يعد مقهى "البرازيل" أحد أهم المقاهي السياسية في أربعينيات القرن الماضي، وظل عنواناً لكثير من الأسماء الكبيرة التي أثرت في الحياة السياسية والثقافية في "دمشق" خلال مدة تواجده القصيرة نسبياً والتي وصلت إلى ربع قرن، وقد اختفى اليوم وخرج مكانه برج تجاري طويل.
وكما كان مقهى "البرازيل" يقابل مقهى "هافانا" سياسياً؛ فقد قابله مكانياً كذلك فمكانه بمحاذاة جامع "الطاووسية" باتجاه ساحة "المحافظة"، وهذا جعله قريباً من مسرح الأحداث السياسية والفعاليات الثقافية.
كان المقهى يفتح أبوابه من السادسة صباحاً ليستقبل زواره من السياسيين والمثقفين وأصحاب الوظائف الحكومية الذين كانوا يحرصون على زيارته كل يوم، ولو لفترة زمنية بسيطة؛ ويغلق عند التاسعة، فكان الزوار يمرون عليه قبل الذهاب إلى العمل في الثامنة صباحاً، أو بعد الخروج من العمل، وعاش مقهى "البرازيل" المراحل التي عاشتها باقي المقاهي السياسية، وظل محافظاً على مكانته الثقافية لحين صدور الأمر بهدمه، وبناء برج تجاري مكانه
السيد "جورج دياب" والذي أدار والده "خليل دياب" مقهى البرازيل عندما كان المقهى ملتقى الأدباء والمفكرين، التقاه موقع eSyria ليحدثنا عن المقهى بقوله:
«مقهى "البرازيل" أحد ثلاثة مقاهي افتتحت عن طريق "السفارة البرازيلية" في "دمشق"، "حمص"، و"حلب"، بهدف تسويق "البن البرازيلي" في "سورية"، والمقاهي الثلاثة كانت تحمل اسماً واحداً "café de Brazil"، وإلى مقهى "البرازيل" في "دمشق" دخلت أول آلة "أكسبرسو" لتحضير القهوة إلى "سورية" قبل سبعين عاماً.
بدأ مقهى "البرازيل" استقبال زبائنه من أبناء العائلات المحسوبة على الطبقة الراقية والمثقفة في المجتمع، وأخذ يقدم لهم الحلويات الغربية إلى جانب القهوة بطرق تحضير ونكهات مختلفة، وكان جوه العام يتسم بالهدوء، إلا أن الأحداث السياسية المتسارعة التي كانت تشهدها "سورية"، وارتياد الكثير من المثقفين والمفكرين؛ وكذا رجال السياسة والأدب لهذا المقهى جعله ينضم بسرعة إلى زمرة المقاهي المجاورة، كمقهى "الهافانا"، "الكمال الصيفي"، "الرشيد الصيفي" تحت مسمى المقاهي السياسية، فطغى الالتزام الثقافي على مرتاديه، وتوقف عن تقديم المعجنات والحلويات الغربية، واقتصرت ضيافته على فنجاني "القهوة" و"الشاي"، ولم تقدم بالطبع "الأركيلة" أو ما يسمى "بالشيشة"، ولم يسمح لزواره أن يقوموا بلعب "الورق" أو "طاولة الزهر" مما جعله مقصد المثقفين والشباب ذوي الميول الجادة وأبعد عنه مظاهر إضاعة الوقت أو السهر».
وأضاف "دياب": «كان المقهى يفتح أبوابه من السادسة صباحاً ليستقبل زواره من السياسيين والمثقفين وأصحاب الوظائف الحكومية الذين كانوا يحرصون على زيارته كل يوم، ولو لفترة زمنية بسيطة؛ ويغلق عند التاسعة، فكان الزوار يمرون عليه قبل الذهاب إلى العمل في الثامنة صباحاً، أو بعد الخروج من العمل، وعاش مقهى "البرازيل" المراحل التي عاشتها باقي المقاهي السياسية، وظل محافظاً على مكانته الثقافية لحين صدور الأمر بهدمه، وبناء برج تجاري مكانه».
الشاعر "شوقي بغدادي" ارتاد المقاهي الثقافية خلال الفترة التي كان لها دور في رسم الحياة السياسية، وعن طبيعة عملها حدثنا "بغدادي" بقوله: «تعتبر "البرازيل"، "الهافانا"، و"الكمال الصيفي" المقاهي السياسية الرئيسية التي كانت في "دمشق"، وقد عكست المناخ الثقافي الحيوي الجديد الذي نشأ عبر مراحل النضال الوطني، والاحتكاك بالثقافة الغربية.
وكنت تجد في هذه المقاهي عدداً من الطاولات قد خصصت لجماعة معينة، واعتاد رجال السياسة والثقافة وكبار الموظفين الجلوس إليها كل يوم، وهنا تبرز ملاحظة أن الطقس والمناخ كان يؤثر على المقهى، فمثلاً مقهى "الهافانا" كان شتوياً، عكس مقهى "الكمال" الذي كنا نرتاده في الصيف وخصوصاً في فترة بعد الظهيرة والمساء، وكنا نمر على "الهافانا" في الصباح الباكر».
"بغدادي" تحدث عن أبرز الأسماء التي ارتادت المقهيين المتجاورين "البرازيل" و"هافانا" بقوله: «ارتاد مقهى "البرازيل" رموز "الكتلة الوطنية" والتجار "الدمشقيون" المعروفون في المرحلة التي سبقت الاستقلال، وعاش طفرة الازدهار السياسي التي مرت على "دمشق" بين عامي /1948/ وعام /1956/، فانعكست هذه الديمقراطية الفكرية والسياسية على مرتاديه فترددت عليه جماعة "أكرم حوراني"، وارتاده كذلك كبار الأدباء كالكاتب "نزيه الحكيم"، و "فؤاد الشايب" الذي يعد أهم كاتب قصة قصيرة في "سورية" في مرحلة الاستقلال، وقد كان "الشايب" من المثقفين المقربين للسلطة، فشغل منصب المستشار الثقافي للرئيس "شكري القوتلي"، وعدة مناصب أخرى لعل أهمها "مدير الدعاية والأنباء"، وهي تشبه "وزارة الإعلام" في وقتنا الحاضر، ومن رواده أيضاً الصحفي "زهير الشلق"، والمحامي "زهير ميداني" نقيب المحامين العرب، الأستاذ "مدحت عكاش" المدرس اللغة العربية في ثانويات "دمشق"، وكذلك أستاذ الرياضيات "علي راس"، الصحفي "سعيد الجزائري"، و"خليل الكلاس" الذي شغل منصب وزير الاقتصاد، والدكتور "عبد السلام العجيلي" الذي شغل منصبي وزير الإعلام ثم الخارجية.
أما مقهى "الهافانا" فأغلب مرتاديه من الشباب ذوي الميول اليسارية، كالبعثيين والشيوعيين وزعماء السياسيين الذين كانوا في بدايات مشوارهم السياسي، وكانت تخصص لهم أماكن جلوس خاصة، كالطاولة المخصصة "لزكي الأرسوزي" مثلاً، وحتى المثقفين العرب والأصحاب المذاهب الفكرية أو السياسية العربية، فإنهم يزورون "دمشق" يأتون إلى مقهى "الهافانا"، ويحرصون على الجلوس هناك، وأذكر منهم الشاعر "العراقي محمد مهدي الجواهري" والشاعر "أحمد الصافي النجفي" الذي كان يتردد كذلك على مقهيي "الكمال الصيفي" و"الروضة" لأنه كان يلتقي هناك بسهولة نظراءه السوريين».