الباحثة الدكتورة "نجوى عثمان" اسم لن تنساه ذاكرة الحلبيين فقد كانت بحق إحدى أهم أعلام مدينة "حلب" و"سورية" حيث خدمت الثقافة في مختلف جوانبها التراثية والمعمارية والفكرية وذلك حتى آخر يوم من حياتها الحافلة بالعطاءات والانجازات، وحتى بعد رحيلها لم تحرم المهتمين من تلك العطاءات حيث تم إهداء مكتبتها الخاصّة والضخمة إلى المكتبة الوقفية في مدينة "حلب".
لمعرفة المزيد حول هذه شخصية الدكتورة "نجوى عثمان" زار مراسل موقع eSyria الالكتروني فرع نقابة المهندسين في "حلب" وهناك أجرى لقاءات مع زملائها باعتبارها كانت مهندسة وكانت البداية مع المهندس المعماري "بسام العموري" رئيس لجنة الإعلام والنشر في فرع النقابة الذي قال متذكراً أيامه معها : «لقد كانت عضواً فاعلاً ومهماً في نقابة المهندسين وفي لجنة الإعلام والنشر ولجنة التراث، وكانت من الأعضاء المؤسسين لمجلة "هندسة" وكذلك من خلال مساهمتها في تحريرها لعدة زوايا في المجلة مثل /رجالات من بلدي/ ومقالات تراثية حيث كانت تقوم بعمليات التدقيق والمتابعة بصمت وتواضع ومثابرة».
"نجوى".. وأختم بالدعاء مقولتي لتكون روحك في رضا وجنان
«إنّ رحيلها المبكر عنا ترك فراغاً كبيراً يصعب على شخصية غيرها أن تملأه لأنّ عطائها كان بدون حدود وإخلاصها منقطع النظير وتفهمها كان واسعاً لمهنة الهندسة والتراث وغيرها من المجالات الأدبية والإعلامية».
وتابع "العموري": «إنّ حضور الدكتورة "نجوى" لم يكن فقط على مستوى نقابة المهندسين بل تجاوزها إلى محافظة "حلب" وجمعية العاديات ومجلس المدينة لتترك بصمتها المؤثرة هناك أيضاً وتجلى ذلك في العديد من المؤلفات والأبحاث التي أنجزتها في مجالات التراث والهندسة وغيرها، وتحصل على العديد من الجوائز والتكريمات ومنها: جائزة "الباسل" للإنتاج الفكري في "حلب" عام 2004-شهادة تقدير كمهندسة مبدعة في مجال الدراسات التراثية عام 2004 -درع جامعة "عين شمس" عام 2004 -وكُرّمت في يوم المرأة العالمي كمرأة متميزة عام 2007».
أما زميلتها المهندسة "يمان ياسرجي" فقد أضافت متحدثة عن صفات الدكتورة بالقول: «لقد تعرفت على الصديقة الدكتورة منذ فترة طويلة فكانت بحق نعم الأخت المخلصة التي قدمت المعونة والمساعدة لزملائها وزميلاتها بقدر ما استطاعت دون أن تنتظر المقابل».
وأضافت: «كانت تتصف بالهدوء والمثابرة والعطاء وبالأخلاق العالية رحمها الله ومكانها الجنة إن شاء الله».
وختمت حديثها بقصيدة رثاء للدكتورة مقدمتها:
«"نجوى".. ويسرع للرثاء جناني لأصوغ من درر الوفاء بياني
"نجوى".. وكنت صديقة وأخيّةً تعطي بصدقٍ خالصٍ وحنان».
ونهايتها:
«"نجوى".. وأختم بالدعاء مقولتي لتكون روحك في رضا وجنان».
