حراك مميز يشهده المركز الثقافي العربي في "جبلة"، لكن يعكر صفوه عزوف الجمهور عن الحضور إلا في بعض الأحداث القليلة والنادرة، لكن أمسية "أبجد وتر" كان لها طعم مختلف وحضور مختلف ملأ المدرجات وقاطع المشاركين مرات عدة لكي يصفق لهم ويحيي كلماتهم، وما زاد الأمسية تميزاً أن كل مشاركيها هم من جيل الشباب ومعظم حضورها أيضاً كانوا من جيل الشباب فتحاوروا بالكلمة والموسيقا واستمتعوا بالغناء.
موقع "eSyria" حضر الأمسية التي أحيتها مجموعة "أبجد وتر" يرافقها مجموعة من الضيوف والتقى بعض المشاركين فيها والبداية كانت مع الإعلامية والقاصة "سماح العلي" التي حدثتنا بالقول: «مجموعة "أبجد وتر" هي مجموعة غير محدودة بأسماء أو أشخاص أو اختصاصات... وهي كل مجموعة لكل من يهوى الكلمة والنغم، وهدفها إيجاد خيط تواصل دائم بين الكتاب وهواة الكتابة كي يتبادلوا الخبرات والتجارب لأنهم يعملون منفردين كلاً على حدة، وإحياء فن القصَّة القصيرة الذي يعدّ من أصعب أصناف الأدب وتعريف الناس به كصنف أدبي له وزنه ومكانه، كما انها تهدف إلى إلقاء الضوء على تجربة كانت الأولى من نوعها محلياً وهي دمج القصة القصيرة مع الموسيقا للوصول بها إلى أعلى مراتب التأثير الروحي».
القصة طويلة قليلاً لكن هذه إرادة القلم الذي أكتب به فإذا أرادني أن أطيل لا أستطيع الرفض فكتبت هذه القصة عن الحب بطريقة ترفض أن يكون من طرف واحد بل يجب أن يكون من طرف ونصف على الأقل، الإلقاء صعب والقراءة أسهل على القارئ لذا نحن نختار أسلس القصص وأكثرها قربا من المستمع
وتضيف العلي: «وهذه الأمسية كانت فرصة لإحياء قصص قصيرة قديمة كتبتها منذ زمن ولم تنشر من قبل وهي تتوافق مع جو الأمسية التي تحتاج الاختصار والتعبير بعيداً عن الملل، وبما أنني صحفية أستطيع تقدير المؤثرات المحيطة بالأمسية بشكل يسهل فهمها من قبل القراء، أسعى دوماً للهروب من النمطية والبعد عن التكرار، وأقرأ الأدبين العالمي والعربي وأتأثر بهما دوماً ما يساعدني على خلق خلفية ثقافية تساعدني على الكتابة».
"سماح العلي" قرأت قصة بعنوان "شيتا" اقتطفت لكم مقطعاً منها:
«ظلت المرأة واقفة بينما الكلبة تراجعت ثم أقعت على ساقيها وراحت تهزُ ذيلها، لم أرها مرقطة بالأبيض، بدت سوداء داكنة، اقتربت منها المرأة وحضنتها وهي تمسح يدها على رأسها، لم أعد أتبين أيهما شيتا، كلاهما سوداوان، كلاهما لهما ذات الشعر الداكن، الفاحم، المظلم، القاحل، وبدا لوجه المرأة أو لوجه شيتا ذات الوجس.
كشرت الكلبة عن أنيابها الطويلة، وكشرت المرأة عن أسنانها الصفراء فبدت لثتها الزرقاء كطريق معبدٍ بالإسفلت، امتزج الوجهان والأسنان والنابان وظهر أمامي شيتا كبيرة ضخمة، استدرت وتركت هذه الشيتا وأنا أقول ما الذي تغير؟ أم هي؟! أهما، أم كلاهما؟ سمعت نباحاً لكني مضيت في طريقي».
ومن مجموعة "أبجد وتر" التقينا أيضاً عازف العود الشاب "يازد مسلم" وسألناه عن الفكرة الجديدة التي قدمتها الأمسية بالجمع بين القصة والموسيقا فأجاب: «تعودنا أن يكون جمهور القصة منفصلاً عن جمهور الموسيقا فحاولنا جمع الجمهورين في أمسية تحضر فيها الموسقا مع القصة على أمل نشر حركة ثقافية بطريق مختلفة تحضر فيها الموسيقا الصافية التي لا يضيعها الغناء، أنا لا أعرف التعبير بالكلام لأني أعبر بالعود وآمل أن تكون التجربة جيدة وتكون المقطوعات التي قدمتها عبرت عن جو القصة، أنا دوماً بحاجة للأفضل وأتمنى أن أكون غداً أفضل من اليوم».
