"باب إنطاكية" أحد الأبواب التسعة لمدينة "حلب" القديمة ومن أقدم وأهم هذه الأبواب، وقد شهد الكثير من الأحداث التي مرت على المدينة. دخل منه قديماً الرحالة والباحثون والفاتحون والمحتلون والتجار وغيرهم، وهو ما زال شامخاً في مكانه يستقبل ضيوف "حلب" الشهباء من السياح والزوّار لمعالمها والباحثين في تاريخها.
حول موقع هذا الباب وتاريخه يقول الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف "سورية" الشمالية لموقع مدونة وطن eSyria: «يقع "باب إنطاكية" في منتصف الجهة الغربية لسور المدينة القديمة في "حلب" وقد سُميّ بهذا الاسم لأنّه يؤدي إلى مدينة "إنطاكية" عاصمة "سورية" منذ أيام الدولة السلوقية في القرن الرابع قبل الميلاد.
يعلّمنا "ابن شداد" أنّ "نقفور البيزنطي" هدم "باب إنطاكية" عند تخريبه لمدينة "حلب" في العام 962 ميلادي وأعاد إنشاءه "سعد الدولة بن سيف الدولة" في العام 974 ميلادي ثم جاء الناصر "يوسف الثاني الأيوبي" فهدم الباب وأعاد بناءه من جديد بين العامين 1245- 1247م وقد بنى البرجين العظيمين مع قاعة كبيرة ذات بابين
ومن الباب يبدأ المحور الرئيسي لمركز المدينة القديمة /أسواق المدينة/ ويعتقد الباحث الفرنسي "جان سوفاجية" أنّ في أساسات الأبنية القائمة وراء المباني الأيوبية آثاراً من فترة الحمدانيين وهي تؤكد قدم الباب، وبالنسبة لكل من "ابن شداد" في القرن الثالث عشر و"ابن العجمي" في منتصف القرن الخامس عشر فإنّ باب إنطاكية هو الباب الرئيسي لمدينة "حلب" وإنّ الشارع الذي يدخل منه إلى المدينة يُسمى "القصبة"».
ويتابع: «الواقع أنّ الباب لم يعمل دائماً كمدخل رئيسي كما كان في فترة الحكم البيزنطي وخاصّة بعد الفتح الإسلامي وحتى حصار المدينة من قبل "المغول" في العام 1260م وفي الفترتين المملوكية والعثمانية كثر استخدامه للدخول الدائم أما في الفترة الأيوبية فقد كان يقدم الخدمات للأحياء وكانت فيه صناعات مختلفة مع وجود مدارس فقهية هامة وعدة معابد ومساجد وحمامات وفعاليات مهنية وتجارية مثل الدباغة».
أما المهندس "عبد الله حجار" وهو باحث أثري فيقول عن أوصاف الباب وأهم ما يتميز به: «يتألف الباب من برجين بارزين متوازيين وقد قام الباب جانبياً في البرج الأيمن وبُني بأحجار ضخمة طولها بين 0،80 – 1،00 متر وسبب وضع الباب جانبياً هو منع استعمال جذع رأس الخروف في اقتحامه*، وحال الدخول من باب "إنطاكية" الخشبي الكبير والمغطى بالأربطة الحديدية والمسامير الكبيرة نجد في سقف البرج كرة معدنية /كلّة/ قطرها حوالي 20 سم معلّقة بسلسلة تُسمى /"كلة معروف"/ وهي تنسب إلى الشيخ "معروف بن جمر" البطل العربي الفدائي أيام الفرنجة والمدفون في المدرسة "الشاذبختية" في "سوق الزرب" على بعد 700 متر إلى الشرق من الباب، كما يحوي البرج الأيمن للباب مطحنة قديمة تحوي حجري رحى لطحن السمسم.
وبعد الدخول من الباب وعلى بعد بضعة أمتار يوجد مسجد هو أول مسجد بناه العرب المسلمون بداخله اسمه "مسجد التروس" حيث جمعوا أسلحتهم وصلوا شكراً لله بعد دخولهم في العام 637 ميلادي بقيادة "أبي عبيدة بن الجراح" و"خالد بن الوليد" وحالياً يُسمى "جامع الشعيبية" أو "التوتة" أو "الغضائري" أو "مسجد باب إنطاكية" وقد بني مكان قوس نصر روماني قديم يبدأ عنده الشارع المستقيم الذي ينتهي شرقاً في باب "سوق الزرب" عند "قلعة حلب"».
وحول الترميمات التي أجريت على الباب يقول "حجار": «لقد طرأ على "باب إنطاكية" وسور المدينة تعديلات عديدة على مر السنين وخاصّة إثر كل تخريب تعرضت له المدينة وذلك منذ العام 540 م حين دمرها "الفرس" أيام الإمبراطور "جوستينيان"، وفي العام 962 ميلادي حين دمرها "نقفور فوقاس" البيزنطي أيام "سيف الدولة الحمداني" وفي العام 1260 م حين خربها "هولاكو" وفي العام 1400 م حين دمرها "تيمورلنك" بالإضافة إلى أعمال الزلازل العديدة، وقد كان يجري ترميم الأسوار في كل مرة فيأخذ "باب إنطاكية" نصيبه من الترميم وذلك لأهمية موقعه ونستدل من الكتابات التي خلفها مختلف الحكام على تواريخ أعمال الترميم التي تمت في الباب والأبراج الدفاعية البارزة والحامية للباب».
ويقول متابعاً حديثه عن الكتابات الموجودة على "باب إنطاكية" ومواقعها: «توجد على "باب إنطاكية" أربعة كتابات هي: كتابة تعود إلى العام 1022م أيام حاكم "حلب" "عزيز الدولة" وتوجد هذه الكتابة في الممر خلف الجدار الواصل بين البرجين على الجدار الخارجي وعلى ارتفاع 1،90 م وتتألف من خمسة أسطر من الخط الكوفي البسيط أبعادها 0،65× 0،35 متر والكتابة الثانية تقع فوق نجفة الباب ضمن القوس وتتألف من ستة أسطر ويحيط بها زنك مملوكي من كل من جانبيها، أبعادها 1،20× 0،65 متر كُتبت بخط نسخي مملوكي وتعود إلى العام 1390 ميلادي، والكتابة الثالثة تقع تحت الكتابة الثانية مباشرة ويحيط بها أربعة رنوك مملوكية صغيرة في زواياها، أبعاد الكتابة 1،10× 0،40 متر ومؤلفة من أربعة أسطر نسخي مملوكي وتعود للعام 1402ميلادي.
والكتابة الرابعة عبارة عن سطر واحد طوله 24،55 متراً يمتد على شكل رباط، يبدأ أعلى المدخل في البرج الأيمن فوق القوس، ويتبع الجدار حتى نهاية واجهة البرج الأيسر بطول 7،70 أمتار على كل برج، و9،15 أمتار على الجدار الوسط بين البرجين وهي كتابة نسخية مملوكية».
ويختم بالقول: «يعلّمنا "ابن شداد" أنّ "نقفور البيزنطي" هدم "باب إنطاكية" عند تخريبه لمدينة "حلب" في العام 962 ميلادي وأعاد إنشاءه "سعد الدولة بن سيف الدولة" في العام 974 ميلادي ثم جاء الناصر "يوسف الثاني الأيوبي" فهدم الباب وأعاد بناءه من جديد بين العامين 1245- 1247م وقد بنى البرجين العظيمين مع قاعة كبيرة ذات بابين».