عشرون عملاً متنوع الأحجام والتقنيات اجتمعت في غاليري "كامل" لتعرض لنا مناخات من الجزيرة السورية، بتلك الألوان المرتبطة بالتراب وبطبيعة جزراوية نبتت عليها أرواح فنية كبيرة ومعروفة على المستوى العالمي، حيث لوحات "هجار عيسى" كانت رموزاً لونية متراقصة بين عالم الهدوء والشغب وبين تلك الأرواح الفنية.
موقع "eSyria" حضر معرض الفنان التشكيلي "هجار عيسى" الذي أقيم في غاليري "كامل"، حيث هذه الأعمال انتمت إلى الفلسفة الجمالية للفن التشكيلي السوري المعاصر، فلوحاته تندرج فيها الروح الريفية الملونة التي تتحدث عن التراث الإبداعي والألوان المتناغمة بطرق فنية محترفة، كل ذلك جعلت اللوحة تحتضن ذاكرة ريفية ملأى بالتفاصيل اللونية الكثيرة.
إن عناصر "هجار" الغنية بالتفاصيل هي رموز مرتبطة ببيئته "القامشلي"، وهذا النوع من التعابير والعناصر هي طريقة للتعبير عن الحياة في الريف ومدى أهمية تلك التفاصيل في الذاكرة الطفولية التي نحملها، إنها أعمال مميزة رسمت بطريقة احترافية لونية مهمة
تفاصيل كثيرة ضمتها اللوحة بألوان بصرية قادمة من الريف السوري والجزراوي تحديداً، حيث اللون الرمادي كان حاضراً في لوحات "هجار"، هذا اللون الذي يملك صفة خاصة بفناني الجزيرة السورية، ولكن "هجار" التجأ إلى استخدام الرمادي بتدرجاته اللونية المختلفة والمتعددة، ما أعطى لوحته طريقة لونية خاصة تعبّر عن ريشة "هجار عيسى"، فاستمد ألوانه من فصلين موسميين، حينما تنتشي الأرض بالأخضر ومن بعدها يبدأ الحصاد فتتحول الأرض إلى مساحة صفراء، من خلال هذه الألوان التي تسكن ذاكرته الطفولية استطاع أن يعكس على لوحاته مخزونه الثقافي الريفي.
طيور، بسط، تراث وشخوص من العائلة حضرت في أعمال "هجار"، هنا يقول: «لست محصوراً في فني بمنطقة جغرافية معينة، ولكن حاولت أن أعصر ذاكرتي الطفولية وأجلب منها صوراً امتزجت بها وعجنت معها بنفحات عميقة ودافئة من الريف السوري والمنطقة التي عشت فيها، والذي يتابع لوحاتي في مراحلها المتعددة يلاحظ أنني أحاول إدخال رموز وتعابير جديدة على سطحها وتطوير التقنية التي أعمل عليها مع مرور الزمن».
أما عن الألوان المرتبطة بشمس منطقته الذهبية فيقول: «إن عملية التكوين والتقنيات التي أعمل عليها منذ البداية تؤثر في تكثيف اللون بما يخدم الخصوصية الفنية والنفسية للوحة، فإنني أحاول أن أتدرج في ألواني وخاصة اللون الأصفر الذي يتحول إلى الذهبي الفاتح والغامق، ومن ثم يتدرج إلى مستويات أخرى، وكل هذه الأمر في النهاية تخدم لوحتي والفكرة التي أعمل عليها».
"هجار" يعمل في تصميم الديكور الدرامي، وذلك لم يبعده عن عالم التصوير الزيتي بل كان مرسمه دائماً ملاذه الأول والأخير، فاللون بالنسبة له جزء كبير من عمله. أما "آلان" و"آرام" ولديه، فكانا من شخوص اللوحة الرئيسية، حيث حاول تصويرهما بحالات متعددة، وبألوان ترتبط بعالم الطفل وشغفه باللعب، النوم، الحب والأمل، كل هذه التفاصيل لم تكن حاجزاً أمام ريشته لتلهوا كما يريد هو على سطح اللوحة بطريقة وتقنية لونية تخص عالمه اللوني المرتبط بذاكرة ريفية عميقة.
التحف الجدارية والسجاد المنزلي القديم، وبعضاً من الأقمشة التي تزين بيوتنا الريفية، رسمها بطرق لونية عميقة على سطح اللوحة، ليرسل لنا برسالة أن التراث هو جزء من حياتنا المعاصرة، هنا يقول الفنان "زهير عبد الكريم": «إن عناصر "هجار" الغنية بالتفاصيل هي رموز مرتبطة ببيئته "القامشلي"، وهذا النوع من التعابير والعناصر هي طريقة للتعبير عن الحياة في الريف ومدى أهمية تلك التفاصيل في الذاكرة الطفولية التي نحملها، إنها أعمال مميزة رسمت بطريقة احترافية لونية مهمة».
ويقول الفنان "سعد القاسم" في تقديمه لمعرض "هجار": «لا يبدو "هجار" شغوفاً بتحميل لوحته حكاية ولا فكرة فلسفية، وإنما في خلق قيمها الجمالية بدءاً من بنائها التشكيلي بخطوط صريحة قديرة وتكوينات متماسكة، وانتهاءً بإكسائها مناخها اللوني الثري والتناغم الذي يستوحي المشهد البصري ولا يستنسخه فيعيد صوغ السهول الممتدة كمربعات الشطرنج مستلهماً مفاهيم المنظور في الفن الشرقي، ومتبيناً ما أدخله الفنانون المعاصرون من تجديدات عليها، ليحشد في المساحات الهندسية المتجاورة والمتحاورة والمتآخية رموزاً لطالما ظهرت في الفن التشكيلي السوري منذ إبداعات المصورين الأوئل، ومنحت هذا الفن بعضاً من خصوصيته، إنه يعيد رؤية المشهد التكعيبي كما يعيد اكتشاف ثراه اللوني السري، ملتقطاً بعين مرهفة أصغر التفاصيل اللونية، محفزاً إياها للتحرر من استحيائها لتأخذ مكانها الذي تستحق في فضاء اللوحة، ولتصنع بالمحصلة تلك الاحتفالية اللونية التي تميز لوحته وتمنحها انتماءها الشرعي إلى المكان وإلى إبداعاتهما».
الجدير ذكره أن الفنان "هجار عيسى" خريج كلية الفنون الجميلة عام 1992 ويعمل في تصميم الديكور التلفزيوني وله معارض جماعية داخل القطر وخارجه ومعارض فردية. داخل القطر.