الطرب كان حاضراً في الأمسية بصوت "زينة حسن" التي تشارك للمرة الأولى لكنها بدت وكأنها تغني منذ زمن، وفي معرض ردها على سؤالنا عن ثقتها بنفسها واللون الصعب الذي اختارته للغناء قالت: «أنا أحب التحدي وأعرف قدراتي بشكل جيد وأؤمن بموهبتي قبل أن يؤمن بها الآخرون لذلك صعدت على المسرح وغنيت أصعب الأغاني "هالأسمر اللون، يامايلة، يامحلا الفسحة"، وهذا ليس غروراً بل هو حب للنفس وقدرة داخلية على سماع ما أغنيه بطريقة أعرف فيها متى أغني جيدا ومتى يشوب صوتي بعض النشاز، أنا أحب الغناء من صمت ودون موسيقا، وكما شاهدت اليوم انسجم الجمهور معي بشكل لاحظه الجميع وعاشوا الصمت كما عشته أنا».
ومن الضيوف التقينا أيضا القاصة "سارة حبيب" التي شاركت بقصة قصيرة بعنوان "حب من طرف ونصف" حيث قالت: «القصة طويلة قليلاً لكن هذه إرادة القلم الذي أكتب به فإذا أرادني أن أطيل لا أستطيع الرفض فكتبت هذه القصة عن الحب بطريقة ترفض أن يكون من طرف واحد بل يجب أن يكون من طرف ونصف على الأقل، الإلقاء صعب والقراءة أسهل على القارئ لذا نحن نختار أسلس القصص وأكثرها قربا من المستمع».
كعادته القاص والفنان التشكيلي "شادي نصير" لا يغيب عن أي حدث ثقافي في محافظة اللاذقية فحضر الأمسية كضيف وقدم قصة قصيرة، ونحن بدورنا استوقفناه وسألناه عن هذه المشاركة فقال: «وجودي هو كضيف شرف لمشاركة الأصدقاء وتقديم بعض القصص على أمل أن نخلق حالة ثقافية تؤمن بوجود القصة القصيرة التي تستطيع أن تكون منبرية وتقرأ بالمهرجانات والمسارح، قصتي اليوم تحكي عن شخص هو كاتب يمر بحالات ذهنية احتاجت لفترة نقاهة أثرت بعلاقته مع الورق فاحتاج بعض الوقت للخروج من الحالة والعودة للكتابة».
ومن بين الحضور اتقينا الكاتبة والأديبة السورية "أنيسة عبود" وسألناها عن رأيها بالأمسية والمشاركين فيها فقالت: «كانت الأمسية متميزة لأنه جرى فيها تقديم القصة مترافقة مع الموسيقا التي هي عبارة عن عزف منفرد على العود مع أننا كنا نعهد الموسيقا مع الشعر فقط، ومن الملاحظ أن النصوص بمعظمها كانت نصوصاً قصيرة حديثة، هذه النصوص الجديدة ترافقت مع نصوص موسيقية كلاسيكية فترافق الجديد مع القديم، من ميزة هذه النصوص أنها تعتمد على المخيلة وأسطرة الواقع وكانت مشبعة بالأجواء الغرائبية بحيث تشبه هذا الزمن الغرائبي العجيب».
ومن اللافت أن الشباب الذين قدموا القصص كلهم لديهم تجارب في كتابة القصة ويحملون جوائز أدبية عديدة كالفنان "شادي نصير" ما يؤهلهم للاستقرار ومتابعة مسيرتهم الأدبية الخاصة بهم.
الجدير بالذكر أن الأمسية جمعت المشاركين من "أبجد وتر" وهم "سماح العلي، يازد مسلم، الحباب الخير، وطارق سلمان" إلى جانب الضيوف "شادي نصير، سارة حبيب، زينة ابراهيم حسن، هبة ديب".
قبل الختام اخترت لكم مقطعاً من القصة القصيرة التي قرأها الفنان "شادي نصير" بعنوان "سنة ونصف السنة":
«سنة ونصف السنة ولم يكتب .........؟ لا يعرفون بأن الكتابة إلهام لا دخل لي به، إنه من مكان بعيد يصعب أن أقدر من واهبه، الله أم المجتمع الذي حولنا، الليل والنهار، الأصدقاء أو ربما الشيطان؟ وتطعنني نظراتهم باستهزاء.
كل ليلة أمسك رزمة من الأوراق وقلما أتحسس برأسه الرقيق وحبره السائل التلافيف الملساء ويمضي الوقت.
أعود إلى غرفتي على صوت زجاج يكسر، تصطدم عيني بصورة قديمة لبلدي، كانت قطتي قد أسقطتها من مخبئها فوق الرف بعد غياب طويل،
الذهول اعتراني، ابتسامتها مثيرة، أشتعل الرأس شيباً، أحس بأن قيدي فك،
أركض إلى أوراقي التي تطايرت مبعثرة، التقطها متعثراً بسجادة الغرفة،
أسقط أرضاً وأضحك ملياً وأبدأ بإفراغ أفكار نامت سنة ونصف السنة».