يُذكر في الكتاب المقدس أن أبرشية "بصرى" و"حوران" و"جبل العرب" و"الجولان" للروم الأرثوذكس والتي تقع حالياً في مدينة السويداء في شارع القنوات، تباركت بلجوء القديس "بولس الرسول" إليها، وبقائه فيها ثلاث سنوات، وذلك على أثر هروبه من اليهود الذين كانوا يترصدون به.
وبحسب ما ذكره سيادة المطران "سابا إسبر" راعي الأبرشية في حديثه لموقع eSuweda عن نشأة الأبرشية حيث قال: «كانت تقع الأبرشية في جنوب سورية، وحدودها الجغرافية هي حدود الولاية المسماة العربية في عهد الإمبراطورية الرومانية، أما اليوم فتقع الأبرشية في وسط مدينة "السويداء" بشارع "القنوات"، ورد اسمها في الكتاب المقدس، أكثر من مرة وزارها الرسل والقديسون.
لدينا الكثير من الأعمال التي تركت الأثر الجيد على الأرض منها مشروع الخبز للجميع، ومستوصف الحكمة، وبيت الطلبة، والمضافة، ولدينا استثمارات بالأرض الزراعية، وكل ذلك من أجل أن يعود الناس إلى هنا بدلاً من الهجرة، ومن أجل زيادة اللحمة مع الناس الطيبين في "السويداء"
بلغ عدد الأسقفيات التابعة لها في تلك الفترات اثنتين وأربعين، ثم تقلص وغدا اسمها أبرشية بصرى وحوران وجبل العرب والجولان، وشارك أساقفتها في المجامع المسكونية وعملوا على نشر الإيمان المستقيم بين قبائل العرب.
وقد عرفت هذه الأبرشية في القرن العشرين أسوأ عهودها حتى العام1920 كانت الأكبر في أنطاكيا عددياً، واحتلت المرتبة الثانية بين أبرشيات الكرسي الأرثوذكسي الأنطاكي على مدى قرون، لكن عوامل كثيرة ساهمت في تدهور وضعها، منها إهمال المطارنة الذين تعاقبوا عليها، والهجرة والأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الصعبة».
وعن أوضاع الأبرشية في مطلع القرن العشرين يعرض المطران "إسبر" لأهم المحطات في تاريخ المطرانية، بالقول: «كانت نسبة الديانة المسيحية فيها 55%، أما اليوم فلا تتعدى 2-3% وتضم حاليا عشرين ألفا من مؤمنيها المقيمين بشكل دائم، ويتوزع هؤلاء على 32 رعية، يتراوح عدد الأسر في العائلة الواحدة منها بين خمس وأربعمئة، بينما يقيم في دمشق أكثر من مئة وثلاثين ألفا من أبنائها، وتقطن أغلبيتهم في أكثر أحياء دمشق شعبية مثل "الدويلعة" و"الطبالة" في "دمشق"، هؤلاء يتردد قسم كبير منهم إلى قراهم في الصيف وفي العطل السنوية، ومنهم من يتابع زراعة ما تبقى له من أرض وآخرون يهربون من ضجيج العاصمة إلى هدوء الريف.
نزح المؤمنون عن أبرشيتهم قبل بدء القرن العشرين إما هربا من انعدام الأمن والثورات المتتالية، ونظام السخرة في العصر العثماني، أو بسبب موجات الجراد والأوبئة ومواسم الجفاف، وإما طلباً للعلم في المدن، أو بحثا عن الرزق وأخيرا نزح كل المؤمنين من جبال الجولان عن قراهم، بعد أن احتلت إسرائيل المنطقة في العام 1976، وفي الأبرشية التي تعتمد كليا على الزراعة المطرية، وبفعل الجفاف الذي يضرب الجنوب السوري مرة كل خمس سنوات، عم الفقر المدقع معظم البيوت وهذا ما دفع بالعائلات إلى مغادرة قراهم وبلدتهم باتجاه "بيروت" و"دمشق" خاصة بعد 1925، أي بعد الثورة السورية الكبرى التي قادها "سلطان باشا الأطرش" ضد الانتداب الفرنسي، وإلى أميركا الوسطى قبل هذا التاريخ فتركت الأبرشية من دون موارد بشرية ومادية، حتى إنها خلت من الأوقاف والجمعيات والمؤسسات والأديرة».
أما عن الوضع الروحي للأبرشية، فيوضح المطران "إسبر": «لم يكن للأبرشية مقرٌ يسكنه المطران، فآثر المطارنة الإقامة الدائمة في "دمشق" منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى العام 1962 حين شيدت دار للمطرانية في مدينة "السويداء" ومع ذلك ظل المطران يقيم في دمشق ويزور الأبرشية بفترات متقطعة، حتى العام 1996 عندما انتقل للعيش في "بيروت" فترسخ الإهمال وشعر المؤمنون أنهم منبوذون ومنقطعون عن سائر العالم الأرثوذكسي، إلى أن تقرر عودة المطران إلى مقره في مدينة "السويداء"، ونحن نمارس عملنا منذ ذلك التاريخ، وقد قمنا بالكثير من أجل أن تبقى المطرانية عامرة، وتساهم مع باقي الطوائف في خدمة البلد والمواطنين».
أما عن النموذج العمراني الحالي للأبرشية فقال: «تقع المطرانية في أهم شوارع المدينة، وتحديداً في الوسط من شارع "قنوات"، وعندما عدنا إلى هنا لم يكن الوضع مناسباً، وقد بدأنا العمل من أجل تطوير المطرانية، فلدينا الآن بيت الرهبان الذي يضم المسكن والمكتبة والمضافة، ومكتب المطران، وباشرنا في بناء الكنيسة حتى أصبحت على ما هي عليه، وكانت المطرانية السباقة في بناء بيت للطلبة، ومقر لمبيت ضيوف "السويداء"، وقد افتتحنا منذ وقت قريب طابقاً ثانياً للسياحة، وقد تبرع المغتربون في بناء صالة للمناسبات، ومن حيث السكان فهنا يتواجد ثمانية رهبان، وعدد من العاملين في مشاريع المطرانية، منهم من يعمل تطوعاً كمشروع الخبز للجميع».
ويختم المطران "إسبر" الحديث عن الأعمال التي يقومون فيها خدمة للمجتمع بالقول: «لدينا الكثير من الأعمال التي تركت الأثر الجيد على الأرض منها مشروع الخبز للجميع، ومستوصف الحكمة، وبيت الطلبة، والمضافة، ولدينا استثمارات بالأرض الزراعية، وكل ذلك من أجل أن يعود الناس إلى هنا بدلاً من الهجرة، ومن أجل زيادة اللحمة مع الناس الطيبين في "السويداء"».