة فعلاً».
في حوالي الساعة الواحدة ظهراً التحق بنا السيد "عماد إبراهيم" مدير موقع "كفربو" الإلكتروني إلى مكتب رئيس البلدية، والذي حدثنا عن المغارة الأولى التي سويت بالأرض، أما ما يخص المغارة الثانية الحديثة فقال: «أعضاء إدارة الموقع هم من قاموا بتوجيه النداء، وإن المغارة الجديدة أكبر من المغارة القديمة وأهم وأجمل منها».
عندها طرح مدير السياحة تساؤلاً هاماً: «في حال وجود هذه المغارة كما تم وصفها، فمن لديه الجرأة لينسف مغارة بهذه الأهمية؟».
• المشهد الثاني: (في مكتب رئيس البلدية أيضاً)
اتصل السيد "عماد إبراهيم" بالمهندس "كلود محفوض" أحد إداريي موقع "كفربو" والذي كان على اطلاع مباشر على موضوع المغارة، فوجهنا له سؤالاً مباشراً، هل المغارة موجودة؟
فأجاب: «موجودة وأستطيع أخذكم إلى مكانها».
عندها اتصلنا بمدير معمل الإسمنت السيد "عثمان الأمير" والذي دعانا إلى المعمل لاستكشاف المكان عن كثب، رغبة منه بالتصريح بعد ساعدنا بزيارة موقع المغارة المزعومة، فركبنا سيارته وخرجنا بموكب مؤلف من 5 سيارات هي سيارة مدير عام الشركة، وسيارة رئيس البلدية، سيارة مدير السياحة، سيارة أمين الفرقة الحزبية، وسيارة الصديق "فادي كلبون"، كما كانت أيضاً مراسلة موقع سيريانيوز الإخباري الآنسة "لارا علي".
• المشهد الثالث: (في مقلع شركة الإسمنت)
بعد مسير حوالي 2 كم ضمن مقالع معمل الإسمنت، توقفنا في مكان كانت أرضيته الحمراء الغضارية مزالة بالكامل، كما لاحظنا وجود بعض أعمال التجريف في مناطق مجاورة.
أشار رئيس البلدية إلى مكان المغارة فلم نجد سوى جرف صخري وبالقرب منه عدة مناطق مردومة، وعندها طلب مدير معمل الإسمنت من المهندس "كلود محفوض" بأن يدله على مكان وجود المغارة، فأشار "محفوض" إلى مكان تتواجد فيه تلة من الردميات ويقع على حافة جرف ترابي.
صعدت إلى كتف التلة الترابية حيث بدت واضحة للعيان آثار آلية ثقيلة على الأرض يبدو وكأنها هي من نقل هذا الركام إلى هنا. طلبنا تدخل البلدوزر لإجلاء الردميات، فطلب مدير معمل الإسمنت من مدير الآليات في المقلع استقدام البلدوزر، وبالفعل تم البدء بعملية إزالة الردميات.
• المشهد الرابع: (البلدوزر يزيل الركام، والمغارة بين الحقيقة والخيال)
الجميع راقب بصمت كبير البلدوزر وهو يزيل الركام من المغارة، وما هي إلا دقائق قليلة حتى بدا مدخل المغارة واضحاً للعيان، تقدمنا بكاميراتنا ورأينا عدداً من الصواعد والنوازل والأشكال الصخرية المتملحة ذات الشكل الجميل.
• المشهد الخامس (مغارة "كفربو" حقيقة لا خيال)
بعد اطلاعنا وثبوت وجود المغارة والتي ردمت بفعل فاعل التقينا بالمهندس "ياسين جاموس" وهو الخبير الجيولوجي في معمل الإسمنت حيث قال: «هو كهف عادي تشكّل عبر ملايين السنين، وقد نجد مثل هذه الأشكال في كثير من المقالع، حيث توقفنا عن التفجير بهذا الاتجاه لأسباب خاصة تتعلق بالأمان».
