في سنة (610هـ) أنشأت "عزيزة الدين اخشا خاتون" زوجة الملك المعظم "عيسى" بن الملك العادل "أبي بكر أيوب" عام /1213/ م "المدرسة الماردينية" أحد أجمل المباني الأيوبية.
يقول الباحث التاريخي "بشير زهدي" لموقع eSyria: «لا نأتي بجديد إذا قلنا إن سورية عامة و"دمشق" خاصة قد شهدت في العصر "الأيوبي" نهضة عمرانية متميزة، وكثر فيها تشييد المدارس، والخانات، والحمامات حيث خصصت أوقاف كثيرة لرعايتها والإنفاق عليها وعلى من فيها، لكن ما يلفت الانتباه فعلاً أن يكون وراء تشييد بعض هذه الأوابد عدد من النساء اللواتي أمرن ببنائها وساهمن في إعمارها».
وقد اُختلف في تسمية هذه المشيّدة، فهي عند "ابن طولون" في كتابه "القلائد الجوهرية" "جامع الماردينية" ويقام فيه التدريس، وهي عند غيره "المدرسة الماردينية"، واليوم لا وجود للمدرسة، فقد تحولت إلى "جامع الجسر الأبيض"
ويضيف "زهدي": «وإذا كانت مئة وستون مدرسة قد أنشئت في "دمشق" و"القدس" و"طرابلس" و"مصر" و"حلب" و"حماة" في الفترة ما بين /1132ـ1262/ م، فإن تسع عشرة مدرسة منها أنشئت في "دمشق" فقط بمبادرة نسائية، ومن أهم وأجمل عمائر المرأة في ذلك العهد "المدرسة الماردينية" التي أنشأتها "عزيزة الدين أخشا خاتون" بنت الملك "قطب الدين صاحب ماردين"، ومن اسم هذه المدينة جاءت تسميتها بــ "الماردينية"».
ويتابع الباحث "زهدي": «وقد اُختلف في تسمية هذه المشيّدة، فهي عند "ابن طولون" في كتابه "القلائد الجوهرية" "جامع الماردينية" ويقام فيه التدريس، وهي عند غيره "المدرسة الماردينية"، واليوم لا وجود للمدرسة، فقد تحولت إلى "جامع الجسر الأبيض"».
الموقع:
تقع "المدرسة الماردينية" على حافة نهر "تورا" بجوار منطقة "الجسر الابيض" فيما يعرف اليوم بساحة الشهيد "عمر الأبرش" وفي سنة/624/ هجري /1227/ ميلادي أوقفت "عزيزة الدين" عليها عدة بساتين وحوانيت وأحكار في المنطقة المعروفة اليوم بـ "الجسر الأبيض" وشرطت ألا يكون من يدرّس فيها مدرساً بغيرها من المدارس كما جاء في كتاب "الدارس في تاريخ المدارس" لــ "النعيمي".
السيد "بشير زهدي" يؤكد أن "عزيزة الدين" لم تُدفن في المدرسة كما رغبت: «صحيح أن "عزيزة" قد بنت لنفسها قبة دفن ملحقة بالمدرسة كي تُدفن فيها إلا أن أمنيتها إن صح التعبير لم تتحقق، كما تؤكد أغلب المراجع التاريخية، فبعضها يقول: إن "عزيزة" عادت إلى ماردين بعد موت زوجها الملك المعظم، وبعضها يشير إلى أنها حجت وانقطعت للعبادة في "مكة المكرمة" وماتت ودُفنت هناك، وقد دُفن بها بعد مئتي عام الأمير المملوكي "اسنك بن ازدمر" سنة /916/ هجري /1413/ ميلادي ثم تحولت لتربة لآل "المؤيد" كما يذكر "محمد كرد علي" في كتابه "خطط دمشق" وهذه القبور نُقلت إلى مقابر "الباب الصغير" عام /1969/ عند ترميم المدرسة».
المهندس "فاروق مكاوي"- خمسيني العمر- من سكان منطقة "الجسر الأبيض" يقول لموقعنا: «روى لي والدي أنه لسنوات طويلة كان يرتاد "المدرسة الماردينية"- جامع "الجسر الأبيض" حالياً- مساء للعلم على أيدي الشيوخ حيث كانت المدارس قليلة في تلك الأثناء، وبقيت المدرسة تعطي الدروس إلى ما بعد منتصف القرن الماضي، حيث ضمت إلى الجامع أثناء التجديد الأول للجامع والمئذنة، وبعد نقل تربة "آل المؤيد" إلى الباب الصغير، نتيجة ضيق المكان وتزايد السكان في المنطقة، واليوم يوجد في المسجد معهد الأسد لتعليم القرآن الكريم، وفي كل يوم جمعة هناك درس ديني ذو علاقة بالحياة اليومية للاستاذ الشيخ "اسامة الخاني"».
صفاتها المعمارية:
يقول " زهدي": «لم يبق من بناء المدرسة سوى جامع مسقوف ( بجملون قرميدي) وبجانبه مئذنة على طراز العمارة الأيوبية، وفوق القسم الشرقي منه قبّة التربة، وهي ملساء ومدببة ومرتفعة، تستند إلى رقبة ذات طبقتين، السفلى مثمنة الأضلاع تتناوب فيها أربع نوافذ مقوسنة توءم ضمن قوس، وأربع نوافذ صمّاء مقوسنة، والعليا من ستة عشر ضلعاً فيها ثماني نوافذ مقوسنة، وثمانية محاريب بصدفات ذات تسعة حزوز، وقد تآكل بعضها بفعل عوامل الطبيعة، أما المئذنة فهي عبارة عن بدن مربع مُصمت به عدة نوافذ صاعدة تنتهي بشرفة المؤذن يعلوه رأس المئذنة».
بقي أن نشير إلى أنه لم يبق من "المدرسة الماردينية" التي جرى تجديدها عام /1931/ و/1969/ و1979/ سوى مسجد سمي "جامع الجسر الأبيض" ومئذنة جرى تجديدها مؤخراً، وبناء حديث من أربع طوابق مقابل للجامع عبارة عن أحد الأوقاف التي وقفتها "عزيزة" لـ "المدرسة الماردينية".