تروي مسرحية "الشريط الأخير" التي كتبها الإيرلندي "صموئيل بيكيت" عام 1985، وأخرجها الدكتور "أسامة غنم" ذكريات رجل عجوز - يجسده الفنان "محمد آل رشي"- يستمع لشريط سجّل عليه ذكرياته على مدى ثلاثين عاماً، لنكتشف من خلال تلك التسجيلات عزلة يعيشها هذا الرجل مع أحداث تائهة بين الواقعي والمتخيَّل من حياته ومن قراءاته الأدبية، خاصة علاقته مع حبيبته القادمة من رواية "آنا كارنينا"، حيث أقحم نفسه بطلاً للرواية وحبيباً لتلك الشخصية، لتطفو على السطح الكثير من هواجسه ورغباته المكبوتة.
وأكثر ما يميز هذا العرض تخليه عن عناصر المسرح التقليدية ابتداءً بالحوار.. مروراً بالزمن.. وصولاً إلى تركيبة الشخصية، بحيث تم تجسيد ملامح مسرح العبث "البيكيتي" بشكل دقيق، مما أحال هذه المسرحية إلى صيغة متحفية بعض الشيء وجعل رتابتها الظاهرية مشحونة بفوضى التفاصيل الصغيرة والهامة في الوقت ذاته.
يقول الدكتور "أسامة غنم" مخرج العرض أنه حاول من خلال هذا النص التصدي إلى نوع مسرحي لم يعتد عليه الجمهور السوري كثيراً، مبيناً أن هذا النص بحاجة إلى جرعة عالية من التفكّر فيه قائلاً: «لماذا لا يكون المسرح محفزاً على التفكير».
وأضاف أن إدخال التسجيل الإذاعي إلى المسرح والمزاوجة بين هذين الفنين المختلفين كان تحدياً حقيقياً، وأن الدور الأكبر كان للطاقة التمثيلية العالية للفنان "آل رشي" والتي استطاعت حمل هذا النص بكل عبثيته.
وأوضح الدكتور "أسامة" أن إعداد العرض كان يتضمن قصة بعنوان "الأب" للأديب الألماني "هاينر مولر"، إضافة إلى نص الكاتب الإيرلندي "صموئيل بيكيت" لكن ظروف خاصة حالت دون تحقيق العرض بصورته الحقيقية، ووعد أن يتم تقديمه بصيغته الكاملة في المستقبل القريب.
من جهته قال "برنار جمعة" المتابع لشؤون المسرح في سورية أن خيار اللغة الفصحى لم يكن في صالح العرض، لافتاً إلى ضرورة تقريب الشخصية "البيكيتية" من الجمهور أكثر، ونقل عبثيتها بحيث تصبح شخصية من الواقع السوري ولها مشاعر سورية وطريقة تفكير سورية.
في حين تعتقد "دوناتيلا عجيب"- خمسة وثلاثون عاماً- أنه من المفترض ألا يتسرب الملل إلى الجمهور مهما كان النص صعباً، وترى أنه يمكن تحقيق ذلك عبر إيجاد ديناميكية أكبر للعرض، دون الغوص في متاهات اللغة وإسقاطاتها النفسية، لأن ذلك يشتت المتفرج، ولا يبقيه في جو العرض.
أما "وسيم بيطار" العاشق لفن "بيكيت" العبثي فوجد أن هذا العرض ارتقى بالذائقة المسرحية السورية لأعلى درجاتها من خلال اتباع تفاصيل دقيقة تفرضها نصوص هذا الكاتب الإيرلندي الكبير سواء في طريقة الحوار الذي لا يفضي إلى الكثير مثل حواريات مسرحية "في انتظار غودو"، بينما اعتبرت "منال عيسى" - ثمانية وعشرون عاماً- أن التركيز على الجانب الصوتي الإذاعي دون تحقيق فرجة متنوعة أدى إلى دفع العرض باتجاه صنمية شكلية دون أي حيوية على المستوى البصري، وهذا أفضى إلى رتابة كبيرة وملل في كثير من المقاطع.
يذكر أن العرض من إنتاج المعهد السويدي للمسرح بتعاون من الدكتورة "ماري إلياس"، ويستمر حتى العاشر منه على مسرح الاستعمالات المتعددة في دار الأسد للثقافة والفنون.