أما المهندس "مرهف أرحيم" مدير سياحة "حماة" فقال: «لحظة الولادة تمت بمساعدتكم وهي اللحظة الأهم في تاريخ كل إنسان، وهي لحظة اكتشاف المغارة بشكل فعلي، من خلال النظرة الأولى أستطيع القول أنه يوجد في المغارة مقومات سياحية جميلة، وقد طلبنا من معمل الإسمنت منع محاولات العبث بالمغارة، وسيكون لنا إجراءات لاستثمارها».
وأضاف "أرحيم": «تندرج المغارة تحت ما يسمى سياحة المغاور وسنقوم بتكليف هيئة الاستشعار عن بعد عن طريق وزارة السياحة للكشف عن تكهفات المغارة وامتدادها وتأمين عناصر الحماية لزوار هذه المغارة مستقبلاً ومن ثم وضعها كمنتج سياحي جديد في محافظة "حماة"».
أما مدير المعمل فقال: «ما شاهدناه من عمق لا يكفي، فقد يكون هذا المكان عبارة عن كهف، لكني لا أعتقد أنه يصل إلى درجة المغارة التي لها طول مئات الأمتار أو حتى إلى درجة الاستثمار السياحي، وفي أثناء التفجيرات التي نقوم بها في المقالع عادة، قد نعثر على مثل هذه التكهفات ونزيلها».
وعن سبب توقف الحفريات في اتجاه المغارة وسبب ردم هذا التكهف "كما أسماه" قال: «لم يعد لنا عمل هنا بسبب وجود خط قريب للغاز وبالتالي انتهى عملنا بهذه الجهة وسبب ردمها هو عدم تضرر أحد أو سقوطه في تجويفها».
السيد "سليمان ديب" رئيس تشغيل الآليات في المقلع قال: «تظهر عادة العديد من الفجوات أثناء عملنا، وهي أمور طبيعية، ونحن توقفنا منذ فترة عن العمل بهذه الجهة التي تقع المغارة فيها وأخذنا اتجاهاً آخر».
أما السيد "عماد إبراهيم" فقال بعد اكتشاف المغارة: «المعمل هدم وفجر أكثر من ثلاثين متراً من المغارة، أي أن ما شاهدناه اليوم هو مدخل متقدم، لا أعتبر أن ما حصل هو عمل مقصود، بل أنه كان له مبرر من وجهة نظر إدارة المعمل هو الاستمرار في تأمين المواد الأولية لمنتج الاسمنت».
المهندس "كلود محفوض" قال: «نحن سعيدون اليوم بما حققناه بالكشف عن المغارة، ولكن تبقى المغارة في خطر إن لم تتوج جهود اليوم بالمتابعة».
قبل المغادرة (انتبهنا) إلى مكان مجاور ردم بنفس الطريقة لربما يكون مدخلاً آخر للمغارة، أو ربما يكون باباً لمغارة أخرى مجاورة..!
• المشهد السادس (المتابعة حاضرة)
تجاوب السيد "عثمان الأمير" مدير معمل الإسمنت وقال لنا: «المغارة الآن تحت تصرف بلدية "كفربهم"، ويمكنها أن تأتي بعمال لتتمكن من البحث والتنقيب بها».
بعد ذلك مباشرة شرح السيد مدير السياحة الأستاذ "مرهف أرحيم" للسيد محافظ "حماة" "عبد الرزاق القطيني" هاتفياً ما جرى بالتفصيل واتصل السيد المحافظ بمدير معمل الإسمنت وأبلغه بضرورة عدم المس أو الحفر في حرم هذه المغارة ووجوب وضع حارس لها ريثما تتم الإجراءات اللازمة، كما أبلغ السيد المحافظ أيضاً رئيس بلدية "كفربو" للقيام بالإجراءات اللازمة.
بقي أن نذكر أن اسم بلدة "كفربهم" متعارف عليه باسم "كفربو" وتبعد إلى الجنوب الغربي من مدينة "حماة" بحوالي 9 كم.