كثيرة هي القرى في بلاد الشام، وخاصة في منطقة "سلمية" التي يصعب فيها أن تجد فارقاً يميز قرية عن الأخرى، لكن قرية مثل "المفكر" بمحافظتها على بيئتها التراثية، بالإضافة لجهود أبنائها الذين جعلوا منها قرية سياحية في مهرجان "واحة الأمل"، جعل من اسمها يُخط بين أكثر القرى تميزاً على مستوى المنطقة.
eSyria وخلال زيارة لهذه القرية المختبئة بين الهضاب، التقى بالسيد "إبراهيم حبيب" أحد مدرسي القرية، والذي وصف لنا قريته فقال: «قرية "المفكر" تقع إلى الشرق من مدينة "حماة" بـ 52 كم، و"سلمية" بـ22 كم، وهي واحدة من أقدم القرى الموجودة في المنطقة، حيث بدأ بنائها منذ أكثر من مئة وعشر سنوات وذلك طبعاً كان ضمن الهجرات التي أتت إلى المنطقة بهدف عمار منطقة شرق العاصي لدرء خطر القبائل البدوية عن المدن الكبرى في العهد العثماني، وأهلها اليوم يتوزعون في منطقتين هما "الحي الشرقي" و"الحي الغربي" لقرية "المفكر"، واللتين تصنفان كقريتين مستقلتين في بعض الأحيان».
قيل لنا من آبائنا إن القرية والأراضي المحيطة بها كانت غزيرة بالمياه وتتفجر فيها الينابيع بكثرة مما أعطى اسم "المفجرات" للحي الغربي والشرقي، ومن ثم توحد الاسم ليصبح "المفكر" كناية عن تفجر الينابيع
وعن سبب تسميتها بـ"المفكر" قال: «قيل لنا من آبائنا إن القرية والأراضي المحيطة بها كانت غزيرة بالمياه وتتفجر فيها الينابيع بكثرة مما أعطى اسم "المفجرات" للحي الغربي والشرقي، ومن ثم توحد الاسم ليصبح "المفكر" كناية عن تفجر الينابيع».
أما عن تاريخ القرية فقد تحدث لنا السيد "عبد الكريم زيدان" الموجه التربوي في المدرسة حيث قال: «يوجد في قريتنا أكثر من "رسم" و"خربة" يتوقع أنها كانت مأهولة من العهد الروماني، أما بالنسبة للقرية الحالية فقد بدأ بناؤها منذ أكثر من قرن، ويقال إن أول من سكن بها هم عائلات جاؤوا من قرية "تقسيس" قرب "حماة"، وتكثر الروايات عن سبب مغادرتهم المنطقة، أما أقدم من سكن القرية من أهاليها الحاليين فهم أسرتا "آل سويدان" و"آل أبو قاسم" ومن ثم لحقت بهم العائلات الأخرى».
وأضاف قائلاً: «قرية "المفكر"- بسبب الفقر ربما- بقي فيها الكثير من البيوت الترابية القديمة جداً بنسبة تفوق جميع القرى المجاورة، ذلك أعطاها ميزة خاصة جعلت منها المكان المختار لتصوير مسلسل "حد الهاوية" للمخرج "علاء الدين الشعار" من عدة سنوات مضت، أيضاً فإن جهود أبنائها جعل منها قرية سياحية ليومين حيث أقيم فيها منذ أسابيع مهرجان "واحة الأمل" الذي كان مميزاً على مستوى المنطقة وربما على مستوى القطر، وأذكر منهم الشباب "رواد عجمية" و"أيهم زيدان" و"برهان زيدان" الذين تعبوا حقاً لإقامة هذا المهرجان».
وللحديث عن البنية التحتية للقرية كان لا بد لنا من لقاء رئيس بلدية القرية المهندس "وائل خليل"، والذي تحدث عن ذلك قائلاً: «لسنوات كثيرة ظلت قرية "المفكر" ضعيفة جداً ناحية البنية التحتية، وذلك يعود لضعف ميزانيتها السنوية، أما في السنوات الأخيرة ونتيجة لمطالب أهل القرية وتعاونهم فقد تم ضخ الكثير من الإعانات للقرية من جهات عديدة من الدولة، ما أدى إلى تطور سريع في مرافقها وخدماتها وبنيتها التحتية أيضاً».
وقد توسع بشرح بعض التفاصيل فقال: «شبكة الطرقات في القرية تم تعبيدها في السنوات الأخيرة حتى وصل طولها لأكثر من 10 كم بنسبة تجاوزت 93% من مجمل الطرقات على المخطط، كما تم تنفيذ مشروع أرصفة للطرقات، ويوجد دراسة لإنشاء حدائق ضمن القرية، وأيضاً فقد تم تعبيد عدد من الطرقات التي تربطنا بالقرى المجاورة وأحد هذه الطرق كان بدعم من السيدة الأولى التي زارت القرية منذ عدة سنوات وهو طريق "المفكر"- "أبو حبيلات"».
وأضاف قائلاً: «بالنسبة لشبكة المياه فقد تم تخديم حوالي 99% من بيوت القرية لكن المياه قليلة جداً فهي تصل لكل بيت لأقل من ساعة خلال يومين، وذلك يعود لأن الآبار الثلاثة التي تمد القرية بالماء تعاني من الشح ولا تكفي حاجة القرية، وهناك دراسة لحفر بئر جديد لتعويض النقص، أما خدمات الهاتف والكهرباء فقد وصلت لكل البيوت حتى إنه تم إنارة شوارع القرية بشكل جيد أيضاً».
أهالي هذه القرية كانوا يعتمدون بشكل كبير على الزراعة، هذا ما أخبرنا به المهندس "خليل" حين تحدث عن الأراضي الزراعية في القرية فقال: «مساحة الأراضي الزراعية في القرية تتجاوز 50000 دونم، يزرع 10% فقط منها بشكل مروي، النسبة التي تقل كثيراً في فصل الصيف وذلك لأن المياه الجوفية انخفضت لأكثر من 60 متراً تحت سطح الأرض، وهناك أيضاً حوالي 20% منها مشجرة أغلبها من الزيتون والكرمة، أما الباقي فهو يزرع غالباً بالحبوب مع انحسار زراعة البطاطا التي كانت تشتهر القرية فيها يوماً مضى، أما الآن فلا يوجد فيها أكثر من 20 دونماً مزروعاً بالبطاطا».
أيضاً تحدث لنا المهندس "خليل" عن السكان في القرية فقال: «في "المفكر" يوجد حوالي 4600 نسمة وفق آخر الإحصائيات، لكن نسبة السكان الفعليين هي أقل من النصف وذلك يعود لهجرة أبنائها إلى المدن وخاصة "سلمية"، لأن شح المياه أضعف مهنة الزراعة التي كانوا يعتمدون عليها، فخرجوا ليبحث كل منهم عن العمل في المجالات الأخرى، ومن ناحية أخرى فإن أهالي "المفكر" لديهم نسبة عالية من المثقفين حيث لا وجود لأمية بينهم، وقد خرج من بينهم العديد من الأشخاص الذين لهم تأثيراتهم على المجتمع السوري مثل السيد "منجد خليل" الذي يدعم "جمعية المعوقين في سلمية"».