كما التقى مراسلنا بالدكتور "محمود مصري" مدير المكتبة الوقفية في "حلب" وسأله عن مكتبة الدكتورة "نجوى" الخاصّة والضخمة والمهداة للمكتبة الوقفية فأجاب قائلاً: «تتضمن المكتبة التي أهدتها عائلة الدكتورة للمكتبة الوقفية حوالي 2500 عنوان من الكتب المتنوعة العربية والأجنبية إضافةً إلى المجلات المختلفة، وفي مكتبتها كتب نفيسة وبعضها نادرة ولا وجود لها في المكتبات جمعتها المرحومة خلال أسفارها إلى البلدان العربية والأجنبية لحضور المؤتمرات والمشاركة في الفعاليات المختلف، وهي كتب متخصصة في الحضارة الإسلامية وتاريخ العلوم ولا سيما العلوم التطبيقية والهندسية».
وعن أهمية المكتبة والفئات المجتمعية التي تستفيد منها قال "مصري": «تلك الفئات هي طلاب قسم التاريخ والعمارة والباحثين في التاريخ والعمارة والعلوم بشكل عام والباحثين في تراث مدينة "حلب" بشكل خاص».
وسألناه عن شخصية المرحومة وصفاتها فرد بالقول: «لقد كانت المرحومة عالمة جليلة ومن أهم المتخصصات في تاريخ الهندسة والعمارة وكان يلجأ إليها أي باحث يريد أن يجمع معلومات حول مدينة "حلب" من النواحي التراثية والثقافية والهندسية والتاريخية وغيرها، وكانت تتمتع بأخلاق عالية وتحرص على تقديم الفائدة لجميع الباحثين في التراث الإسلامي من خلال تزويدهم بالمعلومات القيّمة والمراجع، وكان لها نشاط علمي واسع جداً من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات التي كانت تشارك بها في مختلف الدول العربية والأجنبية فقد كانت معروفة كباحثة في تاريخ العلوم على مستوى "سورية" والبلدان العربية والعالم».
وعن مؤلفاتها قال الدكتور "محمود": «تركت الدكتورة "نجوى عثمان" عدداً من الكتب المطبوعة وهي: /الهندسة الإنشائية في مساجد "حلب"/ -طبع عام 1992- /"حلب" في مئة عام 1850 -1950/ بالاشتراك مع "محمد فؤاد عنتابي" طبع عام 1993 -/مساجد القيروان/ طبع عام 2000 –/النقل الداخلي في "حلب" في القرن العشرين/ طبع عام 2004 -/مكابدات لطيفة ومواقف طريفة/ طبع عام 2004، أما كتبها المعدة للنشر فهي: /الزوايا والمدارس الأثرية في القيروان/ -/تاريخ العمارة الإسلامية/ -/الرنوك على العمائر المملوكية في "سورية"/ -/النقائش بمدينة "حلب"/».
وختم بالقول: «لقد كان رحيلها خسارة كبيرة لمدينة "حلب" باعتبارها كانت تسد ثغرة علمية كبيرة وتقوم بأعباء قل أن يقوم بها باحث آخر».
يُذكر أنّ الدكتورة "نجوى عثمان" هي من مواليد منطقة "الباب" -محافظة "حلب" في العام 1954 حاصلة على إجازة في الهندسة المدنية من جامعة "حلب" في العام 1978وبعد ثلاثة سنوات من عملها في مجال اختصاصها انصرفت إلى دراسة التراث العربي الإسلامي فالتحقت بمعهد التراث العلمي العربي وحصلت على الماجستير في تاريخ العلوم عند العرب في العام 1991 من خلال بحثها /الهندسة الإنشائية في مساجد "حلب"/ بعدها حصلت على الدكتوراه في دراسة علمية ميدانية أجرتها في مدينة القيروان التونسية بعنوان /دراسة هندسية مقارنة بين المساجد القديمة في "حلب" و"القيروان"/ كانت محاضرة في "جامعة حلب" قسم التاريخ والآثار، رحلت بتاريخ التاسع من شباط في العام 2009 اثر حادث سير قرب مدينة "سراقب" على طريق "حلب" -"حمص" بعد انقلاب الحافلة التي أودت بحياة جميع ركابها ومن بينهم باحثتين جزائريتين كانتا برفقة الدكتورة "نجوى" في رحلة بحثية إلى مدينة "جبلة" في الساحل السوري.